بدأ القصف الحكومي للمحافظة السورية الشمالية، إدلب، حيث يعيش ثلاثة ملايين مدني، في نهاية نوفمبر 2018، في خرقٍ للاتفاقية الروسية- التركية التي تم التوصل إليها في منتصف سبتمبر 2018 لتجنب التصعيد العسكري في المنطقة. ومن بين مجموعةٍ من الفصائل التي تسيطر على إدلب، فإن تحرير الشام هي القوة المهيمنة، وهو تحالفٌ يسيطر عليه مقاتلون مرتبطون بتنظيم القاعدة. ولا تزال التوترات شديدة، على الرغم من جهود روسيا وتركيا للحفاظ على الهدوء.
ففي أوائل ديسمبر 2018، قصفت مدفعية النظام إدلب، مما تسبب في خسائر بشرية؛ حيث ورد أن المتمردين ردوا بإطلاق الصواريخ. وعليه، قُتل ما لا يقل عن 18 مدنياً وأصيب 51 آخرون بجروحٍ في قصف منذ 30 نوفمبر، وفقاً لنشطاء محليين، الأمر الذي ينتهك الاتفاق الروسي التركي لجعل إدلب منطقة عازلة لا يُسمح فيها بالقتال.
تعتبر روسيا وتركيا الجهات الفاعلة الدولية الرئيسية في إدلب، فضلاً عن كونهما الدول الضامنة “لمراقبة وقف إطلاق النار،” على الرغم من مصالحهما المتضاربة على الأرض؛ بينما تعتبر إيران الدولة الضامنة الثالثة، والتي تدعم أيضاً نظام بشار الأسد.
يُكمل التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة للقوى الأجنبية التي تحارب الجماعات الإرهابية قائمة الجهات الفاعلة في البلاد. كما أن روسيا هي الحليف الرئيسي للنظام السوري في حين أن تركيا هي الحليف الرئيسي للمتمردين السوريين – حتى أنها تسيطر على عدة مناطق في شمال سوريا، بما في ذلك إدلب وعفرين والمنطقة القريبة من جرابلس.
تتضمن الاتفاقية الروسية التركية، التي أُرسلت إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس ورئيس مجلس الأمن، خطة من عشر نقاط لتجنب شن هجومٍ في المحافظة الشمالية الغربية من البلاد، إذ سيتم إنشاء منطقة منزوعة السلاح، “بعمق يتراوح بين 15 و20 كم في منطقة خفض التصعيد” وسيلعب مركز تنسيق إيراني-روسي- تركي دوراً في تنفيذ وقف إطلاق النار. و”سيتم اتخاذ تدابير فعالة لضمان وقفٍ دائم لإطلاق النار في منطقة خفض التصعيد في إدلب.
وفي هذا الصدد، سيتم تعزيز مهام مركز التنسيق المشترك بين إيران وروسيا-تركيا.” كما أوضحت الوثيقة أنه سيتم “استئناف المرور على الطرق M4 (حلب – اللاذقية) وM5 (حلب – حماة) بحلول نهاية عام 2018.”
وقال أرنماك توكماجيان، الزميل المختص بالشأن السوري في مجموعة الأزمات الدولية، لموقع فَنَك: “بعد الإتفاق الروسي –التركي منتصف سبتمبر، أصبح الوضع هادىء نسبياً.” وأضاف “ولكن، في الآونة الأخيرة، اشتد القصف المتبادل بين النظام والمتمردين وبدأ الطرفان يعززان مواقعهما على خط المواجهة. شاركت تركيا وروسيا، وهما الفاعلان الدوليان الرئيسيان في إدلب، في إدارة الوضع.”
ومع تصاعد التوترات بين النظام والمتمردين في المنطقة، بدأ السكان يفقدون الأمل بالفعل ويهربون من منازلهم بحثاً عن ملجأ في أماكن أخرى. فعلى سبيل المثال، أفادت التقارير بأن جرجناز، وهي بلدة ريفية كان يقطنها ما يقرب من 11 ألف نسمة قبل الحرب، شهدت نزوحاً جماعياً لأكثر من 70% من سكانها منذ استئناف الاشتباكات.
وقال توكماجيان: “إن هجوماً واسع النطاق للنظام على إدلب والمناطق المجاورة التي يسيطر عليها المتمردون، حيث يقيم حوالي ثلاثة ملايين من النازحين والسكان المحليين، سيؤدي إلى أزمةٍ إنسانية كبيرة.” وتابع القول “في حين أن البعض [قد يبقوا في أماكنهم] ويستسلمون للقوى المهاجمة، سيضطر آخرون إلى التوجه إلى المناطق القريبة من الحدود التركية بحثاً عن الأمان.”
أما علي ابراهيم، وهو صحفي سوري فاز بجائزة أفضل صحفي شاب لعام 2018 من هيئة الإذاعة البريطانية، فقد أخبرنا في فَنَك إن “المدنيين لا يريدون العيش تحت حكم الأسد.” وبحسب قوله يتمثل أفضل حلٍ لهم بالعيش تحت الحكم التركي، إذ قال أن هناك “ثلاثة ملايين مدني لا حول لهم ولا قوة ويكافحون لإيجاد سبلٍ لإبقاء أسرهم آمنة في حال وقوع هجوم.” وأضاف “نحن على يقين من أن النظام سيحاول استخدام ذات التكتيكات [كما فعل من قبل] وشن هجومٍ بالأسلحة الكيمياوية على المدنيين. فقد فر حوالي 1,5 مليون شخص نازح حالياً إلى إدلب بسبب المعارك السابقة في الغوطة وحلب وحمص. وإذا ما تم شن هجومٍ آخر دون الأخذ بعين الإعتبار حياة المدنيين، سيولد هذا أزمةً إنسانية كارثية. تعدّ تركيا خياراً للأشخاص الذين يعيشون في إدلب، والذين باتت حياتهم اليوم بين أيدي روسيا وتركيا.”
بيد أن تركيا أوضحت أن الوقت قد حان لتواجه أوروبا موجةً جديدة من اللاجئين إذا ما أصبحت أدلب مسرحاً للصراع. فقد قال المتحدث باسم الرئاسة التركية إن هجوماً كبيراً يستهدف المحافظة الشمالية الغربية يمكن أن يتسبب في أزمةٍ جديدة للاجئين من تركيا إلى أوروبا. وقال إبراهيم كالين من العاصمة أنقرة “النقطة المشتركة للجميع هي أن الحل يجب أن يكون سياسياً وليس عسكرياً.” وأضاف، “بالطبع، لن تشكل الموجة الجديدة من الهجرة عبئاً على تركيا فحسب، بل قد تتسبب في سلسلةٍ جديدة من الأزمات من هنا إلى أوروبا. لا أحد يريد ذلك.”
لذلك، فمن الأهمية بمكان بالنسبة لسكان إدلب أن تضغط روسيا وتركيا على حلفائهم من أجل الحفاظ على سلامتهم. ولكن في حال إنهاء وقف إطلاق النار، قال إبراهيم: “من الضروري أن تمتنع جميع أطراف النزاع عن مهاجمة المدنيين، وأن تمنح المرور الآمن للمدنيين الراغبين في الفرار من القتال، وتضمن وصول المساعدات الإنسانية بلا عوائق إلى جميع المدنيين المحتاجين.”
في الوقت الراهن، حثت تركيا المدنيين في إدلب على الوقوف ضد الجماعات المرتبطة بالقاعدة، وفقاً لصحيفة الوطن المؤيدة للحكومة. ووفقا لماكسويل ب. ماركوسن، المدير المساعد والزميل في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، يجب ألا تبقى عناصر تحرير الشام كمجموعة ذات تأثير في المدينة: “أعربوا عن استعدادهم للدفاع عن إدلب حتى النهاية، ولكن في حال شن النظام هجوماً كبيراً، فمن المرجح أن يتحركوا في الخفاء- كما فعل مسلحو تنظيم الدولة الإسلامية في جميع أنحاء العراق وسوريا – مما سيطرح أسئلةً حول التكرار التالي لكلٍ من المعارضة السورية والحركة السلفية الجهادية في سوريا.” وأضاف: “هناك احتمالٌ واضح بأن الأسد سيعزز مكاسبه قريباً ويدعو إلى سحب جميع القوات الأجنبية، بما في ذلك القوات التركية والأمريكية، وهو ما يطرح سؤالاً حول ما إذا كان بإمكانه إعادة فرض سيطرته على سوريا دون مساعدةٍ من إيران أو حزب الله والميليشيات الشيعية الأخرى.” وهذا يعني أنه في حالة انتصار النظام السوري وحليفه الروسي، قد ينتهي المطاف بما تبقى من إدلب تحت سيطرة النظام، تماماً كما حصل في حمص والغوطة. ويبقى السؤال أيضاً ما إذا كان أي مواطن سيبقى في دياره أم سيغادر إلى تركيا بدلاً من ذلك.
تعتبر إدلب آخر معقلٍ رئيسي للجماعات المتمردة والجهادية، التي كانت تحاول الإطاحة بالأسد على مدى السنوات السبع الماضية. ومع وجود عددٍ قليل من المناطق المنتشرة هنا وهناك في البلاد، إذا ما استولت الحكومة على إدلب، سيكون ذلك بمثابة آخر الهزائم التي يُمنى بها المتمردون.