أسفر تفجيران انتحاريان لكنائس في مصر يوم الأحد (9 أبريل 2017)، عن مقتل ما يقرب من 50 شخصاً، مما دفع وسائل الإعلام المحلية، التي عادة ما تتبع خطاً مؤيداً للدولة، إلى انتقاد قوات الأمن واستراتيجيتها “الفاشلة” لمكافحة الإرهاب. فقد كانت هذه التفجيرات الأخيرة في سلسلةٍ من الهجمات على المسيحيين في البلاد من قبل تنظيم الدولة الاسلامية “داعش،” الذي أعلن أيضاً مسؤوليته عن تفجير كاتدرائية قبطية في القاهرة في ديسمبر الماضي.
وفي يوم الإثنين التالي للتفجيرات، عنونت صحيفة البوابة نسختها بعنوان مثير للجدل يُطالب بإقالة وزير الداخلية المصري مجدي عبد الغفار، الذي يتولى مسؤولية إدارة الشرطة وقوات الأمن المصرية. غير أن النسخ لم تصل أبداً إلى أكشاك الصحف، حيث أوقف مسؤولون في الوزارة طباعتها. كما صودرت طبعة يوم الثلاثاء قبل أن تطبع.
ويعلم عبد الرحيم علي، رئيس تحرير صحيفة البوابة وعضو مستقل في البرلمان، تماماً، على من يُلقي باللائمة لوقوع هذه الهجمات. فقد قال لـFanack، “ما زلت غير قادرٍ على استيعاب أن الإرهابيين وصلوا بعملياتهم إلى قلب مصر، الاسكندرية وطنطا.” وتابع، “هذا نتيجة فشل أو عدم كفاءة الشرطة. ما الذي كانوا يفعلوه خلال الأشهر الأربع الأخيرة [منذ آخر هجومٍ على كنيسة]؟” ووفقاً لعلي، تكمن المشكلة في جمع المعلومات الاستخبارية، وهو أمرٌ غاية في الأهمية في الحرب غير التقليدية. فلا تمتلك الشرطة معلوماتٍ استخباراتية كافية لاكتشاف الخلايا الإرهابية ووقفها. وعندما تقوم الشرطة بتتبع المشتبه فيهم، فإنهم غالباً ما يقتلونهم أثناء محاولتهم إلقاء القبض عليهم، مما يعني خسارة مصدرٍ قيم للمعلومات. وأضاف علي “يطلقون النار، دون أن يطرحوا أي أسئلة.”
الأمثلة على مثل هذه الحوادث كثيرة، مما يثير انتقاداتٍ من جماعات حقوق الإنسان التي تدعي أنها ترقى إلى حد الإعدام دون محاكمة. وبعد يوم من هجمات أحد الشعانين، قتلت قوات الشرطة سبعة ممن يشتبه بانتمائهم لتنظيم “داعش،” الذين يُعتقد أنهم كانوا يخططون لهجوم جديدٍ في عيد الفصح.
كما أشار علي أيضاً إلى الافتقار إلى تدريب الشرطة، “في الجيش، يتم تدريبك طوال مسيرتك في تخصص واحد. أما في الشرطة، تضبط في أحد الأيام حركة المرور، وفي اليوم التالي تقوم بحراسة أحد الكنائس.” كما ادعى أيضاً أن أولئك المسؤولين عن استراتيجية الأمن في وزارة الداخلية يفتقرون إلى الخبرة. وعلى الرغم من انتقاداته الحادة هذه، إلا أن علي لا يعتبر من منتقدي النظام. بل على العكس، ففي برنامجه التلفزيوني الصندوق الأسود الذي عُرض ما بين عامي 2014 و2015، غالباً ما بث مكالماتٍ هاتفية مسربة ضحضت مصداقية الإخوان المسلمين والنشطاء السياسيين. كما يفخر بكونه من “كشف الطابور الخامس والكوادر الخفية لجماعة الإخوان المسلمين الإرهابية.” ومن المعروف أيضاً أن صحيفته موالية للنظام، وبشكلٍ أكثر تحديداً موالية للجيش، إذ يُجسد رسم كاريكاتوري من عام 2015 يُظهر جندياً يهاجمه إرهابيون إسلاميون من جهة ووسائل الإعلام من جهةٍ أخرى، موقف البوابة التحريري.
فقد حدد علي انتقاداته بالشرطة ووزارة الداخلية، التي قال أنه “ينبغي إعادة تنظيمها تماماً،” وينأى بنفسه عن انتقاد الجيش والرئيس. في الواقع، يؤمن أن “الأمل الأخير” لمصر لهزيمة الإرهاب هو الهيئة الجديدة التي أعلنها الرئيس عبد الفتاح السيسي بعد الهجمات. الهيئة التي أطلق عليها اسم المجلس الأعلى لمكافحة الارهاب والتطرف، ستضم وزراء ورؤساء أجهزة الدولة المعنية بمكافحة الإرهاب، بالإضافة ‘لى لجان دائمة تضم شخصيات عامة وخبراء. ويعتقد علي أنه يجب أن يرأسها السيسي نفسه. وقد يُشير انتقاد علي للشرطة إلى نوعٍ من الصراع يجري وراء الكواليس بين الجيش ووزارة الداخلية حول كيفية محاربة الارهاب. وهناك تلميحٌ آخر في هذا الاتجاه، ألا وهو أنه مباشرةً بعد الهجمات، تم نشر الجيش، بدلاً من الشرطة، لتأمين مؤسسات الدولة وحماية الكنائس خلال عطلة عيد الفصح.
وأيضاً في أعقاب الهجمات، أعلن السيسي حالة الطوارىء لثلاثة أشهر. وقد نددت منظمات حقوق الإنسان والمنظمات الناشطة بهذه الخطوة، قائلةً أن السلطات الموسعة التي تمنحها الحكومة لمحاكم الطوارىء والرقابة تشكل ضربةً أخرى لحقوق الإنسان والمجتمع المدني. وبدى علي أقل قلقاً بشأن الآثار المترتبة على حقوق الإنسان، إلا أنه يعتقد أن حالة الطوارىء لن تمنع الهجمات الجديدة. “عشنا 30 عاماً [في عهد مبارك] في ظل حالة الطوارىء، ولا تزال الهجمات الإرهابية الكبرى تحدث.” تتبع حجته رواية الدولة الغالبة، بمعنى أنه كان يعالج القضية، في المقام الأول، من منظورٍ أمني. وكرر تعليق السيسي بأن الهجمات لم “تكن تستهدف الأقباط فحسب، بل جميع المصريين”.
وأشار محللون آخرون، ممن يعيشون غالباً خارج مصر، إلى عددٍ من الأسباب الأخرى التي تجعل مصر عرضة للإرهاب بشكلٍ عام، والهجمات على الكنائس على وجه الخصوص. وقال تيموثي كالداس، الباحث بمعهد التحرير لدراسات الشرق الأوسط بواشنطن، في مقال رأي لشبكة سي إن إن، أن التمييز ضد المسيحيين والتوترات الطائفية منتشرة في مصر، وبدون معالجة هذا، ستزدهر الأرض الخصبة للإسلام المتطرف والعنف ضد المسيحيين.
فقد كتب كالداس، “سيصر المصريون [رداً على الهجمات على الكنائس] على أنهم شعب موحد. سيتكلم المصريون المسلمون بشكلٍ متواضع عن إخوتهم وأخواتهم المسيحيين ويعيدون رواية قصصٍ عن أصدقائهم المسيحيين المقربين. ولكن في النهاية، لن يختفي الشبح الأوسع للتمييز الديني الذي ظل قائماً منذ فترة طويلة في المجتمع المصري.”
كما اعتمد مختار عوض، وهو باحث في جامعة جورج واشنطن، في العاصمة واشنطن أيضاً، نفس الخط تقريباً في مقالٍ نُشر في مجلة ذا أتلانتك، إذ قال أن “الطائفية عميقة الجذور” هي نتيجة للإسلاميين الذين لا تتم مراقبتهم وسياسات الحكومة المعيبة. وأضاف “مصر… لا تزال تنفذ قوانين التجديف، وتفرض قيوداً تمييزية على بناء الكنائس وتفشل في مقاضاة المجرمين الطائفيين، في حين يواصل الإسلاميون إثارة الكراهية ضد الأقليات دون رقابة.”
فالمسيحيون المصريون أنفسهم يدعون، على نحوٍ متزايد، إلى رد فعلٍ مختلف، بدءاً من الاعتراف بأن هناك مشكلة طائفية، بدلاً من التقليل من شأنها أو إنكارها. وقال المصري المسيحي كمال الملاخ لصحيفة ترو الهولندية بعد هجوم الكاتدرائية فى ديسمبر الماضي “لسنا وحدة واحدة،” وأضاف، “هناك توترات بين المسلمين والمسيحيين. واذا لم نتمكن من الاعتراف بها، فلن نتمكن من حلها.”
كما واجه الأزهر، أعلى مؤسسة سُنيّة في البلاد، عاصفةً من الانتقادات عقب هجمات أحد الشعانين. فتعاليمه تعزز التطرف الديني، على حد قول النقاد، وذلك، بشكلٍ جزئي، بإضفاء الشرعية على العنف الذي يمارسه تنظيم الدولة الإسلامية “داعش.” ويذكر أن الإمام الأكبر، شيخ الأزهر، أحمد الطيب، الذي سيواجه خفض فترة ولاية لمدة عامين، في حال مرور قانون جديد مقترح، وصف الانتقادات بـ”الحملة المنظمة من قبل بعض وسائل الإعلام ضد الأزهر.”
يبدو أن الهجمات فتحت بعض أبواب الجدل في مصر. ومع ذلك، يحافظ الخطاب الرسمي على تركيزٍ صارم على الأمن و”الوحدة الوطنية،” مما يلقي بظلالٍ من الشك حول استعداد النظام معالجة الأسباب الجذرية للتطرف.