في 26 سبتمبر 2019، أعلن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو أن القوات الحكومية السورية استخدمت غاز الكلور خلال هجوم في 19 مايو في إدلب، كجزءٍ من هجومها على آخر معقل للمتمردين. جاء هذا التصريح في مؤتمر صحفي في نيويورك، حيث كان بومبيو يحضر اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
فمنذ بداية الحرب الأهلية السورية في عام 2011، تم استخدام الأسلحة الكيماوية بشكل منهجي.
“وجد معهد السياسة العامة العالمي أن ما يقرب من 336 هجوماً كاملاً بالأسلحة الكيماوية قد وقع، تعزى ما نسبته 89% منها إلى الحكومة السورية و2% نسبت إلى تنظيم الدولة الإسلامية،” بحسب ما قاله نور نحاس، الباحث والمحلل المستقل الذي يركز على البحوث مفتوحة المصدر للنزاع السوري، لنا في فَنَك. ومن الجدير بالذكر إن معهد السياسة العامة العالمي هو مؤسسة فكرية مستقلة في برلين، ألمانيا.
وأضاف “بالنسبة للحكومة السورية، تعمل الأسلحة الكيماوية مثل الكلور كوسيلةٍ فعالة لبذر عدم الاستقرار والخوف، إلى جانب استخدامها للبراميل المتفجرة والغارات الجوية والقصف بالنابالم الحارق، لإحداث الفتنة وعدم الاستقرار في المناطق التي لا يسيطرون عليها، وفتحها للعمليات العسكرية في نهاية المطاف.”
فقد ظهرت أدلةٌ على استخدام النظام للأسلحة الكيماوية في وقتٍ مبكر من النزاع، لكن الهجوم الذي وقع في أغسطس 2013 على الغوطة، خارج دمشق مباشرة، ما أثار رد فعلٍ من المجتمع الدولي، وخاصة الولايات المتحدة.
ففي السابق، اعتبر الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما استخدام المواد الكيماوية “خطاً أحمر،” الذي أمر بدوره بشن هجومٍ عسكري انتقامي، قبل أن يغير رأيه في اللحظة الأخيرة ويعقد صفقةً مع روسيا في النهاية بدلاً من ذلك: الولايات المتحدة لن تتدخل وسيعمل المجتمع الدولي يداً بيد على وضع خطةٍ لتحديد وتدمير مخزون الأسلحة الكيماوية في سوريا.
قبل هجوم عام 2013، كان النظام السوري يدعي لعقود أنه لا يستطيع الانضمام إلى معاهدة حظر الأسلحة الكيماوية طالما كانت إسرائيل تشكل تهديداً لأمنه. ومع ذلك، فقد انضمت سوريا إلى معاهدة حظر الأسلحة الكيماوية في عام 2014، وبموجب قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي شجعته الولايات المتحدة وروسيا، أعلنت دمشق تسليم 1,308 طناً مترياً من عامل غاز الخردل وسلائفه لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، حيث ذكرت الأخيرة في يناير 2016 أن تدمير المخزون قد اكتمل.
وقال نحاس: “حتى عام 2014، لم تكن الحكومة السورية جزءاً من معاهدة حظر الأسلحة الكيماوية وأنتجت كميات كبيرة من الأسلحة الكيماوية التي خزنتها.” وأضاف “يُزعم أن هذه المخزونات قد دُمرت بالكامل بموجب برنامج منظمة حظر الأسلحة الكيميائية – الأمم المتحدة بحلول عام 2014، لكننا رأينا استخداماً كبيراً للأسلحة الكيماوية منذ ذلك الحين.”
وعليه، لم يكن جمع الأدلة لدعم هذا الادعاء مهمةً سهلة، إذ يتمثل التحديان الرئيسيان بالاضطرابات المستمرة للحرب من جهة ونشر الأكاذيب واسع النطاق من ناحية أخرى.
وبحسب نحاس، “تجعل ظروف الحرب من الصعب على المسؤولين وبعثات تقصي الحقائق جمع الأدلة. في حالاتٍ كثيرة، أخرت الحكومة السورية وصول بعثات تقصي الحقائق إلى المناطق.” وتابع، “هناك أيضاً مشكلة الضوضاء الناتجة عن ناشري الأكاذيب ونظريات المؤامرة حول هذه الأحداث، التي تشوه الكثير من الموارد التي يمكن للصحفيين والحكومات استخدامها لتأكيد الهجمات والتحقق منها.”
ووفقاً للباحث، فإن وسائل الإعلام المملوكة لروسيا، مثل روسيا اليوم وسبوتنيك، ضخمت نظريات المؤامرة.
ومن الأمثلة على ذلك الاستخدام المزعوم للأسلحة الكيماوية في الهجوم الذي تم في 7 أبريل 2018 في دوما، في الغوطة الشرقية. فعلى الرغم من أن الهجوم يُنسب إلى النظام السوري، إلا أن دمشق وحلفاءها لم ينكروا مسؤوليتهم فحسب، بل شككوا أيضاً في صحة اللقطات والصور. كما زعم الجيش الروسي أن لديه أدلة دامغة على المشاركة المباشرة للمملكة المتحدة فيما أسماه “الاستفزاز.”
ووفقاً للاتهامات، مارست لندن ضغوطًا على الخوذ البيضاء – الدفاع المدني السوري – لـ”يمثلوا” أعراض التعرض لمواد كيماوية. وبحسب ما ذكرته الخوذ البيضاء والجمعية الطبية السورية الأمريكية، فقد توفي 48 شخصاً بسبب الغازات السامة وأظهر 500 آخرون أعراض تعرضهم لمواد كيماوية. ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، توفي 43 شخصاً على الأقل بعد تعرضهم للمواد الكيماوية شديدة السمية.
وفي هذا الصدد، قال نحاس: “الكثير من الدعاية اليوم مُنتجة جيداً ومُعدّة جيداً وسهلة الاستهلاك.” وأضاف “توفر إجابات سريعة، بغض النظر عن حقيقة تلك الإجابات، وقد يشعر أولئك الذين لا يتبعون الأحداث اليومية للصراع بالحيرة. الأمر متروك للصحافيين والباحثين لمحاربة هذا من خلال تقديم النتائج والأدلة بطرق لا يمكن للأشخاص الذين لا يراقبون الصراعات كمهنة أن يفهموها ويستوعبوها.”
بعد التأكيد الأخير على استخدام النظام السوري للأسلحة الكيماوية في هجوم مايو 2019، أعلن بومبيو أن الولايات المتحدة ستواصل ممارسة الضغط على نظام بشار الأسد حتى تضع حداً للعنف الموجه ضد المدنيين وتشارك في عملية تسوية سياسية وتسوية للصراعات تشرف عليها الأمم المتحدة.
ومع ذلك، يبدو أن انسحاب الولايات المتحدة الأخير لقواتها المتبقية من شمال سوريا يؤكد تفضيلها لفض الاشتباك بدلاً من التآمر في الشرق الأوسط. وعلاوةً على ذلك، من غير المرجح أن يؤدي إعلان بومبيو الأخير إلى أي تغييرٍ ملموس في ساحة المعركة السورية. كما أن انسحاب القوات الأمريكية يترك لتركيا الحرية في تنفيذ هجوم على هذه المنطقة للتخلص من مقاتلي وحدات حماية الشعب الكردية، وإلى حدٍ كبير، وضع حدٍ للتطلعات الكردية بالحكم الذاتي. وعلى الرغم من التحالف بين قوات سوريا الديمقراطية – التي تهيمن عليها وحدات حماية الشعب – والولايات المتحدة لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية، فإن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب يتابع مرحلة الانسحاب التي حددها أوباما ويبدو أنه يترك مصير الشرق الأوسط للقوى الإقليمية والمحلية، والأهم من ذلك لروسيا.
ففي أبريل 2017، بدا أن ترمب اتخذ قراراً يتناقض بشكلٍ كبير مع سلفه عندما أمر بضرب 59 صاروخ كروز على سوريا رداً على هجومٍ بغاز السارين المنسوب إلى النظام في خان شيخون. وبعد مرور عام، نفذت الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة سلسلة قصفٍ أخرى على مواقع في سوريا في أعقاب الهجوم الكيماوي على دوما.
في أوروبا والولايات المتحدة، تم انتقاد هذه التدخلات باسم معاداة الإمبريالية. ومع ذلك، كما اقترح بيري كاماك من مركز كارنيغي للشرق الأوسط في ذلك الوقت، “لن يكون للغارات الجوية أي تأثير حقيقي على مسار النزاع. من المفترض أن يتلقى الجيش السوري الرسالة المتعلقة باستخدام هذه الأسلحة البشعة. لكنه لا يزال يتمتع بفرصة الإفلات من العقاب فيما يتعلق بالهجوم التقليدي الوحشي ضد المدنيين.”
بالنسبة للناشطة والكاتبة ليلى الشامي، “كان التدخل الأمريكي والبريطاني والفرنسي أقل اهتماماً بحماية السوريين من الأعمال الوحشية الجماعية ويتمحور بشكلٍ أكبر حول تطبيق قاعدة دولية مفادها أن استخدام الأسلحة الكيماوية غير مقبول.” ويبدو أن النظام السوري ليس لديه مصلحة في التمسك بهذه القاعدة.