ماجد كيالي
بقدر ما يثير قرار الحكومة الهولندية، المتعلق بوقف تمويلها “اتحاد لجان العمل الزراعي” في فلسطين الحيرة، فإنه يثير، مجددا، عديدا من الأسئلة عن استمرار الظلم اللاحق بالفلسطينيين، وتدني الوعي دوليا بهذه القضية، في ظروفها التاريخية، وفي معطياتها الراهنة، ومسألة الخلط بين الظالم والمظلوم، أو بين الضحية والجلاد، أو حتى المساواة غير العادلة بينهما.
على هذا الأساس يجدر ملاحظة الحيثيات الآتية:
أولاً، إن صنّاع القرارات، والمتحكمين بالرأي العام، يتناسون، أو يغطون، عمدا، الحقيقة في شأن قضية فلسطين، والحقيقة هنا أن إسرائيل، بالنسبة للفلسطينيين أصحاب الأرض الأصليين، هي دولة احتلال، أي دولة استعمارية، من النوع الاستيطاني، بمعنى أنها تشتغل على اقتلاع أهل الأرض الأصليين، وتحلّ مهاجرين يهود، من أوروبا وروسيا والولايات المتحدة ومن شتى البلدان مكانهم. هؤلاء في عرف إسرائيل يمارسون العودة إلى وطنهم، باعتبار أن إسرائيل تعتبر نفسها وطنا لكلّ يهود العالم! في المقابل فإنها تتنكر لحقّ العودة للاجئين الفلسطينيين الذين طردوا من أرضهم وبيوتهم في العام 1948 ما أدى إلى خلق مشكلة اللاجئين.
بل إن إسرائيل تمارس سياسات استيطانية في الضفة الغربية وضمنها القدس الشرقية، المحتلين في العام 1967، وفي الأثناء فإن مستوطنيها يعتدون على الفلسطينيين، تحت حراسة قوات الأمن الإسرائيلية، ويحرقون أشجار الزيتون، ويخربون المحاصيل، وتقوم إسرائيل، فوق ذلك بهدم البيوت في تلك المناطق التي يفترض إنها تابعة للسلطة الفلسطينية الناشئة بعد اتفاق أوسلو (1993)، الذي باتت إسرائيل تتنكر له، كما تقوم باعتقال المناهضين لسياساتها الفلسطينيين لآجال طويلة من دون محاكمات، فيما يطلق عليه “الاعتقال الإداري”. يمكن إضافة معلومات كثيرة أخرى، لكن يفضل لمن يريد الحقيقة الاطلاع على وثائق صادرة عن منظمات دولية، بل وإسرائيلية، من مثل منظمة هيومن رايتس ووتش، ومنظمة العفو الدولية، ومنظمة بتسيليم الإسرائيلية.
ثانيا، حتى في شأن عملية التسوية فإن القيادة الفلسطينية قدمت تنازلات مهمة لصالح إسرائيل، بموافقتها على اتفاق أوسلو (1993)، قبل ثلاثة عقود، على شكل حلٍّ يتمكن فيه الشعب الفلسطيني من تقرير مصيره في دولة يقيمها في الأراضي التي احتلتها إسرائيل بالقوة في العام 1967، أي منذ 55 عاما، إلا أن إسرائيل قوّضت تلك العملية، بسبب عدم اعترافها بحقّ الفلسطينيين بأي جزء من أراضيهم، وبسبب إصرارها على إقامة المستوطنات في الأراضي المحتلة، ومواصلة التحكم بالفلسطينيين في تلك الأراضي، بكل أشكال السيطرة بالوسائل العسكرية والإدارية والاقتصادية.
وفي الواقع، فإن الفلسطينيين يرفضون ويقاومون هذا الاحتلال بكل الأشكال وبخاصة بواسطة النضال السياسي والسلمي والدبلوماسي، وتجهد قيادتهم لإثبات قدرتها على السيطرة. إلا أن إسرائيل، رغم كل ما تقدم، وبواقع تحكم اليمين القومي والديني في حكومتها، وخياراتها، ترفض الانصياع للقرارات التي أقر بها المجتمع الدولي للفلسطينيين، وهذا هو مصدر الاضطراب والعنف في العلاقات بين إسرائيل والشعب الفلسطيني. لكن السبب الأساسي في ذلك هو إسرائيل وسياساتها، وبديهي فإن زوال تلك السياسات هو الذي من شأنها أن يغير هذا الوضع.
ثالثا، منذ فترة طويلة تحاول إسرائيل التأثير على الرأي العام لصالح روايتها عن صراعها مع الفلسطينيين. فهي تملك الإمكانيات المادية، ولديها سيطرة على وسائل الإعلام المؤثرة في العالم. كما إنها تتمتع بعلاقات مميزة مع أقوى دول العالم، من الولايات المتحدة إلى أوروبا إلى روسيا والصين والهند. لذا، فإن كل تلك العوامل تعمل على تجميل صورة إسرائيل.
في هذا الإطار، يمكن الحديث عن مسألتين تخاتل فيهما إسرائيل الرأي العام، الأولى، تتمثل في طرح ذاتها كضحية للفلسطينيين كأنها هي الضحية، أي كأن الفلسطينيين يحتلون أراضيها، أو لديهم ما لديها من سلاح للاعتداء عليها. الثانية، في تعمد الخلط بين العداء لإسرائيل والعداء لليهودية، وبديهي أن الفلسطينيين، كما تؤكد مقررات منظمة التحرير، وكل مقررات الفصائل الفلسطينية، لا يعادون اليهودية، لسبب بسيط لأنهم يعتبرونها إحدى الديانات السماوية الثلاث (الإسلام والمسيحية واليهودية)، كما تتعمد الخلط بين معاداة السامية، ومعاداة إسرائيل، متجاهلة أن الفلسطينيين ساميون، أيضا.
وفي الحالين فإن إسرائيل شيء واليهودية أو السامية شيء آخر، فالفلسطينيون معادون لسياسات إسرائيل الاستعمارية والاستيطانية والعنصرية، وهذا ما تؤكده التقارير الدولية بشأن سياسات إسرائيل في الأراضي المحتلة (تقارير منظمة العفو الدولية، وهيومن رايتس ووتش وبتسيليم)، وكذلك تقارير الأمم المتحدة.
هذا يضع القرار الهولندي في ميزان العدالة، كما يفيد بأن هذا القرار يجامل أو يحابي موقف الحكومة الإسرائيلية التي قام وزير دفاعها (بيني غانتس) بتصنيف ست مؤسسات مدنية فلسطينية كمنظمات إرهابية (في أكتوبر الماضي)، وإخراجها من القانون، وهي مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان، والحركة العالمية للدفاع عن الأطفال – فلسطين، ومؤسسة الحق، واتحاد لجان العمل الزراعي، واتحاد لجان المرأة الفلسطينية، ومركز بيسان للبحوث والإنماء، علما إنها كلها منظمات مجتمع مدني، وتمارس نشاطها وفق المعايير الدولية، في كل شؤون عملها، وتنتهج العمل السلمي في كفاحها من أجل حقوق شعبها.
وللتذكير فإن ذلك القرار الإسرائيلي لم يلق ترحيبا في إسرائيل ذاتها، ولا في الإدارة الأمريكية إذ أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس، في حينه، بأن الولايات المتحدة ستطلب توضيحات حول القرار الإسرائيلي، مشدداً على «أهمية احترام حقوق الإنسان، والحريات الأساسية، والمجتمع المدني القوي» معرباً أيضاً عن «قلق الولايات المتحدة من النية لتوسيع البناء في المستوطنات».
وفي ذات السياق فقد أدان عضوا الكونغرس الأميركي بيتي ماكولوم ومارك بوكان، القرار الإسرائيلي. وقالت ماكولوم في بيان: «أدين هذا الإجراء لإغلاق مؤسسات المجتمع المدني الشرعية التي تدافع عن حقوق الإنسان الفلسطيني». وأضافت «هذا القرار ليس محاولة لإسكات مؤيدي الحقوق الفلسطينية فحسب، بل هو قرار معادٍ للديمقراطية ومخالف للقيم المتوقعة من حليف للولايات المتحدة».
باختصار، هولندا معنية بمراجعة قرارها، على الأقل وفقا لمقررات الأمم المتحدة، وبما ينصف الشعب الفلسطيني الضحية، وبما يعزز المسار المتعلق بدعم حقوق الشعب الفلسطيني العادلة والمشروعة، باعتباره الشعب الضحية، فهذا ما يفيد هولندا والسلام والعدالة في العالم.
واختم هنا بوجهة نظر إسرائيلية حول هذا الموضوع، نشرت في صحيفة “هآرتس”، يقول فيها توم مهغار المحلل الإسرائيلي: “إذا كان “ميرتس” و”العمل” يلتزمان حقا بقيم اليسار فقد حان الوقت لجلب ذلك إلى الحكومة. على الصعيد السياسي يجب عليهما التصميم على إلغاء إعلان وزير الدفاع، بني غانتس، عن ست منظمات فلسطينية لحقوق الإنسان بأنها منظمات “إرهاب”. لم تقدم إسرائيل أي دليل يبرر هذا القرار السيء.”
ملاحظة
الأفكار الواردة في هذه التدوينة هي آراء المدوّن الخاص بنا ولا تعبّر بالضرورة عن آراء أو وجهات نظر فنك أو مجلس تحريرها.