قد تثبت الإنتخابات الرئاسية المقبلة في إيران، والتي من المزمع عقدها في 19 مايو 2017، نقطة تحولٍ في السياسة المعقدة والمضطربة في البلاد. فقد بلغت درجة العداء بين المعسكرين الرئيسيين المتنافسيين، المتشددين برئاسة المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي والمعتدلين والإصلاحيين الذين باتوا ينتشرون في عدة فصائل دون قيادة موحدة، ذروتها. ففي كل أسبوعٍ تقريباً، تتصدر فضيحةٌ جديدة عناوين الأخبار بينما يتم تسريب أخبار مزاعم الفساد التي تنخر معسكراً والآخر إلى الصحافة من قِبل فصيلٍ معارض. فكمية ونوعية ما يتم البوح به مذهلٌ وغير مسبوقٍ في التاريخ الإيراني، لتُشكل بكل تأكيد مرحلةً جديدة من الصراع الداخلي على السُلطة في الجمهورية الإسلامية.
فحسن روحاني، الذي يشغل المنصب حالياً، يحرص كل الحرص على الترشح لولايةٍ ثانية، إذ يدعي أنه يمثل خيار الوسط بين المتشددين والإصلاحيين. ومع ذلك، وفي خضم عامه الأخير من ولايته الأولى، انتهى به الأمر مُقصياً كلا المعسكرين. فقد أظهرت الاستقالات الأخيرة لثلاثة وزراء، من بينهم وزير الثقافة والإرشاد الإسلامي، علي جنتي، التوتر الحاصل بين الرئيس والفصائل السياسية المعارضة. فقد كان جنتي، الذي سلطت عليه وسائل الإعلام الأضواء مؤخراً بسبب عدم قدرته على التعامل مع إلغاء الحفلات الغنائية أمام مطالب رجال الدين غير الحكوميين، قد انتقد بشدة من كلا المعسكرين. بل إن استقالته وزميليه من مجلس الوزراء، يعزز الاعتقاد أنّ الرئيس روحاني لم يرتقي لسقف التوقعات التي جاهر بها كمرشحٍ وسيط في حملته الانتخابية قبل أربع سنوات.
وعلى الرغم من أن روحاني لا يزال يتمتع بالأفضلية من قِبل بعض الإصلاحيين وغيرها من الجماعات ذات الصياغات غير المحددة على نحوٍ مضبوط مثل البراغماتيين أو المعتدلين لولاية ثانية، إلا أنه من غير المرجح أن يحظى بدعم المتشددين في الانتخابات المقبلة. وعلاوة على ذلك، فإن الحرس الثوري الإيراني الذي يتمتع بالقوة، والذي يعارض الرئيس والإصلاحيين، يعمل بجدٍ لفضح الفساد في مخيم روحاني والذي اشتمل على نشر رواتب فلكية للكثير من المسؤولين الحكوميين. فقسم الاستخبارات في الحرس الثوري، يُزاحم اليوم على نحوٍ فعّال وزارة الاستخبارات (التي يُعتقد أنها تقف إلى جانب الرئيس الحالي والإصلاحيين) في استراتيجية تسريبات “العين بالعين” والتي تهدف إلى تشويه الحلفاء السياسيين لبعضهم البعض. وبالتالي، قد تتأثر نتائج انتخابات العام المقبل، إلى حدٍ كبير، بمدى هذه التسريبات.
كما اعتبر اعتقال الحرس الثوري لمزدوجي الجنسية ذو دوافع سياسية، فقد تم اعتقال العديد من مواطني إيران مزدوجي الجنسية في العام الماضي بتهمٍ لا أساس لها، إذ تم استخدام التجسس، والعلاقات مع دولٍ معادية، والعمل ضد الأمن القومي وما شابه ذلك، لتبرير الاعتقالات التي يمكن أن تضرّ بصورة روحاني في الخارج ويحتمل أن تعيق وصول الاستثمارات الأجنبية التي تبرز الحاجة إليها.
أما على الجانب الإصلاحي، لم يتم تقديم أي مرشحٍ حتى الآن، ويرى بعض المراقبين، مثل الاستاذ الجامعي صادق زيبا كلام، أن وزير الخارجية محمد جواد ظريف قد يمثل فرصة أفضل لمعسكر الإصلاحيين من شاغلها روحاني. فقد دفعت شعبية ظريف بعض الدوائر القوية للنظر بجدية بشغله هذا المنصب. كما ذُكر أيضاً اسم محمد رضا عارف، الوزير السابق، لنقل غير المحبوب، في حكومة الرئيس محمد خاتمي والنائب الحالي في مجلس الشورى، كمرشحٍ محتمل، لكن نهج عارف، المرن والملتزم نوعاً ما، من غير المرجح أن يكسب له مكاناً في القائمة النهائية للإصلاحيين.
كما أن المتشددين لم يطرحوا أي مرشحٍ بعد. فقد تحطمت آفاق الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، بما لا يدع مجالاً للشك عندما، في لقاءٍ خاصٍ مع المرشد الأعلى في 30 أغسطس 2016، قيل له بعباراتٍ لا لبس فيها أنه لا ينبغي له الترشح. وعلى الرغم من أن هذا لا يمكن أن يستبعد تماماً ترشح أحمدي نجاد (فقد وقف في وجه المرشد الأعلى في السابق)، إلا أنه يجعله أمراً بعيد الاحتمال. ومن الأسماء المذكورة، المفاوض النووي السابق والممثل الحالي للمرشد الأعلى في مجلس الأمن القومي، سعيد جليلي، على الرغم من أن سلوكه المتعنت والمفعم بالنشاط على حد سواء، قد يكون بالكاد عامل جذبٍ للأصوات الفائزة. ومع ذلك، فإن نسبة الـ11,3% التي حصل عليها من الأصوات في انتخابات عام 2013، تُعدّ مؤشراً جيداً على شعبيته.
أما آخرون، مثل محسن رضائى، الرئيس السابق للحرس الثوري الإيراني، والمقرب من المرشد الأعلى، وغلام علي حداد عادل، المتحدث السابق باسم مجلس الشورى، الذي يرتبط بخامنئي بعلاقة مصاهرة، سيفشلان في جذب الناخبين عن التصويت لروحاني، ذلك أن سجلاتهم لم يكن لها الإنطباع الأمثل في الذاكرة الجماعية للشعب الإيراني. وعلى صعيدٍ آخر، يعتبر العمدة الحالي لطهران والجنرال السابق في الحرس الثوري، محمد باقر قاليباف، واحداً من المرشحين البارزين الأكثر وضوحاً للمتشددين. ومع ذلك، أدى تسرب مزاعم عن شبهات فسادٍ في بلدية طهران مؤخراً إلى تراجع فرصته إلى حدٍ ما.
برويز فتاح وزير الطاقة في حكومة أحمدي نجاد، هو أحد الشخصيات التي يمكن أنّ تجتذب بعض الأصوات من المعسكر الآخر أيضاً. فتقريباً، تتفق جميع الفصائل على مدى انتاجية فترة ولايته كوزير، بل إن فتاح في الحقيقة تخطى الفصائل من خلال الضغط لصالح وزير الطاقة الذي عينه الرئيس روحاني، حميد تشيت تشيان، لتتم الموافقة عليه من قِبل مجلس الشورى. قد يكون دعمه قد ساهم بـ272 صوتاً بـ”نعم” في مجلس الشورى لصالح تشيت تشيان، والتي تعدّ واحدة من أعلى النسب في تاريخ الجمهورية الإسلامية. حالياً، تم تعيين فتاح من قبل المرشد الأعلى بصفته رئيس مؤسسة الإمام الخميني للإغاثة.
أما بالنسبة للرئيس روحاني، قد يُثبت الاقتصاد المتدهور أنه نقطة ضعفٍ لإعادة انتخابه. فقد فشل التباطؤ الاقتصادي، حتى بعد إبرام الاتفاق النووي مع مجموعة (5+1) (الولايات المتحدة، وروسيا، والمملكة المتحدة، وفرنسا، والصين، وألمانيا) في عام 2015، في إظهار أي علامةٍ ملموسة على تحسّن أوضاع الأسر متوسطة الحال. وعلى الرغم من استئناف صادرات النفط إلى حدٍ ما، والاتفاقات المبدئية للاستثمار والتجارة الخارجية (فعلى سبيل المثال، أبرمت شركة بوينغ صفقةً مع إيران بقيمة 17,6 مليار دولار في يونيو الماضي)، إلا أن الأسعار تواصل ارتفاعها، كما وصلت نسب البطالة الرسمية في البلاد إلى معدلٍ مخيف حول 11,8% (الأرقام غير الرسمية أعلى من ذلك بكثير). حتى أن المسؤولين الحكوميين يعترفون اليوم بفداحة الأزمة مع ارتفاع عدد العاطلين عن العمل.
ومع ذلك، وكما أشرنا آنفاً، قد تعرّض شدة الصراع على السُلطة بين الفصائل التي تعكسها التسريبات المتواصلة لمزاعم الفساد ضد المعسكرين المتنافسين، إلى جانب تزايد احباط الشعب من الحكومة الدينية (الذي عبر عنه عشرات الآلاف من الأشخاص الذين تجمعوا حول قبر كورش الكبير في 28 أكتوبرمرددين هتافاتٍ وطنية بالرغم من القيود الرسمية التي كانت مفروضة)، الجمهورية الإسلامية، في نهاية المطاف، لعواقب تناقضاتها الداخلية.