وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

عن توتر العلاقات الإسرائيلية الأمريكية

يمثل توتر العلاقات الإسرائيلية الأمريكية الحالي بشأن محاولات نتنياهو تقويض القيم الديمقراطية فرصة لإعادة تقييم طبيعة العلاقة بين البلدين.

توتر العلاقات الإسرائيلية الأمريكية
صورة تم التقاطها يوم 9 مارس 2016 للرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على هامش مؤتمر صحفي عُقد في مكتب الأخير بالقدس. المصدر: DEBBIE HILL/ AFP/ POOL.

ماجد كيالي

ثمة غضبٌ أمريكي كبير على نتنياهو وحكومته، التي تعتبر الأكثر تطرفاً بين الحكومات التي عرفتها إسرائيل منذ إقامتها في عام 1948.

حالة التوتر الراهنة بين الجانبين جاءت على خلفية سعي حكومة نتنياهو الانقلاب على النظام السياسي. فهذه الحكومة تحاول تقويض السلطة القضائية وصلاحيات المحكمة العليا. كما أنها تسعى للإمساك بكلّ السلطات، بما يشبه الأنظمة الدكتاتورية. وفاقم من حالة التوتّر تصريحات بعض الوزراء المتطرفين العنصريين عن محو بلدة حوارة الفلسطينية، وعن نفي وجود الشعب الفلسطيني.

وبغض النظر عن التفاصيل، فإن هذا التوتر الجديد ـ القديم يشكل مناسبة لمراجعة لطبيعة العلاقة التي تربط الطرفين الأمريكي والإسرائيلي. وإذا ما قمنا بهذه المراجعة، فإنه ينبغي علينا القيام بها بعيداً عمّا يسود الفكر السياسي العربي حولها من آراءٍ مبسطة ومطلقة.

هذه الآراء تمركزت حول مدرستين. وتقول المدرسة الأولى بتبعية إسرائيل لأمريكا، وأنها مجرد أداة أو قاعدة لها في المنطقة. أما المدرسة الثانية فتقول إن إسرائيل هي التي ترسم السياسة الشرق أوسطية للولايات المتحدة. وتستند هذه المدرسة في قناعتها تلك على ما يتمتع به اللوبي اليهودي من نفوذ في الحياة السياسية والاقتصادية الأمريكية.

ثمة وجهة نظر أخرى تقول إنّ إسرائيل لم تعد كما كانت في السابق ذخراً إستراتيجياً للولايات المتحدة في المنطقة. ويعتقد مناصرو هذه الرؤية أن إسرائيل تحولت بمرور الزمن إلى عبءٍ على كاهل الولايات المتحدة في المنطقة.

في الواقع، فقد أثبتت التجربة التاريخية خطأ وجهتي النظر السابقتين. فإسرائيل ليست مجرد دولة تابعة. والولايات المتحدة بدورها هي أكبر من أن تديرها دولة أخرى أو لوبي معين. وخلال العقود الماضية، أثبتت الولايات المتحدة قدرتها على تحديد سقف السياسة الإسرائيلية. كما برهنت واشنطن في أمثلة متعددة على أنها تستثمر هذه السياسة لصالح تعزيز نفوذها في المنطقة.

بالمقابل، فإنّ الاستجابة الإسرائيلية للضغوط الأمريكية بقيت محكومةً بجملةٍ من العوامل المعقدّة. ويعني هذا الأمر أن هذه الاستجابة ليست تلقائية أو ميكانيكية، بل هي استجابة “صراعية” إن صح التعبير. وجرت العادة على أن تأخذ إسرائيل في الاعتبار الجوانب الذاتية والموضوعية بالنسبة لكلّ موقف أو حالة.

ويعني ذلك أن إسرائيل لم تنقد وراء السياسات الأمريكية التي لا تتلاءم معها، بل إنها صارعت هذه السياسات حيث أمكنها ذلك. وفي هذا السياق، فإنّ إسرائيل تحاول توسيع الهامش الخاص بها لتكييف المشروعات الأمريكية مع أوضاعها وأولوياتها. وبطبيعة الحال، فإن إسرائيل تقوم بمناوراتها على هذا المستوى عبر الاستفادة مما تتمتع به من وضعٍ خاص لدى الولايات المتحدة.

على ذلك، فإن التحليل الصحيح لطبيعة العلاقات الأمريكية ـ الإسرائيلية يتيح لنا تعيين حدود الضغط الأمريكي الممكن على إسرائيل. وللحقيقة، فإنّ الولايات المتحدة الأمريكية تملك أوراق ضغطٍ عديدة على إسرائيل، منها تزويدها لإسرائيل بمساعداتٍ اقتصادية هائلة. ومن ضمن هذه الأوراق، علاقات التعاون التكنولوجي التي تعتمد عليها إسرائيل كثيراً لضمان تفوقها التكنولوجي والعلمي في المنطقة. كما يندرج في إطار هذه الأوراق علاقات التعاون العسكري بين الجانبين، وضمان الولايات المتحدة لتفوّق إسرائيل على الدول العربية. يضاف إلى ذلك ضمان الولايات المتحدة أمن إسرائيل الإستراتيجي، وتغطيتها من النواحي السياسية.

أما لماذا لا تستخدم الإدارة الأمريكية هذه الأوراق فيعود، كما قدمنا، لأسباب عدّة. ومن هذه الأسباب، العلاقات الوثيقة التي تربط الولايات المتحدة بإسرائيل، فضلاً عن المكانة التي تتمتع بها إسرائيل في خاطر المجتمع الأمريكي. يضاف إلى ذلك علاقات التحالف السياسي الوظيفي بين الجانبين. وفوق ذلك، فإنّ مصدر التساهل الأمريكي مع إسرائيل ينبع من إدراك الولايات المتحدة لهشاشة إسرائيل وحساسية المجتمع الإسرائيلي. فهذا المجتمع مجتمعٌ استيطاني لم يتكوّن في سياقٍ تاريخي في المكان والزمان.

هكذا، فإنّ الموقف الأمريكي هو المرّجح في هذه العلاقة. ويمكن القول إن الاعتماد الإسرائيلي على الولايات المتحدة اعتماد وجود. أما الاعتماد الأمريكي على إسرائيل فهو اعتماد مصالح ولا يمسّ بوجود الولايات المتحدة ذاتها، وإنما بشكل وجودها في المنطقة.

وعلى ذلك، فإنّ إسرائيل لا تستطيع الذهاب بعيداً في عرقلة المساعي الأمريكية أو مخالفتها إذا كان هناك إجماعٌ في الولايات المتحدة على تلك المساعي. وقد أكدت التجربة التاريخية أن إسرائيل هي التي تخضِع سياستها للمتطلبات الأمريكية، لا العكس. وحين لا يكون هناك تعارضٌ بين مصالح الولايات المتحدة وإسرائيل، فإن هذه الثانية هي التي تقرر. أما في حال وجود تعارض بين الجانبين، فإنّ الأمر يُحسم لصالح الولايات المتحدة.

هذه المعادلة عليها أمثلةٌ كثيرة. ومن هذه الأمثلة ما حصل بعيد العدوان الثلاثي على مصر عام 1956. حينذاك، أجبرت الولايات المتحدة إسرائيل على الانسحاب من سيناء ومن قطاع غزة. مثالٌ آخر وقع في عهد إدارة الرئيس الأمريكي جيمي كارتر، فقد اضطر رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن لعقد الصلح مع مصر والانسحاب من سيناء وتفكيك المستوطنات الموجودة فيها.

وعندما شنّت الولايات المتحدة الحرب لإخراج العراق من الكويت عام 1991، ألزمت إسرائيل بالتزام السكون والصمت. وحين عقد مؤتمر مدريد عام 1991، جلب الرئيس بوش الأب رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق شامير إلى هذا المؤتمر برغم معارضة الأخير لانعقاده. واضطر نتنياهو في عهده لتوقيع اتفاق الانسحاب من أجزاء كبيرة من الخليل وعقد اتفاق واي ريفر بضغط من الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون.

وعلى الأرجح هذا ما سيحصل مع التوتر الأمريكي ـ الإسرائيلي بما يخص محاولة حكومة نتنياهو تغيير طبيعة النظام السياسي الإسرائيلي والتنكر لقيم الديمقراطية ـ الليبرالية. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن التعامل بهذه القيم التي تجمع إسرائيل بالغرب يتعلق بمواطنيها اليهود دون الفلسطينيين.

هكذا يتبين أن العلاقة الإسرائيلية ـ الأمريكية وطيدة وإشكالية في نفس الوقت. وتظهر طبيعة هذه العلاقة في التجاذبات التي وقعت بين إدارات بوش الأب وكلينتون وأوباما وبايدن في مواجهة حكومات شامير ونتنياهو.

كل المعطيات المذكورة تشير إلى حصول إسرائيل على قوّة مضافة من طبيعة النظام السياسي الأمريكي. كما أنها تستفيد من الروابط الثقافية الأمريكية ـ الإسرائيلية، ونظم القيم المشتركة، وتنظيم إدارة اللوبي اليهودي لمصالحه ومن قدرة إسرائيل وأصدقائها في أمريكا على تقريب المصالح المشتركة. وبالأساس، فهي تستمد قوة مضافة من ضعف وتشتت الموقف العربي.

لكلّ ذلك، من المبكر التكهّن بشكل حلّ الأزمة الحالية، والتداعيات الناشئة عن ذلك على علاقات الطرفين. ولأن الشيء بالشيء يذكر، فإنه من المبكر التكهّن بتداعيات الأزمة الحالية على علاقات الإسرائيليين ببعضهم، وبنظامهم السياسي.

ملاحظة

الأفكار الواردة في هذه التدوينة هي آراء الكاتب الخاص بنا ولا تعبّر بالضرورة عن آراء أو وجهات نظر فنك أو مجلس تحريرها.