وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

حكومة نتنياهو: ضد الليبرالية والديمقراطية والتسوية مع الفلسطينيين

تضرب حكومة نتنياهو الجديدة بعرض الحائط أي احتمال للمضي قدماً في عملية التسوية مع الفلسطينيين. كما أنها تقطع أي رابط لها مع علمانية وديمقراطية إسرائيل.

حكومة نتنياهو
صورة تم التقاطها يوم 21 يناير 2013 لإسرائيلي لدى وصوله إلى مسيرة تم تنظيمها في تل أبيب ضد الحكومة اليمينية المتطرفة لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. المصدر: JACK GUEZ / AFP.

ماجد كيالي

“تحالف الزعران” كان العنوان الغاضب لمقالة الكاتب الإسرائيلي يوسي فيرتر، تعقيبا على تشكيل بنيامين نتنياهو لحكومته المتطرفة الجديدة.

الحكومة التي تضم في صفوفها أحزاب الليكود واليمين القومي والديني المتطرف، تقطع التزام إسرائيل بمسارين حيوين. فمن جهة، تضرب حكومة نتنياهو بعرض الحائط أي احتمال للمضي قدماً في عملية التسوية مع الفلسطينيين. كما أنها تقطع أي رابط لها مع علمانية وديمقراطية إسرائيل. هذا على رغم الخلط الحاصل بين إسرائيل كدولة ديمقراطية لكل مواطنيها وبين تمييزها بين اليهود والفلسطينيين، من أصحاب الأرض الأصليين، وبين طابع إسرائيل كدولة دينية أو علمانية.

يقول فيرتر في مقالته إن “الثورة الأيديولوجية والاجتماعية والقانونية والاقتصادية والنظامية التي تنذر بها اتفاقات الائتلاف الحكومي (…) ستغير وجه إسرائيل إلى الأبد. هذا هو تحالف الزعران: شراهة الحريديين. النهم المسيحاني لاتباع سموتريتش“.

من جانبه، يحيل أبراهام بورغ، أحد قادة حزب العمل ورئيس الكنيست سابقا، تشكيل الحكومة إلى التناقضات التي نشأت مع إسرائيل منذ قيامها. وفي المقال الذي نشره على موقع هآرتس يوم 15 ديسمبر 2022، يقول بورغ: “تجري في إسرائيل ثلاث حروب باردة هي الصراع بين الاستقلال اليهودي والنكبة الفلسطينية؛ والتوتر البنيوي بين السيادة الحاخامية والديمقراطية التي تنتمي لكل المواطنين؛ والحرب بين المحافظة الراسخة والليبرالية المنفتحة”. ويضيف: “يوجد هنا تفوق عرقي؛ احتلال فاسد؛ ديانة يهودية لا تعرف كيفية مواجهة سيادة اليهود ومبدأ ’شعب الله المختار‘ الذي يناقض مبدأ الديمقراطية”.

وفي وثيقة الخطوط العريضة للائتلاف الحاكم، تم التأكيد على أنّ “للشعب اليهودي حقٌّ حصري على كلّ مناطق أرض إسرائيل”. كما شدّدت الوثيقة على أن الحكومة ستتحرك لدعم الاستيطان وتطويره “في جميع أنحاء أرض إسرائيل؛ في الجليل والنقب والجولان ويهودا والسامرة”. ويعني هذا الأمر أن الاستيطان سيطال الضفة الغربية.

ويحذر الصحفي الإسرائيلي ألون بن دافيد من ذلك التطور الخطير بالقول: “على مدى أكثر من 55 سنة، نجحت إسرائيل في أن تثبت حالة هي بمثابة شبه معجزة: احتلال شعب آخر وإبقائه تحت حكم عسكري، وإقامة استيطان لنحو نصف مليون إسرائيلي على تلك الأرض، وكلّ ذلك دون أن تُلفظ إسرائيل من أسرة الشعوب وتوصف كدولة منبوذة”.

أيضا، وبالتوازي، جاء في تلك الخطوط أن “الحكومة ستنفذ خطوات من أجل ضمان القدرة على الحكم وإعادة التوازن اللائق بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية”. ويأتي ذلك في إطار محاولة الحد من السلطة القضائية الممثلة بالمحكمة العليا لصالح السلطتين التشريعية والتنفيذية، سيّما وأن هذه المحكمة تتهم بكونها صرحاً للعلمانية.

وعن ذلك، يقول يوسي هدار: “إسرائيل آخذة في التفكك. لم يعد الحديث يدور فقط عن التوترات المعروفة بين اليمين واليسار، المتدينين والعلمانيين، المركز والمحيط. هذه المرة يدور الحديث عن كانتونات حقيقية، بغياب حوكمة وبفقدان سيادة. منذ نشأت وإسرائيل تعيش تهديدات لا تتوقف من الخارج. لكن يخيل أن التهديد الأخطر هذه المرة، التهديد الوجودي، هو من الداخل.”

الملاحظة الأساسية هنا هي أن التطرف وكراهية للآخر سيرتدان عكسا على إسرائيل. وممّا لا شك فيه، فإنّ تقلّص هامش الديمقراطية والليبرالية في المجتمع الإسرائيلي، سينقل عدواه إلى علاقة التيارات الإسرائيلية بعضها ببعض.

وتبعا للتغيّرات الحاصلة في إسرائيل، كتب المحلل تسفي برئيل مقالا تساءل فيه عن صعوبة إقناع العالم بأن الصهيونية ليست شكلاً من أشكال العنصرية. ووسط حضور قائمة واسعة من المتطرفين في قلب الحكومة الإسرائيلية الجديدة، يقول بارئيل في مقاله: “المرشح لمنصب وزير الأمن القومي هو إيتمار بن غفير، أحد تلاميذ مائير كهانا. والوزيرة المرشحة أوريت ستروك تقضي بأن ’الطبيب يمكنه عدم تقديم العلاج الذي يعارض عقيدته طالما أن هناك ما يكفي من الأطباء الآخرين الذين يمكنهم تقديم العلاج‘. بتسلئيل سموتريتش، وهو الشريك الأيديولوجي لبن غفير، يخشى من أن زوجته ’ستكون في المستشفى قرب امرأة عربية‘.

وقال سمورتيتش للعرب: ’أنتم موجودون هنا بالخطأ لأن بن غوريون لم ينه العمل في 1948 ولم يقم برميكم‘. آفي معوز، الظلامي الذي يكره المثليين، يعرف بأن ’الإسهام الأكبر للنساء في الدولة هو أن يتزوجن ويقمن عائلة نموذجية‘”.

ويضيف بارئيل: “هؤلاء العنصريون لن يتسلموا فقط حقائب مهمة في حكومة نتنياهو، بل هم أيضا سيشكلون وجه الدولة. هم سيشكلون الأجيال القادمة من خلال جهاز التعليم والميزانيات التي سيتحكمون بها. هؤلاء هم آباء الصهيونية الجديدة والعنصرية والظلامية، الذين يعتبرون قيم الديمقراطية خطأ تاريخيا، وأنها لا تناسب الدولة اليهودية الحقيقية. هؤلاء يجيّرون مجموعة الادعاءات اللاسامية وملخص نظرية العرق ويستخدمونها من أجل بناء دولة نقية، يهودية، صهيونية وعنصرية، بشكل صريح وقانوني”.

ما يجب إدراكه هو أن هذا الكلام عن إسرائيل كدولة عنصرية ودينية وظلامية يأتي من شخص يعتبر نفسه صهيونيا ويهوديا ويعيش في إسرائيل. هي ليست تصريحات صادرة عن شخص عربي. كما لا بد من إدراك أن هذا الوصف خلصت إليه تقارير دولية سبق وأن أشرت لها في المقالات السابقة، ومنها تقرير هيومن رايتس ووتش، وتقرير منظمة العفو الدولية، وتقرير المفوضية الدولية لحقوق الإنسان، وحتى تقرير منظمة بتسيلم الإسرائيلية.

ملاحظة

الأفكار الواردة في هذه التدوينة هي آراء المدوّن الخاص بنا ولا تعبّر بالضرورة عن آراء أو وجهات نظر فنك أو مجلس تحريرها.