وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

تاريخ تونس

رغم كونها الدولة الأصغر مساحةً في شمال إفريقيا، شهدت تونس، على سهلها الساحلي المتوسطي على امتداد تاريخها، أحداثاً سياسية واقتصادية بالغة الأهمية. فيما يلي لمحة سريعة عن تاريخ تونس تعرّفك إلى فصول مختلفة من ملفنا عن تاريخ تونس.

تاريخ تونس
ساحة جامع الزيتونة في تونس العاصمة في 19 نوفمبر 2019. تتميز عمارة الجامع بوجود مآذن مستطيلة وأعمدة أصيلة. ويشتمل الجامع على أولى الجامعات في تاريخ الإسلام وكبرياتها. وقد شُيّد عام 698 في العصر الأموي. Yassine Gaidi / ANADOLU AGENCY / Anadolu via AFP

C.R. Pennell أستاذ سابق في تاريخ الإسلام والشرق الأوسط, جامعة ملبورن أستراليا

لمحة على تاريخ تونس

أسس الفينيقيون مدينة قرطاج التي أصبحت نقطة انطلاق لاستعمار الشمال الإفريقي وتحدي سلطة الإمبراطورية الرومانية التي أسقطتها في نهاية المطاف.

وبعد الفتح الإسلامي، أصبحت ولاية إفريقية الرومانية جزءاً من الخلافة الإسلامية في العصر الأموي ثم العباسي. ومع ذلك، احتفظ الولاة المحليّون باستقلالية كبيرة حتى في عهد العباسيين. وفي القرن العاشر الميلادي، استولت الدولة الفاطمية الشيعية على الولاية من العباسيين. وأصبحت المهدية، عاصمة الدولة الفاطمية الواقعة على الساحل التونسي، نقطة الانطلاق لغزو مصر في نهاية القرن العاشر.

ورغم نقل الفاطميين عاصمتهم إلى القاهرة، احتفظت تونس بأهمية سياسية ودينية كبيرة، حتى سيطرت عليها دولة كبيرة في القرن الثالث عشر: الدولة الحفصية. وبعد اضمحلال حكم الحفصيين، تكرر الاستقلال الذاتي المحلي عن سيطرة الإمبراطوريات بعدما سيطرت القوات العثمانية على تونس العاصمة في القرن السادس عشر.

وفي غضون قرن، تمكّن البايات، وهم قادة عسكريون محليون تابعون للعثمانيين، من الاستقلال بسلطتهم، وأسسوا في مطلع القرن الثامن عشر سلاسة البايات الحسينيين التي ظلّت تحكم تونس صورياً خلال حقبة الحماية الفرنسية الاستعمارية وحتى الاستقلال عام 1956.

ومع انتهاء الحرب العالمية الثانية، أخذت مطالب الاستقلال تتزايد. وتحت ضغط من القوى العالمية، اعترفت الحكومة الفرنسية عام 1956 باستقلال تونس وتنازلت عن السلطة للحزب الحر الدستوري الجديد القومي الذي سعى زعيمه الحبيب بورقيبة إلى التقرب إلى الغرب. وبعد انتهاء حكم سلالة الحسينيين، أصبح بورقيبة أول رئيس لتونس عام 1957.

ركزت حكومة بورقيبة الموالية للغرب على التحديث في الجانبين الاجتماعي والسياسي بشكل عادةً ما كان مخالفاً للتقاليد الدينية في البلاد. ومع تدهور الوضع الاقتصادي في الثمانينيات، انحدرت شعبية بورقيبة عام 1987 عندما أزاحه زين العابدين بن علي عن السلطة في انقلاب عسكري.

وعد بن علي الشعب بالحقوق السياسية والديمقراطية، لكن انتهى به المطاف بتزوير نتائج الانتخابات وقمع وانتهاك حقوق الإنسان. وفي 2010، قامت ثورة في تونس أصبحت شرارة ثورات الربيع العربي. وشهدت تونس عقداً من الديمقراطية حتى مطلع 2020، عندما جاء نظام قيس سعيّد وقضى عليها بالكامل تقريباً.

تاريخ تونس بالتفصيل

تونس: العصور القديمة – الفينيقيون، والرومان، والبيزنطيون

حوالي عام 1200 قبل الميلاد، وصل الفينيقيون إلى شمال إفريقيا. وأسسوا مدينة قرطاج في تونس نحو عام 810 قبل الميلاد. نشبت الحرب بين روما وقرطاج، وأدت لاحقاً إلى ضمّ تونس إلى الإمبراطورية الرومانية لتكون مقاطعة إفريقية.

وعندما انقسمت الإمبراطورية الرومانية، وقعت تونس تحت حكم الإمبراطورية الرومانية الغربية التي كانت عاصمتها في روما. ولفترة وجيزة بين منتصف القرن الخامس الميلادي وأول القرن السادس الميلادي، سيطر الفاندال المسيحيون على حكم تونس حتى أعادت الإمبراطورية الرومانية الشرقية غزوها واستولت على حكمها من عاصمتها في بيزنطة المسيحية (التي سُمّيت لاحقاً القسطنطينية وتُسمى الآن إسطنبول). واستمرت هيمنة البيزنطيين على تونس حتى مجيء جيوش المسلمين.

تونس: مجيء الإسلام

دخلت جيوش العرب المسلمين مقاطعة إفريقية البيزنطية عام 670 ميلادياً. وأسس المسلمون مدينة القيروان التي أصبحت مركزاً دينياً واقتصادياً مهماً. ومع ضعف الخلافة العباسية، أسس إبراهيم بن الأغلب، أحد ولاتهم المحليين، سلالة الأغالبة التي أسست إمارة سيطرت على حكم إفريقية حتى مطلع القرن العاشر الميلادي، لكنه رغم ذلك أعلن ولاءه الرسمي للعباسيين. وفي مطلع القرن العاشر، انهار حكم الأغالبة أمام سلالة شيعية جديدة عاصمتها المهدية.

نقلت الدولة الفاطمية عاصمتها إلى القاهرة عام 972، وانتقلت السلطة المحلية إلى الزيريين، حتى سقطت تونس عام 1159 في أيدي الدولة الموحدية وعاصمتها مراكش. عندما فقدت الدولة الموحدية سيطرتها على شبه الجزيرة الإيبيرية المسلمة، استقر كثير من اللاجئين النازحين من الأندلس في شمال إفريقيا، وتحديداً في تونس التي أصبحت مركزاً ثقافياً مهماً. استقبل حكام تونس الحفصيون عائلة ابن خلدون المؤرخ المسلم العظيم في القرن الثالث عشر. بلغت الدولة الحفصية (1230-1574) ذروة قوتها عندما أعلن المستنصر ابن أبي زكريا نفسه خليفة للمسلمين عام 1258 بعد سقوط بغداد أمام غزو المغول.

تونس في الإمبراطورية العثمانية

في عام 1574، غزت القوات العثمانية تونس في خطتهم التدريجية لاحتلال شمال إفريقيا باستثناء المغرب. في أول الأمر، عيّن العثمانيون باشوات لحكم إفريقية، ولكن خلال القرن السابع عشر، بدأ كبار ضباط الجيش، أو الدايات، يستولون تدريجياً على السلطة، فأسسوا في البداية سلالة المراديين (1631-1702)، ثم في عام 1705، أسسوا سلالة البايات الحسينيين الذين ظلوا يحكمون تونس، ولو شكلياً، حتى عام 1957.

تونس: النفوذ الأوروبي

استمر حكم البايات الحسينيين في القرن التاسع عشر، إلا أنّ التحديات الاقتصادية الداخلية والضغوط الاقتصادية الخارجية أحدثت تغييرات عميقة في علاقة البايات بالقوى الأوروبية. وفي 1881، سيطرت الحكومة الفرنسية على تونس. ومع ذلك، لم تكن تونس مستعمرة فرنسية، بل كانت تحت الحماية الفرنسية. ساهم ذلك في الحفاظ على صورة الدولة التونسية، وأبقى على البايات الحسينيين حكاماً لها.

وفي الواقع، أصبحت تونس ورقة مساومة في التنافس بين القوى الأوروبية التي تقاسمت شمال إفريقيا فيما بينها. وفي داخل تونس، جلب الاستعمار نظام التعليم الفرنسي والمفاهيم السياسية الفرنسية التي ساهمت في النهاية في ظهور الحركة القومية التونسية. ففي عام 1934، شارك الحبيب بورقيبة في تأسيس الحزب الحر الدستوري الجديد الذي طالب بالاستقلال بعد الحرب العالمية الثانية. وأصبح بورقيبة أول رئيس لتونس المستقلة عام 1957 بعدما انتهى حكم الحسينيين.

تونس: بورقيبة وبن علي

بدأ بورقيبة خلال عهده بما رآه تحديثاً عاجلاً للدولة التونسية. فجعل سياسات تونس متوافقة مع الدول الغربية، وعارض الفكر الديني المحافظ من خلال تطبيق سياسات قريبة من العلمانية. أنشأ بورقيبة نظاماً تعليمياً يتسم بالكفاءة، وأصدر تشريعات للمساواة بين الجنسين كانت بين الأكثر راديكالية في العالم العربي. ولأنّ حكم بورقيبة لم يكن ديمقراطياً، فقد تعاظمت سلطات الرئاسة حتى أعلن نفسه رئيساً مدى الحياة.

أدت الطبيعة الاستبدادية المتطرفة للنظام والأزمة الاقتصادية التي واجهتها تونس في أواخر السبعينيات إلى ظهور معارضة من الحركة العمالية والمتطرفين الدينيين. وفي عام 1987، نظّم زين العابدين بن علي، رئيس الوزراء آنذاك، انقلاباً ووعد بإعادة الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان. ومع ذلك، فقد أسس نظاما قمعياً قام على تزوير الانتخابات وانتهاك حقوق الإنسان. وشجع فساد النخبة العلمانية على ظهور حركة إسلامية قوية.

الثورة التونسية (2010)

ساهمت خيبة الأمل السياسية الناتجة عن عنف الشرطة والتحديات الاقتصادية في إشعال الاحتجاجات عام 2010، والتي اندلعت بعدما أضرم البائع المتجول محمد البوعزيزي النار في نفسه في سيدي بوزيد جنوبي تونس. انتشرت الاحتجاجات في جميع أنحاء البلاد وأدت إلى انهيار النظام في مطلع عام 2011. وألهمت الثورة التونسية شعوب البلدان العربية الأخرى التي هبّت في الحراك الذي أصبح معروفاً باسم الربيع العربي.

وظهر نظام سياسي جديد تنافست فيه القوى الليبرالية والعلمانية مع حركة إسلامية قوية. وفي عام 2014، نجحت اللجنة الرباعية للحوار الوطني، التي استُلهمت من الحركة النقابية، في صياغة دستور جديد وإجراء استفتاء صوّت فيه الشعب على قبوله. وعُقدت الانتخابات الرئاسية والتشريعية في أكتوبر 2014.

الانتقال الديمقراطي في تونس 2014-2019

بدأ الانتقال الديمقراطي واعداً للغاية. أصبح الباجي قايد السبسي، زعيم حزب نداء تونس الليبرالي العلماني، أول رئيس منتخب في تاريخ تونس. لكن مجلس النواب كان منقسماً بين نداء تونس وحركة النهضة الإسلامية القوية. ومع تدهور الوضع الاقتصادي، اتسعت هوة الانقسام السياسي. وبدأ التحالف بين نداء تونس والنهضة في التصدع. انتشر إرهاب الجماعات الإسلامية في تونس مع انضمام بعض المتطرفين إلى تنظيم الدولة الإسلامية.

وفي يناير 2018، فرضت حكومة الرئيس السبسي إجراءات تقشفية أدت إلى اشتعال احتجاجات ضخمة في جميع أنحاء البلاد. تُوفي السبسي في يوليو 2019 قبل فترة وجيزة من موعد انعقاد الانتخابات الرئاسية. وفاز قيس سعيّد، أستاذ القانون السابق الذي لم يكن له أي انتماء حزبي، بالرئاسة على أساس برنامج لمكافحة الفساد.

أزمة الديمقراطية 2019-2024

فشل الرئيس الجديد قيس سعيّد في رأب صدع الانقسامات السياسية بين العلمانيين والحركات الإسلامية وحاول الحصول على دعم أوسع في البلاد. وفي يوليو 2021، قام بتعليق عمل مجلس النواب، وألغى استقلالية القضاء، وأعلن الأحكام العرفية. واتبع سعيّد أساليب شعبوية لفرض سيطرته السياسية من خلال الجماعات المحلية، لكن القمع تزايد في النظام الجديد، وتدهور الوضع الاقتصادي.