لطالما كان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، معارضاً لإجراء انتخاباتٍ مبكرة، ولكن يبدو أنه وجد طريقةً للاستفادة منها في عام 2018. وعلى الرغم من التأكيدات المستمرة بأن الانتخابات ستجري في نوفمبر 2019، إلا أن التصويت سيتم اليوم في 24 يونيو 2018، أي قبل حوالي 17 شهراً مما كان مخططاً له، مما سيسرّع في تطبيق النظام الرئاسي الذي دعا أردوغان لإجراء استفتاءٍ عليه في عام 2017 والذي صوتت تركيا لصالحه بفارقٍ ضئيل.
فقد صاغت وسائل الإعلام في تركيا، التي تُسيطر عليها بالكامل تقريباً شركات موالية للحكومة، قرار أردوغان بـ”ضربة المعلم” الاستراتيجية. ومع ذلك، أفاد كاتب عمود مقرّب من الرئيس أن أردوغان لم يكن مسروراً من دولت بهجلي، رئيس حزب الحركة القومية التركية وشريكه في الائتلاف، الذي كان أول من طالب بإجراء التصويت. وعلى ما يُعتقد، وافق أردوغان على مضض على تقديم موعد التصويت.
ومع تراجع الاقتصاد، اعتبر بعض المراقبين أن إجراء انتخاباتٍ مبكرة ما هو إلا مؤشرٌ على الضعف، ومن المؤكد أن الحكومة لا تبدو على أتم الاستعداد لإجراء مثل هذه الإنتخابات. ووقت الإعلان، لم يكن البرلمان قد أقرّ بعد القوانين التي تحكم أهلية المرشحين للرئاسة. كما تتزامن الانتخابات مع امتحانات الجامعة الوطنية، مما يجبرها على التأجيل. ومع ذلك، بعد 15 عاماً في السلطة، من غير المرجح أن تكون دعوة أردوغان لإجراء انتخاباتٍ مبكرة خطوة خاطئة.
خطأ اقتصادي؟
في إعلانه عن إجراء الإنتخابات المبكرة، أشار أردوغان إلى حاجة تركيا “للتغلب على حالة عدم اليقين”- أي الإنتقال من الحكم البرلماني إلى الرئاسي- وذلك نظراً إلى العنف المتواصل والعمليات العسكرية التركية في كلٍ من العراق وسوريا. ومع ذلك، نظراً إلى أن الداخل التركي يعتبر أن التوغلات العسكرية حققت نجاحاً واسع النطاق، فمن المحتمل أن تبدو الضغوطات الأخرى مكمن المشكلة الذي أجبر أردوغان على القيام بما لا يرغب به، إذ يتربع الاقتصاد على رأس هذه القائمة.
تتبع سياسة الاقتصاد التركي، إلى حدٍ كبير، نموذج الرئيس للنمو المرتفع وارتفاع أسعار الفائدة والعجز الكبير، الأمر الذي أثار قلق المحللين في الآونة الأخيرة. وفي حين أن النمو الاقتصادي لا يزال خجولاً وبعيداً عن نسبة النمو المتوقعة من الحكومة وقدرها 5,5%، فمن غير الواضح إلى مدى يمكن أن تحافظ حوافز الحكومة على نسبة نموٍ قدرها 4,1% لعام 2018. ومع التضخم المُضاعف والذي أدى إلى أسعار صرفٍ لليرة مقابل الدولار لم تشهدها البلاد منذ عقود، يتساءل الكثيرون عن مدى استقرار الاقتصاد التركي على أرض الواقع.
يعتمد اقتصاد تركيا بشكلٍ كبير على التمويل الأجنبي، وهي حقيقة جعلت المستثمرين شديدي التوتر في السنوات الأخيرة. فقد تم استبدال التمويل الأكثر استقراراً بتدابير قصيرة الأجل، حيث رفض أردوغان الاعتراف بالعلاقة بين انتقال تركيا بشكلٍ متزايد إلى حكمٍ أوتوقراطي وتحفظ المستثمرين الأجانب من استثمار أموالهم في تركيا. وفي أبريل 2018، وبخ أردوغان نائب رئيس الوزراء محمد شيمشك علناً لإبرازه هشاشة الاقتصاد التركي، وذلك في خطابٍ ناري هاجم دعوات تهدئة السوق لرفع أسعار الفائدة. وإذا ما كانت مشاريع البنية التحتية الضخمة والمحببة لدى أردوغان مثل قناة اسطنبول لا يمكنها الحفاظ على الاقتصاد، فلربما تلوح في الأفق أوقاتٌ صعبة. وإذا ما تمكن أردوغان من الفوز بالانتخابات قبل الشعور بألمٍ اقتصادي كبير، فيمكنه الاستمتاع بسهولة بفترةٍ رئاسية أخرى.
لا تهاون على الإطلاق
في بلدٍ قومي مثل تركيا، تلعب النزاعات دوراً كبيراً، فقد استفاد أردوغان من الصدامات الدبلوماسية مع العديد من الدول الأوروبية خلال حملته للاستفتاء، مما أدى إلى انتقادٍ لاذعٍ للغرب لإعاقته المزعومة تقدم الديمقراطية التركية لتحقيق مكاسب خاصة به.
ففي العام الماضي، ازدادت حدة التوترات مع اليونان بشكلٍ مطرد حول عودة الانقلابيين ممن طلبوا اللجوء السياسي، وانتهاكات المجال الجوي، وإلقاء القبض على الأفراد العسكريين. ومن المرجح أن يستخدم أردوغان هذه التوترات لتعزيز الدعم الوطني خلال الانتخابات.
ففي استفتاء أبريل 2017 الذي أهدى أردوغان نظام الحكم الرئاسي، تحالف حزب العدالة والتنمية مع حزب الحركة القومية لتشكيل ائتلافٍ يضمن فوز حملة أردوغان. وعلى الرغم من تراجع التأييد الشعبي عقب التصويت، فإن العمليات العسكرية ضد القوات الكردية في سوريا منذ ذلك الحين، وخاصة التغلغل في عفرين، أعاد قرع الطبول القومية من جديد.
ومع دعم حزب الحركة القومية لشركاء الإتئلاف في الإنتخابات المقبلة، يتمتع أردوغان بالفطنة الكافية ليدرك أن تنامي هذه الموجة من الشعور القومي- الذي يتوافق تماماً مع موقفه الفظ تجاه الغرب- يوفر بيئةً مثالية للنجاح في صناديق الاقتراع.
إطاعة القانون
يُقدم موقف تركيا القانوني غير المعتاد في الوقت الراهن أيضاً مزايا لحزب العدالة والتنمية. فقد قدمت أنقرة مؤخراً قانوناً انتخابي تعرّض لانتقاداتٍ شديدة لإعاقته صلاحياتٍ كانت علامةً فارقة للانتخابات التركية منذ الأربعينيات. واليوم، يمكن لقوات الأمن التمركز بشكلٍ أقرب إلى مراكز الاقتراع، وهي حقيقة قد تخيف بعض الناخبين الأكراد، وسيتم قبول الاقتراعات غير المختومة بشكلٍ حاسم، مما يفتح الطريق لحشو أوراق الاقتراع وتفشي الاحتيال.
وبشكلٍ حاسمٍ أيضاً، وبعد ساعاتٍ من إعلان الانتخابات، صوّت المشرعون للمرة السابعة على تمديد حالة الطوارىء في تركيا، المعمول بها منذ أغسطس 2016 بعد محاولة الانقلاب. وعليه، انتشرت الإنتقادات لحالة الطوارىء على نطاقٍ واسع، حيث خلص تقرير الاتحاد الأوروبي الأخير عن حالة حقوق الإنسان في تركيا إلى أن القرار مكنّ أنقرة من الرد بشكل غير متكافىء. ومع وجود عشرات الآلاف من الأشخاص خلف القضبان لتورطهم المزعوم في محاولة الانقلاب وتقويض حقوق الإنسان بشدة في البلاد، أعاد الاتحاد الأوروبي التأكيد على دعوته إلى رفع حالة الطوارىء على الفور.
لا وجود للمنافسة
وعلاوة على ذلك، فإن المعارضة التركية منقسمة بشكلٍ محزن. فقد كافح حزب الشعب الجمهوري من أجل ترشيح مرشحٍ للرئاسة، وهو زعيم حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد، صلاح الدين دميرتاش، المسجون حالياً ويواجه عقوداً من السجن بتهمٍ تتعلق بالإرهاب، في حين واجه الحزب العلماني المحافظ الجديد، الحزب الجيد (Iyi)، الذي تم تشكيله مؤخراً بزعامة ميرال آكسنر، بدايةً شكوكاً حول أهلية ترشحه. ومع ذلك، ساهمت الإنتخابات المبكرة في تحفيز المعارضة. ففي خطوةٍ سياسيةٍ تتسم بالذكاء، وجه حزب الشعب الجمهوري 15 من نوابه للانشقاق والإنضمام إلى الحزب الجيد، ليصل بذلك عدد أعضاء الحزب الجيد في البرلمان فوق عتبة الـ20 نائب ليترشح في الانتخابات الرئاسية.
وفي غضون ذلك، تراجعت مرتبة المعارضة الكردية بشكلٍ كبير في العام الماضي. فمع احتجاز ستة آلاف مسؤول من حزب الشعوب الديمقراطي والعشرات من أعضاء البرلمان و85 من رؤساء البلديات الأكراد في موجة الإعتقالات التي أعقبت المحاولة الانقلابية، فمن المرجح أن يقاتل حزب الشعوب الديمقراطي من أجل شن حملة قوية. وعلى الرغم من تخطي حزب الشعوب الديمقراطي، لأول مرة، عتبة الـ10% من الأصوات اللازمة لدخول البرلمان كحزب، إلا أنه يقترب بشكلٍ خطير من خسارتها مرةً أخرى. ومع خروج حزب الشعوب الديمقراطي من اللعبة وتهميش التصويت الكردي، فإن الطريق إلى إعادة الانتخاب سيكون أكثر وضوحاً لحزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية. وبالموافقة على تقديم موعد التصويت، فلا بد أن أردوغان وضع نقاط ضعف أعادئه في الحسبان، تماماً كما هو حال احتياجاته الخاصة.
بيد أن الحقيقة التي لا يمكن تجاهلها أن أردوغان لا يزال سياسياً يحظى بشعبيةٍ كبيرة، بل إن قاعدته التقليدية من الناخبين المتدينين والمحافظين كبيرة بما يكفي لضمان ذلك. ومع وجود معارضةٍ منقسمة ومتواضعة، فمن المحتمل ألا يضطر إلى اللجوء إلى الغش في الإنتخابات للظفر بها. ومن خلال الدعوة إلى إجراء انتخاباتٍ مبكرة، عزز من فرصه في النجاح في بلدٍ لا يزال يُعرف بقوة بكونه ديمقراطي، حتى وإن كان الواقع أكثر تعقيداً.