تستضيف دول الخليج وتؤيد الرياضيين والمسؤولين والقادة الإسرائيليين، مما يشير إلى حملةٍ واضحة لإقامة علاقاتٍ دبلوماسية. ومع ذلك، تُثير المبادرات الأخيرة جدلاً في العالم العربي وغيره.
تجلى ذلك بوضوح عندما تم رفع العلم الإسرائيلي في منافسات بطولة العالم للجمباز الفني في نسخته الـ48 والتي أقيمت في قطر، مما أثار غضب العديد من القطريين. وقبل بدء البطولة التي استمرت تسعة أيام في 25 أكتوبر 2018، انفجرت وسائل التواصل الاجتماعي بانتقاد تطبيع قطر الملاحظ مع إسرائيل.
فقد قام المقيمون العرب في قطر، وقطريون أنفسهم، بحشد الدعم على موقع تويتر للتهكم على وسم (هاشتاق) يلا_جمباز (#GoGymtastic)عن طريق إطلاق وسم يلا_تطبيع (#GoNormalization). ومع ذلك، دافع رئيس الاتحاد القطري للجمباز، علي الهتمي، عن قراره دعوة إسرائيل إلى البطولة. وذكر على شبكة AJ + التي تمولها الدولة أن اللجنة التنظيمية في قطر تلتزم بالمعايير الدولية من خلال دعوة إسرائيل إلى البطولة.
بيد أن هذا التفسير لم يخمد الغضب، كما أن إمكانية أن تحصل إسرائيل على ميدالية في البطولة – مما يعني رفع العلم الإسرائيلي مرتين في نفس البطولة – ضاعف من الضجة.
فقد خشي العديد من القطريون من نجاح لاعب الجمباز الإسرائيلي، أرتيم دولجوبيات، الذي حاز على الميدالية الفضية خلال منافسات الحركات الأرضية في العام السابق. فقد تمكن دولجوبيات من الحصول على إذن للمشاركة في البطولة من السلطات الإسرائيلية بسبب خدمته الحالية في الجيش الإسرائيلي، وذلك قبل يوم واحد من مغادرة الوفد إلى الدوحة. كما كان من المتوقع أن يقدم الرياضيان الإسرائيليان، أندري ميدفيديف والكسندر شاتيلوف، أداءً حسناً.
وقبل أيامٍ من انطلاق البطولة، صرّح شاتيلوف “أتعطش للحصول على الميداليات، بخاصة في مثل هذه البطولة. سأفعل كل ما يحتاجه الأمر للوصول إلى منصة التتويج.”
وعلى الرغم من حماسه، لم يفز أحدٌ من إسرائيل بأي ميداليات، مما جنّب قطر الإحراج أثناء حفل توزيع الجوائز. ومع ذلك، قال الوفد الإسرائيلي إنه تم الترحيب به في البطولة وعبّر عن سروره بعرض شعاراته الوطنية. وقال جاكي فيشنيا، مدير الوفد الإسرائيلي: “لقد تلقينا استقبالًا جيداً ونحن سعداء بالضيافة.”
كما استعرض الرياضيون الإسرائيليون رموزهم الوطنية في بطولة الجودو في أبو ظبي الشهر الماضي. فقد عزف النشيد الإسرائيلي مرتين: مرةً في بداية البطولة، ومرة أخرى بعد فوز بيتر بتشيك الإسرائيلي بالذهبية عن فئة أقل من 100 كجم.
وأثناء التتويج، بكت وزير الثقافة والرياضة الإسرائيلية ميري ريغيف وقالت إن الرسالة التي تحملها أبو ظبي هي رسالة “الوحدة والسلام.” وخلال البطولة، زارت ريغيف أكبر مسجدٍ في الإمارات، مسجد الشيخ زايد، وقالت للصحفيين إنها وقعت على سجل زوار المسجد باللغة العبرية لإظهار “الأخوة التي يمكن أن تسود بين اليهود والمسلمين.”
وعلى صعيدٍ متصل، لم يعبر العديد من العرب عن ذات الآمال، فقد قال عبد الخالق عبد الله، وهو محللٌ سياسي يعيش في الإمارات، لصحيفة واشنطن بوست إنه من المثير رؤية ريغيف – التي يصفها بالشخص الذي يكره العرب – تزور الإمارات. وقال: “إن عزف النشيد الوطني الإسرائيلي لم يزد الأمر سوى إهانة.”
وعلى الرغم من آراء شعوبها تجاه هذا الأمر، تتنافس الإمارات وقطر بشكلٍ واضح لتصبح كلٌ منهما المركز الرياضي للشرق الأوسط وإقامة علاقاتٍ أوثق مع إسرائيل.
فإمارة قطر الصغيرة- التي تحاصرها اليوم الإمارات والسعودية ومصر والبحرين– بحاجة ماسة إلى أصدقاء. فقد استضافت البلاد الأحداث الرياضية كشكلٍ من أشكال القوة الناعمة، مما ساعدها على كسر عزلتها وبناء علاقاتٍ مع المجتمع الدولي، بما في ذلك إسرائيل.
وبحسب ما قاله الدكتور يول جوزانسكي، الباحث الكبير في معهد تل أبيب لدراسات الأمن القومي، لصحيفة هآرتس، “في حين تخوض قطر هذه الأزمة مع جيرانها، يمكن أن يكسبها الانفتاح على الإسرائيليين الكثير من النقاط لدى إدارة [ترمب] الأمريكية.”
ومع ذلك، تمتلك دولة الإمارات دوافع مختلفة، إذ أنها تعمل على تسريب الدفء للعلاقات مع إسرائيل في محاولةٍ لتشكيل تحالفٍ أوسع ضد عدوهم المتبادل، إيران. كما تعدّ التجارة الثنائية أيضاً عاملاً رئيسي، بحسب ما كتبه سيغورد نويباور، وهو محلل في الشأن الخليجي يُقيم في واشنطن العاصمة. وأشار أيضاً إلى أن الشركات الإسرائيلية تبيع تقنيات الأمن القومي إلى الإمارات، وهي دولة بوليسية تراقب عن كثب وتقمع أي شكلٍ من أشكال النشاط السياسي. كما يستفيد الإسرائيليون أيضًا من سوق دبي للماس، كما يستثمرون بشكلٍ كبير في قطاع العقارات، حيث يعمدون إلى شرائها باستخدام جوازات سفرهم الأخرى.
كما كانت سلطنة عُمان أيضاً سبّاقةً في مد يدها إلى اسرائيل، ففي 26 أكتوبر 2018، زار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو السلطان قابوس بن سعيد في العاصمة العمانية مسقط. وقال مكتب رئيس الوزراء للصحفيين إن الزعيمين ناقشا سبل تحقيق “السلام والاستقرار في الشرق الأوسط.” ففي نهاية المطاف، لطالما كانت عُمان تتمتع بسمعةٍ بكونها صانع سلامٍ في المنطقة.
فقد أعلن مكتب نتنياهو إن “زيارة نتنياهو لسلطنة عمان تشكل خطوة ملموسة في إطار تنفيذ سياسة رئيس الوزراء التي تسعى إلى تعزيز العلاقات الإسرائيلية مع دول المنطقة من خلال إبراز الخبرات الإسرائيلية في مجالات الأمن والتكنولوجيا والاقتصاد”.
وعلى الرغم من تفاؤل إسرائيل، لن يتحقق السلام والاستقرار بسهولةٍ دون إنهاء احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة وحتى التوصل إلى حلٍ عادل للاجئين الفلسطينيين.
وكان ذلك واضحاً من الغضب الذي أثارته زيارة نتنياهو إلى عُمان بين المسؤولين الفلسطينيين. فقد قال منير الجاغوب، وهو مسؤولٌ كبير في السلطة الفلسطينية، إن زيارة نتنياهو إلى عُمان تقتل مبادرة السلام العربية، التي اقترحتها المملكة العربية السعودية عام 2002 كوسيلةٍ لحل النزاع العربي الإسرائيلي طويل الأمد. ومن الجدير بالذكر أن مبادرة السلام العربية تقترح تطبيع الدول العربية لعلاقاتها مع إسرائيل مقابل انسحاب الأخيرة الكامل من الضفة الغربية وغزة.
من جهتها، انتقدت حماس أيضاً سلطنة عُمان لاستضافتها نتنياهو. ودعت الجماعة الدول العربية إلى مضاعفة جهود مقاطعتها لإسرائيل التي “تهدد فلسطين والمنطقة برمتها.”
ومن الواضح أن السلام العادل بين إسرائيل وفلسطين بعيد المنال، إذ ظهر ذلك بوضوح عندما اندلع العنف في غزة بعد أسابيع فقط من بطولة الجمباز في قطر. فقد فشلت إسرائيل في محاولة اغتيال أحد كبار قادة حماس، مما أدى إلى تبادل إطلاق النار بين الجانبين.
وبعد أيامٍ من الهجوم، ردت حماس بإطلاق مئات الصواريخ على إسرائيل، مما أدى إلى إصابة 10 أشخاص. كما أرسل الجيش الإسرائيلي مقاتلاته لقصف ما زعم أنها أهدافٌ إرهابية. ومع ذلك، كان المدنيون في غزة، المحاصرون بالفعل في أواضعٍ إنسانية كارثية، من دفعوا ثمناً باهظاً – كما هو الحال غالباً عندما يتصادم الجانبان.
وعلى ما يبدو، لم يزعج العنف دول الخليج. فمن المحتمل أن قطر شعرت بالارتياح لأن المواجهات اندلعت بعد بطولة الجمباز، وليس قبلها. وكما يقول يول جوزانسكي، “يمكن أن تقول قطر دوماً أن هذه بطولة دولية، نحن لا نريد أن نستضيف الإسرائيليين، لكننا جزء من المجتمع الدولي،” مضيفاً، “سيكون من الصعب على قطر القيام بذلك في حالة تصاعد الصراع [في غزة].”