وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

تونس: ساحة باردو كمان وكمان

تونس: ساحة باردو
صورة تم التقاطها يوم ٢٦ يوليو ٢٠١٢ أمام مقر البرلمان التونسي في العاصمة التونسية تونس. ويظهر في الصورة مناصرو الرئيس التونسي قيس سعيّد يهتفون بالشعارات المناهضة لحزب النهضة الإسلامي الأكبر في البلاد، وذلك بعد الخطوة التي اتخذها سعيد لحل البرلمان وإقالة رئيس الوزراء. وفي وقتٍ متأخر من يوم ٢٥ يوليو ٢٠٢١، أصدر الرئيس قيس سعيد قراراً بحل البرلمان وإقالة رئيس الوزراء هشام مشيشي، وهو ما دفع الحزب السياسي الأكبر في البلاد إلى استنكار ما وصفه بـ “الانقلاب”. المصدر: FETHI BELAID / AFP.

حكيم مرزوقي

الخطوة التي أقدم عليها الرئيس التونسي قيس سعيد بتجميد عمل البرلمان وتنحية رئيس الحكومة هشام المشيشي، وترأس السلطة التنفيذية في انتظار تعيين حكومة قادمة، استبشرت لها غالبية من التونسيين. هم اعتبروها استجابة لمطالب جماهيرية مشروعة، وسط أزمات اقتصادية واجتماعية ووبائية خانقة.

ما زالت الحشود في تونس تحتفل في الشوارع والساحات وتعتبر ما حدث انتصارا للديمقراطية وإرادة الشعب ما عدا الإسلاميين الذين عدّوا الأمر انقلابا رغم أنه استند إلى الفصل 80 من دستور 2014.

هذا الحدث المفصلي الذي وقع بمنتهى السلمية والسلاسة، ودون أي صدام أو إراقة قطرة دم واحدة، ليس غريبا على هذا البلد الذي أسس للربيع العربي واقترنت ثورته بالياسمين. أما البلدان التي حاولت أن تنسج على منوال تونس فقد عانت ما عانته من سجون وقتل وتهجير وصدامات واشتباكات مثل ليبيا ومصر وسوريا واليمن.

ما سر هذه السلمية العجيبة التي ميزت تاريخ بلد لا يمكن فصله عن محيطه العربي والإسلامي، وما الذي منحه هذا الاستثناء؟

المتأمل في تاريخ تونس الحديث يلحظ أن كلّ المتغيرات السياسية الكبرى تأتي بفجائية وسرعة وسلاسة لا نجدها في دول المنطقة العربية ثم أن غالبيتها خالية من العنف والدماء. هذه المتغيرات تستند عادة إلى فصل دستوري – أو حتى ثغرة قانونية – تعطيها نوعا من الشرعية، وتنال رضا الناس ومباركتهم.

يوم 25 يوليو 1957، أقدم زعيم دولة الاستقلال الحبيب بورقيبة، على إعلان الجمهورية بعد أن كانت تونس مملكة يحكمها البايات من السلالة العثمانية. وكان الانتقال إلى النظام الجمهوري أشبه بمراسم بروتوكولية، تميزت بالسلمية والأناقة دون سفك أي نقطة دم.

وحتى نيل الاستقلال عام 1956 جاء إثر ماراتون تفاوضي وليس نتيجة ثورة راح ضحيتها مئات الآلاف كما هو الحال بالنسبة للجزائر، الجار الغربي الذي سطرت أحداثه الدماء أثناء حرب التحرير وبعدها أثناء ما يعرف بالعشرية السوداء.

المفارقة العجيبة هو أن دخول الحماية الفرنسية نفسها، عام 1881جاءت إثر معاهدة باردو، دون أي صدام يذكر وكأنها قدر محتوم.

ولا بد هنا من التذكير بأن “باردو” هي الضاحية التي يقع فيها مقر البرلمان وكانت بالأمس قصر الباي حاكم البلاد. وسميت باسم باردو معاهدة الإذعان الشهيرة التي بموجبها دخل الاستعمار الفرنسي، وهي تحوي أشهر متحف يضم أكبر ثروة فسيفساء في العالم. ولم تعرف هذه الضاحية الدماء إلا في الهجوم الإرهابي عام 2015 الذي أسفر عن 22 قتيلا من السياح الأجانب.

ساحة “باردو” شهدت أيضاً ما عرف بـ “اعتصام الرحيل” الذي أجبر حكومة النهضة عام 2013 على الذهاب نحو انتخابات بعد اغتيال المناضل اليساري شكري بلعيد.

هذه التحولات السلمية التي طبعت تاريخ تونس السياسي لا تستثني إزاحة الزعيم بورقيبة عام 1987على يد بن علي الذي وقعت تنحيته بدوره عام 2011 إثر ثورة حصلت بأقل الخسائر الممكنة.

وبالعودة إلى سر هذه السلمية التي طبعت أهم التحولات الدراماتيكية في تاريخ تونس الحديث، نجد أن المؤشر الأكبر هو المؤسسة العسكرية التي أراد لها بورقيبة أن تظل خلف أسوار الثكنات ولا تتدخل في السياسة أبدا، مما أكسبها احتراما وثقة لدى الشعب التونسي.

هذا يأتي إلى جانب مستوى الوعي الاجتماعي الذي تأسس بفضل مراهنة دولة الاستقلال على التعليم والثقافة على الرغم من أنه بات “مشكلة حميدة” في مسألة المعطلين عن العمل من حاملي الشهائد العليا.

 

ملاحظة

الأفكار الواردة في هذه التدوينة هي آراء المدوّن الخاص بنا ولا تعبّر بالضرورة عن آراء أو وجهات نظر فنك أو مجلس تحريرها.