وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

العلاقات الأردنية الإسرائيلية: تاريخٌ من التقلبات

Jordan-Israel Relations
رجل يدوس على صورة للعلم الإسرائيلي أثناء مغادرته مجمع النقابات في العاصمة الأردنية عمّان، في 30 ديسمبر 2018. Photo: KHALIL MAZRAAWI / AFP

في 26 أكتوبر 1994، وقعت المملكة الأردنية الهاشمية وإسرائيل على اتفاقية السلام المعروفة باسم اتفاقية وادي عربة. وبعد 25 عاماً، لم يكن هناك أي احتفالٍ مشترك بين البلدين إحياءً للذكرى، فضلاً عن رفض الأردن تجديد مُلحقي الاتفاقية الخاصان اللتان سمحتا للمزارعين الإسرائيليين بدخول الأراضي الأردنية، مما يعكس مدى توتر العلاقات بين البلدين.

وفي نفس الوقت، بدء الأردن محاكمة أول إسرائيلي داخل المحاكم الأردنية منذ سريان اتفاقية السلام. ترتبط العلاقات الأردنية الإسرائيلية بالقضية الفلسطينية، إذ كان من أهم ملامحها ما جاء بعد الأول من ديسمبر عام 1948 حيث عقدت قيادات وزعامات فلسطينية مؤتمراً سُمي بمؤتمر أريحا، وهو حدثٌ سنوي يعقده القادة الفلسطينيون، والذي تم خلاله مبايعة الملك عبد الله الأول ملكاً على فلسطين والأردن، والذي عُرف بوحدة الضفتين وأصبح مواطنو الضفة الغربية مواطنين أردنيين واندمجوا داخل مؤسسات الدولة الأردنية.

ظلت السيادة الأردنية على الضفة الغربية والقدس الشرقية، إلى جانب الوصاية على المقدسات الإسلامية في فلسطين قائمة حتى حرب عام 1967 حينما هزمت إسرائيل الجيوش العربية واحتلت الضفة الغربية. ومع ذلك، ظل المواطنون الفلسطينيون حاملين للجنسية الأردنية حتى قيام السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وقرار فك الارتباط عام 1988 تمهيداً لقيام دولة فلسطينية. في أعقاب ذلك، تم سحب الجنسية الأردنية والالتزامات الأردنية تجاه فلسطين مع الإبقاء على الوصاية الهاشمية على شؤون المسجد الأقصى ومدينة القُدس.

كان هناك تصاعد وخفوت في العلاقات الأردنية الإسرائيلية، وبالرغم من أن اتفاقية السلام مع إسرائيل والمعروفة باتفاقية وادي عربة بين قادة البلدين كانت أولى اللقاءات العلنية، إلا أن هناك تاريخاً من العلاقات السرية بين البلدين.

تم تأكيد ذلك في 14 مارس عام 2014، عندما نشر شمعون بيريز، رئيس إسرائيل الأسبق، صوراً له على حساباته على مواقع التواصل وهو متخفيّ في أشكال مختلفة تزامناً مع ما يُعرف بعيد المساخر اليهودي، قائلاً بأنه هناك مناسبات أخرى للتخفي غير هذا العيد مُقدماً شكله وهو متنكراً في صور عدة أثناء ذهابه لمقابلة الملك الأردني الراحل حسين للإفلات من رقابة حرس الحدود، وهي اللقاءات التي قال إنها كانت في أواسط السبعينيات، إلا إنه وفق شهادات ووثائق عدة فقد كان للملك عبد الله الأول ونجله وحفيده الحالي تاريخ من اللقاءات السرية مع قيادات وزعماء داخل إسرائيل.

وفي مذكراتها، “اعترافات جولد مائير،” كشفت رئيسة وزراء إسرائيل السابقة عن عدة لقاءات جمعتها بالملك عبد الله الأول، ملك الأردن، قبل إعلان قيام دولة إسرائيل عام 1948. آنذاك، كانت تشغل رئاسة الدائرة السياسية في الوكالة اليهودية، وكانت لقاءاتهما تتم بغرض التوصل إلى تفاهمٍ بينهما.

وقد كشف الباحث الإسرائيلي يسرائيل بار في كتابه “أمن إسرائيل أمس، اليوم وغد،” أن من بين تلك التفاهمات ما تم قبيل حرب عام 1948 بين جيوش الدول العربية في مواجهة العصابات الصهيونية بعد إعلان دولة إسرائيل على أرض فلسطين. وأضاف أنهما اتفقا على ألا يُشارك الجيش الأردني بشكل جدي في الحرب مقابل احتفاظ الملك بالضفة الغربية.

لقاءاتٌ أخرى جمعت الملك حسين بن عبد الله بالقيادات الإسرائيلية، منها اللقاء الأهم الذي عُقد داخل مبنى الموساد الإسرائيلي يوم 25 سبتمبر عام 1973، قبل الحرب التي شنتها كل من مصر وسوريا على إسرائيل.

فقد حذّر الملك حسين جولد مائير خلاله من نية مصر وسوريا شن حربٍ على اسرائيل، وأنه قد بادر بهذه المعلومات خوفاً من نتائج سلبية عليه قائلاً “إذا خسر السادات [الرئيس المصري السابق أنور السادات] القاهرة يمكنه أن ينسحب إلى أسوان، إذا خسر الأسد [الرئيس السوري السابق حافظ الأسد] دمشق يمكنه الانسحاب إلى حلب، أما أنا اذا خسرت عمّان فإلى أين أذهب؟ إلى الصحراء؟”، وهي التحذيرات التي لم تأخذها مائير بجدية.

ورغم ما يظهر من هذا التقارب التاريخي، لطالما اتسمت العلاقات بين البلدين بعدم الاستقرار بسبب السياسات الإسرائيلية الاستيطانية من أجل انهاء حل الدولتين المفترض أن يضع حداً للصراع الإسرائيلي الفلسطيني نهائياً. ومع تصاعد المواجهات بين الفلسطينيين والاسرائيليين عادة ما تتوتر العلاقات بين الأردن وإسرائيل، وهو ما زاد مؤخراً وأصبحت العلاقات في واحدة من أسوأ مراحلها في عام 2019.

تزامن هذا مع قرار الولايات المتحدة الأمريكية، الحليف الأول لإسرائيل، بالإعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل ونقل الإدارة الأمريكية سفارتها لدى تل أبيب إلى القدس الشريف، ثم الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان السوري المُحتل وإعلان إضفاء الشرعية على المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية.

تبع ذلك العديد من الإجراءات الأخرى التي اتخذتها واشنطن، والتي اعتبرت تقويضاً للقيادة الفلسطينية، كان أبرزها إسقاط حق العودة عن اللاجئين الفلسطينيين في الشتات، والذي يضم الأردن منهم قرابة 2,2 مليون شخص، ومحاولة توطينهم في الشتات بوقف تمويل الولايات المتحدة لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا.” كانت تلك ضربةً مالية قاضية للوكالة ذلك أن الولايات المتحدة كانت أكبر المساهمين فيها بما يبلغ 350 مليون دولار سنوياً. كما ضغطت الإدارة الأمريكية على دولٍ أخرى لوقف تمويلها هي أيضاً للأونروا، بالإضافة إلى الدعوة إلى مشاركة دول أخرى لسيادة الأردن على المقدسات داخل القدس. وعليه، تطوعت المملكة العربية السعودية للقيام بهذا الدور، مما فجر الأوضاع أكثر.

أحداث أخرى كانت تُشير إلى تصاعد التوتر بين البلدين منها بدأ محكمة أمن الدولة الأردنية لشخص يحمل الجنسية الإسرائيلية يُدعى “كونستانتين كوتوف” بتهمتي “دخول أراضي المملكة بشكل غير مشروع، وحيازة مادة مخدرة بقصد التعاطي،” وتُعد هذه المرة الأولى منذ اتفاقية وادي عربة التي تُحاكم فيها عمّان إسرائيليين، بعد أن اعتاد الأردن على ترحيل الإسرائيليين إلى حكومتهم سراً أو علانيا تفادياً لوقوع توتر بين البلدين.

تبع ذلك خلافٌ دبلوماسي آخر عندما قامت إسرائيل مؤخراً باعتقال مواطنين أردنيين هما عبد الرحمن مرعي وهبة اللبدي، في أغسطس وسبتمبر 2019، بسبب نشاطٍ إرهابي مشتبه به.

أما على المستوى الشعبي، فلطالما اعتبر الأردنيون إسرائيل عدواً رسمياً لبلادهم، إلا أن هناك سخطاً شعبياً متزايداً منذ حادث إطلاق النار داخل السفارة الإسرائيلية في العاصمة عمّان في يوليو عام 2017، حيث قام حارس أمن السفارة بقتل مواطنين أردنيين إثر مشكلةٍ حصلت داخل مجمع السفارة. وعليه، سمحت الحكومة الأردنية للقاتل بمغادرة الأراضي الأردنية مما زاد من غضب الشارع الأردني.

وفي ديسمبر 2019، نشرت صحيفة هآرتس العبرية مقالاً للرأي يدعي إن اليمين الإسرائيلي يُعد خطة لاسقاط وإزاحة الملك الأردني عبد الله الثاني من عرش المملكة. تستند هذه الإدعاءات إلى مجموعة من المقالات لكتاب من اليمين الإسرائيلي وموالين للحكومة والتي نُشرت في الأسابيع الماضية.

وبحسب المقال، تتضمن الخطة ضم غور الأردن بالضفة الغربية إلى إسرائيل وهو ما سيؤدي إلى ضم الضفة الغربية وإلغاء اتفاق السلام مع الأردن، والذي بدوره سيؤدي إلى اسقاط العائلة الهاشمية وعلى رأسها الملك عبد الله الذي يصفه اليمين الإسرائيلي وكأنه “عبد يحاول التحرر من العبودية، وبأنه عربي وقح تجرأ على رفع رأسه.”

وأوضح المقال أن اليمين الإسرائيلي يطمح إلى ربيعٍ أردني ومظاهرات احتجاجية يمكن من خلالها تنفيذ انقلاب على الملك، وحينها سيكون بإمكان إسرائيل استكمال ضم الضفة الغربية وإقامة الكونفدرالية بين السلطة الفلسطينية والأردن. يأتي هذا كله بسبب انزعاج اليمين من وصاية الأردن على المسجد الأقصى ورغبة اليمين في تغيير الوضع القائم فيه وصولاً إلى هدمه وإقامة الهيكل مكانه.

كما أشار المقال أيضاً إلى أن خلاصة الخطة هي ضم أراضي الضفة الغربية دون ضم ملايين الفلسطينيين الذين سينتقلون إلى أردن جديد دون العائلة الهاشمية. لطالما كان ما يُسمى بنقل الفلسطينيين إلى الأردن رغبةً قديمة للأحزاب الإسرائيلية اليمينية المتطرفة.