وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

المعارضة التركية: المستضعفون متحدون

Turkey- Muharrem Ince
المرشح الرئاسي عن حزب المعارضة الرئيسي في تركيا، حزب الشعب الجمهوري، محرم اينجه (الثاني يمين) يسير برفقة زوجته بينما يقومون بتحية أنصارهم خلال تجمعٍ لحملته للإنتخابات الرئاسية في مدينة جوروم في 17 مايو 2018. Photo AFP

سيتجه الأتراك، في 24 يونيو 2018، إلى صناديق الاقتراع لأول مرة منذ أكثر من عقدٍ من الزمان، مع إمكانية أن تصبح خسارة الرئيس رجب طيب أردوغان وحزبه، حزب العدالة والتنمية، احتماليةً واقعية. وبالرغم من أن المعارضة التركية لا تزال خليطاً متنوعاً من اليساريين والعلمانيين والقوميين والأكراد، إلا أنهم تآزروا معاً في محاولةٍ للإطاحة بالرجل الذي هيمن على السياسة التركية منذ الألفية.

فقد تنامى استقطاب تركيا إلى حدٍ كبير في السنوات الأخيرة، مما تسبب بتوتراتٍ داخلية إلا أن هذا في الواقع عزز من مكانة أردوغان، حيث أن أولئك في معسكره باتوا يعلقون أهميةً أكبر من ذي قبل على دوره في حماية تركيا من المزيد من العنف.

وخلال حكمه الذي استمر قرابة 15 عاماً، اعتمد أردوغان على الأصوات من نصف البلاد على الأقل، مستخدماً النمو الاقتصادي ووجهات النظر الإسلامية السياسية المحافظة اجتماعياً لاستقطاب دعم جمهور الناخبين، الذي غالباً ما تم تهميشه من قِبل السياسات الجمهورية الأكثر علمانية في تركيا خلال العقود الماضية. ونتيجةً لذلك، حرض أردوغان على ظهور معارضةٍ ضاربة الجذور بين اليساريين، والديمقراطيين الاجتماعيين، والليبراليين، والعلمانيين والعديد من الأقليات.

وخلال فترةٍ طويلة من رئاسته، كانت المعارضة التركية مقسمة وضعيفة، ولم تحقق سوى انتصاراتٍ مجزأة على المستوى الفردي، مثل الدخول الذي طال انتظاره لحزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد، إلى أروقة البرلمان في عام 2015. كما فشلت المعارضة في استغلال الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت في حديقة جيزي في عام 2012، وعندما سنحت لها الفرصة لتوحيد صفوفها في وجه حزب العدالة والتنمية في الاستفتاء على الدستور الذي أجريّ عام 2017، عجزت مرة أخرى عن إبداء أي مقاومة (على الرغم من أن التصويت، وفقاً للتقارير، لم يكن حراً ولا نزيهاً).

وتعتبر انتخابات يونيو القادم أول مرةٍ تتحد فيها المعارضة التركية منذ عام 2003 لمواجهة “تحالف الشعب” الذي شكله حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية. وستتنافس الكتلة، المؤلفة من حزب الشعب الجمهوري، والحزب الجيد الذي تم تشكيله حديثاً، وحزب السعادة، والحزب الديمقراطي، على الأصوات البرلمانية التي ترافق الإنتخابات الرئاسية. إلا أنه على نحوٍ ذي مغزى لم تتم دعوة حزب الشعوب الديمقراطي ذو الأغلبية الكردية، وهو ثاني أكبر حزب معارض في البرلمان، للإنضمام إلى الكتلة. ومن الواضح أن التحالف مع حزبٍ كردي، في ظل تنامي العنف مع المقاتلين الأكراد في تركيا إلى جانب الحملات التي يتم شنها ضد الجماعات المتحالفة مع حزب العمال الكردستاني في كلٍ من سوريا والعراق، جعل في الأمر مخاطرةً كبيرة بالنسبة لجماعات المعارضة الأخرى.

انتخابات تركية حتى النخاع

Turkey- Meral Aksener
رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض في تركيا، كمال كيليتشدار أوغلو، وزعيمة الحزب المعارض التركي- الحزب الجيد ومرشحة الرئاسة ميرال أكشينار، يتصافحان أثناء وقوفهما لإلتقاط صورة بعد اجتماعهم في مقر حزب الشعب الجمهوري في أنقرة، في الرابع من يونيو 2018. Photo AFP

في ما قد يكون لافتاً للنظر في الإنتخابات في معظم البلدان، يخوض صلاح الدين دميرتاش، زعيم حزب الشعوب الديمقراطي، ثالث أكبر حزب برلماني في تركيا، الإنتخابات التشريعية والرئاسية من خلف القضبان. ومع عدم رضى العديد من الأتراك عن عمليات الإعتقال الجماعية التي جرت في غضون العامين الماضيين، أثار مصير دميرتاش تعاوناً غير متوقع.

وفي لحظة خلافٍ نادرة نسبياً، قال عضو البرلمان عن حزب العدالة والتنمية، عزيز بابوسكو، للصحفين أنه يعتقد أنه ينبغي إطلاق سراح دميرتاش، مما تسبب في غضب مؤيدي أردوغان المتشدديين. وبصورةٍ مفاجئة إلى حدٍ ما، بسبب سياستها القومية الصارمة، طالبت ميرال أكشينار، زعيمة الحزب الجيد، أيضاً بإطلاق سراح دميرتاش. بيد أنها لا تتمتع بقوة مهيمنة بما فيه الكفاية لضمان إطلاق سراحه ومن غير المرجح أن يشكل أي مكسبٍ لاحق لحزب الشعوب الديمقراطي تهديداً سياسياً لحزبها. ومع ذلك، فإن تحرير البطل السياسي الكردي من شأنه أن يشكل تهديدا خطيراً لآمال أردوغان في الفوز أو تحييد التصويت الكردي.

وبوجود صحافة بعيدة كل البعد عن كونها حرة ونزيهة، تخوض المعارضة التركية معركةً عسيرة، ذلك أن حوالي 90% من وسائل الإعلام التركية مؤيدة للحكومة. ففي الأسابيع الثلاث الأولى من شهر مايو، خصصت أكبر هيئتي بث في البلاد 70 ساعة من التغطية لحزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية. وفي المقابل، حظي حزب الشعب الجمهوري بـ22 ساعة، والحزب الجيد بـ17 دقيقة، ولم يحظى حزب الشعوب الديمقراطي بثانية واحدة. وزعم الحزب الجيد أنه يتم حجبه بشكلٍ متعمد من موجات الأثير ذلك أن أردوغان يخشى جاذبية أكشينار.

ومما يزيد من تعقيد الأمور، أن حالة الطوارىء التي فرضتها الدولة منذ محاولة الإنقلاب في عام 2016 لا تزال قائمة. ففي إبريل الماضي، تم تنظيم احتجاجات واسعة النطاق ضد حالة الطوارىء، التي تمنح سلطات موسعة للقوى الأمنية. وإلى جانب قانون التصويت الجديد الذي توجه له أصابع الإتهام بتسهيله حشو أوراق الاقتراع، وترهيب الناخبين الأكراد، وإعاقة الضوابط والتوازنات، هناك مخاوف حقيقية من أن تكون هذه الانتخابات أيضاً بعيدة كل البعد عن الحرية والنزاهة.

السياسة الشخصية

بمجرد أن أعلنت كتلة المعارضة عن مرشحها للرئاسة، محرم اينجه، وهو عضوٌ سابقٌ في البرلمان ومدرس فيزياء سابق، بدأ تداول صورة له وهو يشرب المشروبات الكحولية خلال شهر رمضان المبارك. وعلى الرغم من انحداره من أسرة مسلمة متدينة، إلا أنه سرعان ما بدأت أصواتٌ مؤيدة للحكومة بمهاجمة جدارته لقيادة أمة مسلمة. بيد أن اينجه رد بقوله أن الصورة التقطت في وقتٍ آخر وأن هذا الأمر يعنيه لوحده، متخذاً بذلك موقفاً صارماً سيكون بالتأكيد موضع ترحيبٍ من قِبل الليبراليين في البلاد. ومع ذلك، ينبغي عليه أن يضمن أن مثل هذا الإنفتاح تجاه العلمانيين في تركيا لن يكلفه أي دعمٍ محتمل من قِبل السكان الأكراد المحافظين والمتدينيين.

مشاكل توحيد الأكراد واليمين السياسي؟

Turkey- Peoples' Democratic Party
أشخاص يتجمهرون خارج مبنى محكمة باكيركوي في اسطنبول يوم 12 يناير 2018، دعماً لرئيس حزب الشعوب الديمقراطي، الزعيم الكردي صلاح الدين دميرتاش. Photo AFP

نأت كتلة المعارضة بنفسها عن تحالفٍ رسمي في الإنتخابات الرئاسية، ولكن في حال لم يحقق مرشحٌ واحد الفوز بالأغلبية منذ البداية وتبدأ الجولة الثانية من الإنتخابات الرئاسية، فإن التفضيلات الثانية للناخبين هي التي ستحدد الفائز. وفي هذه الحالة، سيعتمد تحالف المعارضة الرئيسي على الفوز بالأصوات الكردية. ومع وجود أكشينار، التي لطالما كانت من الصقور في السياسة التركية عندما يتعلق الأمر بالتمرد الكردي، والتي تقود هذه الكتلة، فإن التصويت الكردي قد لا يكون أمراً بسيطاً. ومع ذلك، فقد شهدت تركيا بالفعل انخراط المعارضة ببعض المناورات السياسية الذكية، وإذا ما رأى دميرتاش المسجون تحقيقاً لأفضل مصالح حزب الشعوب الديمقراطي بسقوط أردوغان، فعندئذ يمكنه أن يحشد أكراد تركيا تحت راية المعارضة. ومع ذلك، لا يمكن لأحد أن يعرف مدى امتثال الأكراد لمثل هذه الدعوة.

من جهته، قدّم كل واحد من أكبر أحزاب المعارضة الثلاث مرشحاً للإنتخابات الرئاسية: محرم اينجه، وميرال أكشينار، وصلاح الدين دميرتاش. وعليه، يخاطر هذا التنوع الموسع بأسماء المرشحين هذا بتقسيم التصويت ويسمح لأردوغان بالفوز بالجولة الأولى، بخاصة إذا ما هاجم هؤلاء المرشحين بعضهم البعض. وكما أظهر هامش الاستفتاء الضئيل في العام الماضي (حتى مع انتشار الادعاءات بالعرقلة والتزوير على نطاق واسع)، فإن تركيا منقسمة في دعمها لأردوغان وخططه، فالوقت وحده كفيلٌ بتحديد ما إذا كان دعم “أي شخصٍ ما عدا أردوغان” قد وصل أخيراً إلى كتلةٍ حرجة.

فقد صاغ أردوغان حكم تركيا حول احتياجاته ورغباته. فأردوغان معتادٌ على الدفاع عن رأيه، إلا أن هذا الضغط غير المسبوق على منصبه قد يدفعه إلى تبني تكتيكاتٍ أكثر صرامة للتشبث بالسلطة. كما أنه يبسط سيطرته بالفعل على الصحافة والقضاء، ويمتلك قبضةً من حديد على الجيش والشرطة وأجهزة المخابرات. ومع ذلك، إذا ما وصلت التصريحات العلنية بعدم رضاهم عن حكمه مثل وسم (هاشتاغ) كفاية– الذي أصبح الأكثر تداولاً على تويتر في أوائل مايو- إلى أعتاب القصر الرئاسي، فلربما يُجبر رجل تركيا القوي على استعراض عضلاته للوصول إلى كرسي الحكم مجدداً.

فقد بُنيّ ثقلٌ كبيرٌ من دعم أردوغان على الإزدهار الاقتصادي خلال السنوات الخمس عشرة الماضية. وحتى الآن، فشلت المعارضة التركية في التوصل إلى خطةٍ اقتصاديةٍ بديلة قابلة للتطبيق. ومع ذلك، فإن القلق الدولي من تصريحات أردوغان الأخيرة حول التلاعب في أسعار الفائدة قد أعطت على ما يبدو حججاً للمعارضة بأن إعادة السلطات الرئاسية أكثر أهمية من العلاقة الاقتصادية.

حتى وإن جاءت استطلاعات الرأي (بالرغم من كونها ليست كافيةً لتجنب الجولة الثانية) لصالح أردوغان في الإنتخابات الرئاسية، فإن الإنتخابات البرلمانية قضية أخرى مختلفة تماماً. فالإنتخابات البرلمانية تُقدم فرصةً لا مثيل لها منذ عام 2002 لتتمكن أحزاب المعارضة من الإطاحة بحزب العدالة والتنمية. فحتى وقتٍ قريب جداً، بدا احتمال وجود حكومة غير تابعة لحزب العدالة والتنمية أمراً مستبعداً إلى حدٍ كبير. ففي نهاية المطاف، قد تكون حملة اينجه المثيرة، وخطاب أكشينار الحازم، ومكانة دميرتاش الساحرة، كافيةً لتغيير وجه تركيا السياسي، بشكلٍ حرفي.