وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الشعب الفلسطيني تحت قهر الاحتلال والمقاومة ردة فعل طبيعية

يعيش الشعب الفلسطيني في ظروفٍ قاهرة تفرضها عليه إسرائيل بالنار والحديد. ولذلك، فإنّ أيّ عمل من قبله هو ردة فعلٍ طبيعية على الاحتلال والقهر والامتهان.

الشعب الفلسطيني
صورة تم التقاطها يوم 1 أغسطس 2023 لجنود إسرائيليين وهم يشتبكون مع فلسطينيون احتجوا على مستوطنين إسرائيليين أقاموا الخيم في أراضي قرية حالول شمال الخليل في الضفة الغربية المحتلة. المصدر: HAZEM BADER / AFP.

ماجد كيالي

يعيش الشعب الفلسطيني في ظروفٍ قاهرة تفرضها عليه إسرائيل بالنار والحديد. ومنذ بداية عام 2023، لقي 174 فلسطينياً مصرعهم برصاص الجيش الإسرائيلي. وفي عام 2022، قتل 232 من الفلسطينيين. وإذا ما استثنينا ضحايا الحروب الإسرائيلية على غزّة، فإن عام 2022 كان العام الذي لقي فيه أكبر عدد من الفلسطينيين مصرعهم على يد إسرائيل. وللعلم، فإن أغلب الضحايا كانوا من فلسطينيي الضفة الغربية.

وبطبيعة الحال، فإن الأرقام السابقة تشير إلى واقع الحال في فلسطين. فإسرائيل تحتل أراضي الفلسطينيين، ولا تبالي بالقرارات الدولية المنصفة لحقوق الفلسطينيين. كما أن هذه الدولة تتمتع بجبروت عسكري لا يضاهى. وفوق كلّ ذلك، فإنها تهيمن على الفلسطينيين ومواردهم وحركاتهم.

وإذا ما مضينا بالإحصائيات، فإننا سنشعر بما يعيشه الفلسطينيون من وضعٍ بائس. وأقل ما توصف فيه خسائر الفلسطينيين البشرية بين عامي 2006 و2021 بالفادحة. وإذا ما احتسبنا ضحايا الحروب التي شنتها إسرائيل على غزة، فإن عدد القتلى الفلسطينيين في تلك الفترة يصل إلى 7269 شخصاً، بمعدل 484 فلسطيني سنويا. في المقابل، فقد خسرت إسرائيل 340 إسرائيلياً في نفس الفترة. وبكلماتٍ أخرى، فإن خسائر الفلسطينيين تبلغ 21 ضعف خسائر الإسرائيليين.

أما على مستوى الجرحى الفلسطينيين في تلك الفترة، فإنّ عددهم يبلغ 104919 فلسطينياً، مقابلهم 3143 إسرائيلياً. أي أنّ الجرحى الفلسطينيين يشكلون 23 ضعفا من الجرحى الإسرائيليين، علما بأنّ إصابات الفلسطينيين أشد أو أكثر ضررا.

العامان الحالي والماضي شهدا موجة عملياتٍ فدائية جريئة. وفي أغلب الأحيان، استخدم في هذه العمليات أسلحةٌٌ نارية. واتسمت هذه العمليات بالفرديّة، والاستقلالية عن الفصائل. واستهدفت هذه الموجة في أغلب الأحيان جنودا ومستوطنين، وشملت أحيانا مدنا إسرائيلية. ومنفذو هذه العمليات أشخاصٌ من الجيل الشاب. أغلبهم نشأ بعد الانتفاضة الثانية.

الموجة الجديدة هي امتدادٌ للموجات التي شهدتها الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 2015. وتلك الموجات اتسمت أيضاً بالفردية، مع استخدام السكاكين والدهس. وكلها تعتبر امتداداً للهبات الشعبية التي شهدتها الأراضي الفلسطينية، سيّما في القدس.

ما يفترض لفت الانتباه إليه، أو التذكير به، هو أنّ الشعب الفلسطيني يرزح تحت نير الاحتلال الإسرائيلي، على الأقل منذ 1967، أي منذ 56 عاما. وكلّ هذا الكلام عن الاحتلال يتوافق مع ما صادقت عليه قرارات مجلس الأمن الدولي وكلّ هيئات الأمم المتحدة.

وبكلماتٍ أخرى، فإن الفلسطينيين ضحية احتلال إسرائيل لأراضيهم والسيطرة على حياتهم بالقوة. وهم يعيشون حالة القهر، والإحباط، والغضب، وفقدان الأمل، سيما بعد انسداد أي أفق لإقامة دولة فلسطينية مستقلة. ويترافق ذلك مع انتشار حالة الفقر، والبطالة، وافتقاد فرص العيش الكريم. ولذلك، فإنّ أيّ عمل من قبلهم، وضمنه المقاومة، هو ردة فعلٍ طبيعية على الاحتلال والقهر والامتهان؛ هذا أولا.

ثانيا، ثمة تحولٌ كبير وخطير يحدث اليوم في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وبات الفلسطينيون في مواجهة جيش الدولة الاستعمارية العنصرية، وفي مواجهة جيش آخر وهو ميليشيات المستوطنين المتطرفين. وللمعلومية، فإن هؤلاء المستوطنين يقيمون بشكل غير شرعي في أراضي الفلسطينيين، ويعتدون على أملاكهم، ويهددون حياتهم. ويعني هذا الوضع أن الصراع بين الطرفين عاد إلى المرحلة الصفرية، بحيث بات على الوجود، وليس على شكل الوجود فقط.

ثالثا، تأتي مقاومة الفلسطينيين لمواجهة سياسات إسرائيل التي تتمثل بالاستيطان ومصادرة الأراضي وهدم البيوت والاعتقال والقتل. وهنا، لا بدّ وأن نقول إنّ ما تتبعه إسرائيل من سياسات يغلق أيّ نافذة أملٍ لدى الفلسطينيين بشأن حياةٍ طبيعية ومنصفة لهم في أراضيهم.

رابعا، ثمة ملاحظةٌ مهمة مفادها أن خسائر إسرائيل البشرية، والمعنوية، من عمليات فدائية متفرقة، نفذها شبابٌ أفراد، مستقلين عن الفصائل. وهذا التطور ناجمٌ عن الغضب الناتج عن سياسات إسرائيل القمعية والقهرية والتي تمتهن الفلسطينيين. وفاقم من أثر تلك السياسات اعتداءات المستوطنين الهمجية على بيوت الفلسطينيين الشباب وأهاليهم، وعلى حاضرهم ومستقبلهم. وكلّ تلك الاعتداءات تجري تحت حماية الجيش الإسرائيلي، وضمن قوانين تحرّم على الفلسطينيين الحق الطبيعي في الدفاع عن النفس.

خامسا، ثمة ترابط بين سياسات الحكومة الإسرائيلية المتطرفة التي يقودها بنيامين نتنياهو تجاه الفلسطينيين وسياساتها لتقويض الطابع الديمقراطي لإسرائيل نسبة لمواطنيها اليهود. ويشمل ذلك وضع يد الحكومة على السلطة القضائية، بتقويض دور المحكمة العليا. وفي مقالة رأي أخيرة نشرها على موقع هآرتس، قال المحلل الإسرائيلي روجل الفر عن ذلك وعن الإرهاب اليهودي ضد الفلسطينيين:

“المستوطنون الذين يحرقون البيوت ويخربون السيارات والمحلات التجارية والبيوت والحقول في القرى الفلسطينية، وصمة عار على جبين المجتمع الإسرائيلي. الحديث يدور عن عنف متوحش وقاتل بصورته الخام والحيوانية والقبلية المشبعة بالسخرية المريرة. الليبراليون يحتجون على الديكتاتورية لأنّها تهددهم بشكل مباشر، كأنّ الإرهاب اليهودي موجهٌ فقط للفلسطينيين.
لكن الليبراليين مخطئون، فالإرهاب اليهودي وبحق يهدّدهم بشكل مباشر. وسيأتي يومٌ وسيوجّه ضدهم، بصورته الخام مع المشاعل والعصي. إسرائيل تدهورت إلى حالة فوضى لا حدود معروفة لها. نصف مليون من مواطنيها يعيشون في مستوطنات مسوّرة وغير قانونية حسب القانون الدولي. وقد تفككت إلى قبائل. لا يوجد في إسرائيل قانونٌ واحد أو أخلاقٌ واحدة. وفي ظل غيابها، سيتم حسم الصراعات الداخلية الوطنية على الأغلب بحرب أهلية”.

ملاحظة

الأفكار الواردة في هذه التدوينة هي آراء المدوّن الخاص بنا ولا تعبّر بالضرورة عن آراء أو وجهات نظر فنك أو مجلس تحريرها.