نشر الكاتب جيمس دورسي على مدونته الخاصة مقالةً سلّطت الضوء على التصعيد الأخير الذي تشهده علاقات الولايات المتحدة الأمريكية بإيران. ويقوم دورسي، الباحث البارز في كلية راجاراتنام للدراسات الدولية بسنغافورة، باستعراض السيناريوهات المحتملة للتصعيد الأمريكي ضد إيران ومنها اللجوء إلى تطبيق نفس السياسة المتبعة في التعامل مع كوريا الشمالية وتلك التي يتم تطبيقها للتعامل مع فنزويلا. كما يتطرق دورسي في مقالته إلى الأسباب التي قد تدفع السعودية للسعي نحو محاولة تهدئة حالة التوتر السائدة بين طهران وواشنطن.
وبحسب صاحب المقالة، فإن حالة التوتر المتزايدة بين إدارة ترامب وإيران ستكشف النقاب على الأرجح عن تلافيف البيئة الجيوسياسية التي تعيشها الولايات المتحدة الأمريكية في الوقت الراهن.
ويظهر في مثل هذه الأحداث شبح مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون، وهو المعروف بتأييده اتباع الولايات المتحدة الأمريكية لسياسة خارجيةٍ صارمة يتم فيها الاعتماد على استخدام القوة العسكرية. ويمكن الهدف من هذه السياسة في فرض إرادة واشنطن وتعزيز مكانتها كقوة عظمى العظمى، خاصةً وأن المشهد السياسي العالمي يعيش على وقع الانتقال من نظامٍ عالمي أحادي القطب نحو نظامٍ آخر تتعدد فيه الأقطاب.
ويرى دورسي أن حالة التصعيد الدائرة بين طهران وواشنطن تظهر على الفور إعطاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الضوء الأخضر لبولتون باتجاه فرض “أقصى قدر ممكن من الضغط” على إيران. وتجدر الإشارة في هذا المقام إلى معارضة الرئيس الأمريكي لاتفاق عام ٢٠١٥ الذي تم بموجبه فرض قيود على برنامج إيران النووي.
وفي خطوةٍ غير مسبوقة، قام بولتون، لا البنتاغون، بالإعلان عن نشر الولايات المتحدة المتزايد لمجموعةٍ من حاملات الطائرات الأمريكي في الخليج العربي/الفارسي، وهي الخطوة التي اعتبرها مستشار الأمن القومي تحذيراً لإيران.
ويشترك ترامب وبولتون في العديد من النواحي برؤيةٍ عالمية تتماشى مع الطريقة التي يقوم من خلالها رجالٌ على شاكلة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووليا العهد السعودي والإماراتي محمد بن سلمان ومحمد بن زايد بتحديد المصالح الوطنية لبلادهم.
ويقوم الفيلسوف الإسرائيلي يورام هازوني، في كتابٍ استحسنه المحافظون، بتقديم الأسس النظرية الضمنية للرؤية العالمية التي يتبناها ترامب ومساعدوه وقادة الشرق الأوسط.
وبحسب هازوني، فإن القومية تأتي كنوعٍ من الدفاع في مواجهة الإمبريالية التي أعيد تعريفها لتجسّد طغيان القيم العالمية والمنظمات الدولية الليبرالية المماثلة للأمم المتحدة، وحلف الناتو، والمحكمة الجنائية الدولية. وعليه، يرى هازوني أن هناك اتفاق ضمني على قيمٍ مشتركة بين المستبدين والسلطويين والمعادين لليبرالية. ويشمل هذا التوافق كلاً من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والرئيس الصيني شي جين بينغ، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ناهيك عن رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي ورئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان.
ولاقت نظرية هازوني صدى بفضل الانتقادات الدولية المتزايدة للسياسة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين. ويعود السبب في الإقبال على نظرية هازوني في معاودتها التطرّق إلى ما يدعو له اليمين المتطرف من مناهضة للإمبريالية، ناهيك عن رفضها للقيم العالمية والمؤسسات الدولية التي تقيّد حرية البلدان داخل حدودها عبر ما تضعه من معايير.
إلا أن تبني نظرية هازوني يعيق رجالٍ على شاكلة ترامب وبولتون وشي جين بينغ وبن سلمان وبن زايد وإردوغان من فرض إرادتهم على الآخرين باسم المصلحة القومية.
ويرى كاتب مقالات الرأي جدعون رحمن أن ترامب وبولتون يستدعون في الحالة الأمريكية حقبةً سعت فيها الولايات المتحدة بوحشية لتحقيق مصالحها دون أخذ الآخرين بعين الاعتبار.
ويدرك هؤلاء أن الولايات المتحدة لن تتمكن على الأرجح من منافسة الصين على المدى البعيد، خاصةً وأن بكين ستتمكن من نهاية المطاف من التفوّق على واشنطن من الناحيتين الاقتصادية والعسكرية.
ويرى رحمن أن “تتلخص وجهة نظر في أن قبضة الولايات المتحدة تلين وتخاطر بالكثير إن هي تردّدت في التعامل مع أشد خصومها المماثلين لتنظيم داعش (الدولة الإسلامية) أو حتى مع روسيا والصين”. وبحسب دورسي، فإنه في مقدور رحمن إضافة إيران إلى هذه القائمة.
وإذا ما كان هناك ثمة أمل في الخروج من هذه الأزمة، فإنه يتمثل في معرفة المتحكم بسياسة الولايات المتحدة تجاه إيران أو فنزويلا. وينحصر الخيار على هذا المستوى بين ترامب الراغب بتجنب الاشتباكات العسكرية رغم جعجعته الدائمة، أو بولتون الذي يفضل استخدام الجيش كعصاً سحرية للتعامل مع هذه الدول.
وهنا لا بد من التساؤل عمّا إذا كان تطوّر أزمة إيران مماثلاً لتطوّر الأزمة مع كوريا الشمالية، علماً بأنه لا توجد حتى هذه اللحظة مؤشراتٌ تدل على الميل بهذا الاتجاه، حتى وإن إبدى ترامب استعداده في مرحلة ما للقاء الرئيس الإيراني حسن روحاني.
وبدا للوهلة الأولى أن ترامب ينساق وراء رغبات بولتون مثلما حدث حين هدد بالرد على كوريا الشمالية “بالنار والغضب” إن لم تقم بتفكيك سلاحها النووي. كما أنه سخر من الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون ووصفه بـ “رجل الصواريخ الصغير”.
وحثّ بولتون، قبل أشهر فقط من انضمامه إلى إدارة ترامب، على توجيه ضرباتٍ عسكرية ضد كوريا الشمالية في مقال افتتاحي نشره في صحيفة “وول ستريت جورنال”.
وجاء في مقالة بولتون: “لا ينبغي علينا الانتظار حتى تأتي اللحظة الأخيرة، خاصةً في ضوء الثغرات التي تعاني منها المخابرات الأمريكية أثناء التعامل مع كوريا الشمالية. إن انتظار هذه اللحظة سيعرضنا لخطر ضرب كوريا الشمالية بعد حصولها على أسلحة نووية، وهو وضعٌ أكثر خطورة مما عليه الحال الآن”.
وعقد ترامب منذ ذلك الحين قمتين غير حاسمتين، إن لم تكونا فاشلتين، مع الزعيم الكوري كيم. واكتفى الرئيس الأمريكي بأنه وكيم “وقعا في غرام بعضهما البعض”، رافضاً نصيحة بولتون بتشديد العقوبات على النظام الكوري الشمالي.
وبصورةٍ مماثلة، شعر ترامب أيضاً بالإحباط لأن الجهود التي بذلتها الولايات المتحدة بقيادة بولتون للإطاحة بالرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو قد تحولت إلى قصةٍ ساخرة عن سعي مستشار الأمن القومي لجرّ ترامب “إلى الحرب”.
ويبدو أن ترامب يتوافق حتى الآن مع سياسة بولتون الشرسة تجاه إيران، على عكس ما كان عليه الحال في حالتي فنزويلا وكوريا الشمالية.
وفي الوقت الذي يغيب فيه الوضوح حول استثناء إيران من ميول الرئيس المناهضة للحرب، فإن السعودية للمفارقة قد تلعب دور القوّة الساعية للتهدئة من حدّة حالة التوتّر.
وعلى الرغم من تأييده الظاهر لتغيير النظام في طهران، يرجح دورسي سعي الأمير محمد بن سلمان على المدى القصير والمتوسط لزعزعة استقرار النظام الإيراني وليس استبداله على الفور بحكومةٍ تتحلى بالقدرة على إعادة الجمهورية الإسلامية إلى الحظيرة الدولية واستعادة مكانتها بسرعة في أسواق النفط والغاز العالمية.
وكانت العقوبات المفروضة على إيران قد سمحت للمملكة بأن تصبح من أكبري مصدر الغاز خلال فترةٍ قصيرة من الزمن، كما أن المملكة ستتحول بعد ست سنوات إلى أحد المصدرين الأساسيين للغاز.
وإذا ما استمرت هذه المصلحة السعودية في الوجود، فإن الرياض ستتوافق حينها مع نفور ترامب من الحرب. ويرى الصحفي الإيراني أحمد هاشمي أن سياسة المساومة التي يتبعها الرئيس الأمريكي قد تتجسد في تطبيق “النموذج الفنزويلي” على إيران أو في زعزعة استقرار هذه الأخيرة.
ويقول الهاشمي: “لا يمكن التعامل مع ترامب وكأنه من السياسيين الذين يلجؤون إلى إشعال الحروب. فهو لا يرغب بتغيير النظام على غرار ما حدث في العراق وأفغانستان، خاصةً وأن الشروع بحربٍ جديدة ومكلفة في منطقة الشرق الأوسط لا يتماشى مع سياسة أمريكا أولاً”.
ويختم دورسي مقالته بالتالي: “قد يكون فشل بولتون في الإطاحة بالرئيس الفنزويلي مادورو بمثابة نقطة التحوّل في التعامل مع إيران، أو بالأحرى القشة التي قصمت ظهر البعير”.