منذ تولي الرئيس الأمريكي دونالد ترمب رئاسة الولايات المتحدة في شهر يناير لعام 2017، حدد بوصلته في السياسية الخارجية، حيث اعتمد فيما يخص الصراع في الشرق الأوسط، على فريقٍ صغير محاط به برئاسة كل من جاريد كوشنر، أكبر مستشاري البيت الأبيض اليوم وزوج إيفانكا- ابنة ترمب، بالإضافة الى جيسون غرينبلات، الممثل الخاص من قبل ترمب للمفاوضات الدولية، وديفيد فريدمان، السفير الأمريكي لدى إسرائيل. بمساعدة هذا الفريق قام ترمب بصياغة خطة سلامٍ للصراع الإسرائيلي الفلسطيني تعرف باسم “صفقة القرن.”
تتألف صفقة القرن من جزأين: جزء اقتصادي وجزء سياسي. فقد تم إرجاء عرض الجزء السياسي لأجلٍ غير مسمى، وتم عرض الجزء الاقتصادي بتاريخ 22 يونيو 2019 في ورشة العمل التي ضمت العديد من الدول وحملت عنوان “السلام من أجل الإزدهار،” والتي تم تنظيمها في عاصمة مملكة البحرين، المنامة. تم اصدار كتيبين من 40 و96 صفحة، تحتوي على جداول مالية وتوقعات اقتصادية لمشاريع اقتصادية ضخمة في الضفة الغربية، وقطاع غزة، بالإضافة الى برامج اقتصادية في كل من الأردن ولبنان وسيناء في مصر.
إن استخدام مصطلح “صفقة،” لوصف خطة السلام بدلاً من إيجاد حلٍ قائمٍ على مبادىء محددة من قبل القانون الدولي دفع القيادة الفلسطينية في رام الله إلى مطالبة جميع الفلسطينيين بالداخل والشتات عدم المشاركة في ورشة العمل، لعدم إضفاء أي شرعية فلسطينية عليها. الفصائل الفلسطينية المختلفة، وعلى رأسها حركة حماس ايدت رأي القيادة الفلسطينية في عدم المشاركة في الورشة الاقتصادية في البحرين أيضاً، واعتبرتها حيلةً تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية.
فقد صرح رئيس الحكومة الفلسطينية محمد اشتية أن “مؤتمر المنامة سيولد ميتاً،” موضحاً بأن القضية الفلسطينية ليست “مشكلة اقتصادية” وانما “الصراع هو على الأرض من أجل إنهاء الاحتلال، وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، وعودة اللاجئين.”
يأتي رفض القيادة الفلسطينية للخطة الامريكية بسبب مجموعة من القرارات السياسية الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية، منذ أن أعلن ترمب، في 6 ديسمبر 2017، الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وتم نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس بتاريخ 14 مايو 2018. ومنذ ذلك الحين تتهم القيادة الفلسطينية ترمب بالانحياز التام لصالح إسرائيل، وترفض التعاطي مع أي تحركات أمريكية في ملف التسوية السياسية.
النقاط الأساسية للخطة الاقتصادية
في ورشة العمل الاقتصادية في العاصمة البحرينية المنامة، والتي شارك بها 39 وفداً من دول ومنظمات دولية، عرض جاريد كوشنر النقاط الأساسية للخطة الاقتصادية للسنوات العشر القادمة، التي تهدف لرفع المستوى التنموي في المناطق الفلسطينية ودول الجوار. تقضي المبادرة الأمريكية للتنمية في المنطقة بتشكيل صندوق استثماري سيحدد المشاريع التنموية ذات الأولوية وينفذها بفاعلية وشفافية. ويبلغ حجم الاستثمارات نحو 50 مليار دولار، سيخصص 27,8 مليار منها لغزة والضفة الغربية، وسيكون نصيب مصر منها 9,2 مليار، والأردن 7,4 مليار، بينما سيحصل لبنان على دعم مالي بقيمة 6,3 مليار دولار.
الامر المثير للجدل هو تمويل الخطة، حيث تتحدث الخطة الاقتصادية عن مبلغ 13,4 مليار دولار عبارة عن منحٍ مالية، بينما سيكون مبلغ 25,7 مليار قروض مع فوائد. وإن وجد من سيمول القروض فإن كاهل الفلسطينيين سيثقل بالديون لسنوات طويلة قادمة.
تتمحور الرؤية الاقتصادية حول ثلاثة محاور أساسية، تركز على الاقتصاد والشعب والحكومة:
إطلاق العنان للإمكانيات الاقتصادية: من خلال نمو الاستثمار التجاري والاستفادة من الثروات البشرية، ومن خلال فتح الضفة الغربية على قطاع غزة، والعمل على جميع مشاريع البنية التحتية، من شبكات المواصلات، والطاقة والمياه، والخدمات الالكترونية، من اجل رفع مستوى قطاعات الزراعة والصناعة والخدمات والسياحة.
تمكين الشعب الفلسطيني: وذلك من خلال تنمية القوى العاملة، وجودة التعليم، ورفع مستوى القطاع الصحي، بالإضافة الى الثقافة والرياضة، بهدف تحسين نوعية الحياة في المجتمع الفلسطيني.
تعزيز الحوكمة الفلسطينية: وذلك من خلال خلق البيئة المناسبة، لسن القوانين والتشريعات، واستقلالية القضاء، ودعم مؤسسات المجتمع المدني، وتعزيز مفاهيم الشفافية، وتعزيز الحوكمة الفلسطينية عن طريق تحسين الأداء الحكومي.
تهدف الخطة، كما أشار لها كوشنر، إلى تنفيذ ما يقارب من 180 مشروع ضخم في المناطق الفلسطينية على مدى عشر سنوات، ومن خلالها سيرتفع الناتج المحلي الفلسطيني بأكثر من ضعفين، وسيتم خلق أكثر من مليون فرصة عمل للفلسطينيين، بالإضافة الى تقليص مستوى البطالة للفلسطينيين إلى ما دون الـ 10%، وتقليص مستوى الفقر بنسبة 50%. الخطة الاقتصادية لم تتحدث عن إنشاء ميناء في غزة أو مطار للفلسطينيين. الإشارة الوحيدة في الوثيقة التي تقترب من هذه المواضيع هي اقتراح تطوير مطارات في الأردن، التي تخدم الفلسطينيين من الضفة الغربية وقطاع غزة، وهي خطوة ستخضع للموافقة الأمنية لإسرائيل والأردن. مع ذلك، تقضي الخطة إنشاء ممر وخطة لسكة الحديد تربط الضفة الغربية مع غزة عبر الأراضي الإسرائيلية، بالإضافة الى تعزيز التنمية والتبادل الاقتصادي مع الدول المجاورة.
صفقة القرن: ما بين النجاح والفشل؟
منذ البداية تم رهن نجاح ورشة العمل بمشاركة رسمية من كل من القيادة الفلسطينية بالإضافة الى ممثلين عن الحكومة الإسرائيلية. وبعد إصرار القيادة في رام الله على عدم المشاركة، آثرت واشنطن، قبل أيامٍ من انعقاد ورشة العمل، عدم دعوة ممثلين إسرائيليين رسميين للمشاركة في المؤتمر، وتم بدلاً من ذلك دعوة مجموعة كبيرة من رجال الاعمال الإسرائيليين، بالإضافة الى سياسيين سابقين مثل تسيبي ليفني.
كما شارك في ورشة العمل ممثلين عن كلٍ من السعودية، والامارات العربية، وقطر، بالإضافة الى مستوى متدني من التمثيل لكلٍ من مصر والأردن، ممثلين بنائب وزير المالية فقط. أما المغرب فقد شارك في جلسات العمل بصفة مهنية وليس بصفة سياسية. أما الضربة القوية فقد تلقتها واشنطن عندما صرح الناطق بإسم الأمم المتحدة نهاية شهر مايو عدم المشاركة.
تواجه الخطة مقاومةً على العديد من الجبهات، فقد رفضت إسرائيل بشكلٍ مطلق أي مقترحٍ بإنشاء ممرٍ يربط الأراضي الفلسطينية بذريعة أن ذلك سيؤثر على المصالح السياسية والأمنية لإسرائيل.
وفي مقابلة مع د. عبير ثابت، أستاذ العلوم السياسية في غزة، تعتبر أن الخطة لن يكتب لها النجاح لأن هذه المشاريع تتطلب منطقة آمنة ومستقرة سياسياً، وكلا الشرطين لا يتوفران في المنطقة. كما تريد إسرائيل مواصلة السيطرة على دخول وخروج البضائع والمسافرين من وإلى قطاع غزة، وإعطاء تصاريح مرور للضفة الغربية والمناطق الإسرائيلية لعددٍ قليل جداً من رجال الاعمال، والموظفين الدوليين، وبعض المرضى للعلاج في الخارج.
علاوةً على ذلك، لا تؤيد الخطة بمجملها حل الدولتين، وهو ما صرح به كوشنر بداية شهر مايو عندما أكد ان القدس ستبقى عاصمة الدولة الإسرائيلية. فقد علّق أحد الكتاب في صحيفة القدس العربي بأن ورشة عمل البحرين قد أعلنت عن السعر او المقابل المادي، قبل أن تعلن عن البضاعة، أو ما يمكن وصفه بالمحتوى السياسي.
إسرائيل التي وجدت تأييداً غير مسبوق من إدارة ترمب، تهدف إلى استغلال الوضع الحالي لمحاولة ضم أجزاء من الضفة الغربية تحت سيادتها. فقد صرّح السفير الأمريكي ديفيد فريدمان لصحيفة نيويورك تايمز بأنه من حق إسرائيل ضم أجزاء من الضفة الغربية لأهداف امنية. وعلى الرغم من أن واشنطن وضحت بأن الموقف الأمريكي من المستوطنات الإسرائيلية لم يتغير، الا ان هناك شكوكاً تحوم حول هذا الأمر، خاصة بعد أن صرّح كوشنر بأن حل الدولتين غير قائم.
التمويل الدولي للسلطة الفلسطينية على مدار أكثر من 25 عاماً، افضى إلى أن بعض الدول، وخاصة الدول الأوروبية والشرق أوسطية، لم يعد لديها الحماس من أجل تمويل ادامة الاحتلال الإسرائيلي. وطالما لا يوجد إطار سياسي يعتمد على القانون الدولي، سيبقى وجه الاحتلال الإسرائيلي هو المهيمن على المناطق الفلسطينية.
يفترض أن يعلن الجزء السياسي من صفقة القرن في شهر أكتوبر 2019، بعد الانتهاء من الانتخابات الإسرائيلية وعلى ضوء نتائج القمة الاقتصادية. وفي ضوء النتائج المحبطة، سيكون من الصعب كتابة النجاح لصفقة القرن بشكلها الحالي بشقيها الاقتصادي والسياسي.