وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الاقتصاد الإيراني: رغبة روحاني بالتغيير على الرغم من شُحّ الأدوات

Iran's economic challenges after the nuclear deal.
تشانغ يي (يسار)، رئيس لجنة الإشراف على الأصول المملوكة للدولة وإدارتها في الصين، يصافح وزير الشؤون الاقتصادية والمالية الإيراني، علي طيب نيا (يمين)، خلال لقائهما في طهران, إيران, 22 سبتمير 2015.  Photo imago stock&people

عندما ترشح حسن روحاني للإنتخابات الرئاسية في إيران عام 2013، كان يدرك تماماً التحديات التي ستواجهه: فقد تراجع النمو الاقتصادي ما دون الصفر للمرة الأولى، كما ارتفع التضخم إلى ما يقرب الـ40%، فضلاً عن ارتفاع معدلات البطالة وتدهور النمو في القطاعات الإنتاجية. كان هذا التدهور نتيجة السياسات الاقتصادية الكارثية في ظل الرؤساء السابقين، وخاصة أحمدي نجاد، بالإضافة إلى العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران من قبل مجلس الأمن الدولي (UNSC)، والولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا بعد أن وصلت المفاوضات النووية الى طريق مسدود في عام 2005. فقد كانت تلك العقوبات الموضوع الرئيسي لحملة الإنتخابات الرئاسية في إيران. وفي ضوء ذلك، انتقد روحاني، أحمدي نجاد وسعيد جليلي، الذي كان آنذاك رئيس فريق التفاوض الإيراني وأحد المرشحين للرئاسة، على طريقتهم في إدارة المفاوضات والإنعكاسات الاقتصادية الناتجة عن ذلك، حيث صرح أنه يتوجب على الاقتصاد الإيراني أن يمضي قُدماً تماماً كما هي حركة غزل أجهزة الطرد المركزي.

وبالتالي، تمحورت حملة روحاني الانتخابية حول إنهاء العقوبات وتحسين الوضع الاقتصادي للبلاد. وبعد فوزه بالإنتخابات، جلب روحاني مجموعة من ذوي الخبرة الاقتصادية الواسعة تحت الحكومات السابقة لكلٍ من محمد خاتمي وهاشمي رفسنجاني، اللذان دعما روحاني في حملته الإنتخابية. وبحلول عام 2015، وبعد أقل من عامين على وجوده في منصبه، نجح روحاني في الحدّ من التضخم من 40% إلى 15,5% ورفع النمو الاقتصادي إلى 3%. ومع ذلك، كانت معدلات البطالة لا تزال مرتفعة، فضلاً عن كون التضخم لا يزال من أعلى المعدلات في المنطقة العالم. بالإضافة إلى ذلك، يتأخر النمو الاقتصادي بشكل كبير وراء النمو السكاني وعدد الأشخاص الذين ينضمون إلى سوق العمل الإيراني.

وعلى صعيدٍ آخر، فقد آثار الاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه ما بين إيران ومجموعة (5+1) في 14 يوليو 2015، الآمال الإيرانية بإدخال المزيد من التحسينات الإقتصادية. ومع ذلك، كان روحاني ووزرائه يدركون تماماً أن تغيير الوضع الاقتصادي يتطلب وقتاً وجهداً، فضلاً عن هزيمة معارضي التغيير. وفي هذا الصدد، يتوجب على الإدارة، من جهة، مواجهة أولئك الذين استفادوا من العقوبات (أكثر من 30 مليار دولار خلال فترة أحمدي نجاد)، وأصحاب المصالح القوية في الإطار القديم للإقتصاد الإيراني، من جهةٍ أخرى. وبالأخذ بعين الإعتبار ما ذكر آنفاً، سلطت خطابات روحاني، في أعقاب الاتفاق النووي، الضوء على الآثار المترتبة للإتفاق على مستقبل الاقتصاد الإيراني. نوجز أهم عناصر تلك الخطابات أدناه:

  • والآن، بعد رفع العقوبات، لن تستخدم إيران العائدات المالية، الناتجة عن الإفراج عن الأصول الايرانية المجمدة خارج إيران وعن ارتفاع صادرات إيران من النفط والغاز، لزيادة كميات الواردات. بل على العكس، ستوقف الحكومة في الوقت الراهن المزيد من الواردات التي يُنظر إليها باعتبارها تدمر الإنتاج الوطني.
  • لن تسعى الحكومة إلى استرضاء الشعب عن طريق المهدئات الاقتصادية. بدلا من ذلك، تهدف الحكومة إلى إعادة هيكلة سياساتها الاقتصادية وذلك لتحقيق الأهداف التالية: زيادة الصادرات، والحد من التضخم إلى أقل من 10%، وزيادة النمو الاقتصادي إلى 8%، وبصفة عامة نسعى لتحقيق انتعاش اقتصادي دائم لصالح الشعب.
  • تهدف الحكومة إلى جذب الاستثمارات والتكنولوجيات الأجنبية، بدلا من استيراد المنتجات من الخارج، وذلك لتنويع الاقتصاد الإيراني لصالح الشعب.

التحديات التي تواجه البرنامج الاقتصادي لروحاني

من الواضح من هذه الخطابات أنّ الشغل الشاغل للحكومة الإيرانية هو كيفية جذب الاستثمارات الأجنبية حيث يحتاج الإقتصاد الإيراني إلى استثمارات كبيرة لتحسين أداء وجودة إنتاجها. ومع العدد المتزايد من زيارات الوفود الإقتصادية الخارجية لإيران، فقد حددت الحكومة، بشكلٍ أكثر وضوحاً، الأهداف المُبينة أعلاه. فعلى سبيل المثال، زار مندوبون من 100 شركة فرنسية من مختلف التخصصات إيران في سبتمبر 2015، على الرغم من أن هذه الزيارات لم تتمخض سوى عن عددٍ قليل من اتفاقيات التعاون الزراعي. وعندما قام رئيس لجنة الإشراف على الأصول المملوكة للدولة وإدارتها في الصين بزيارة إيران في سبتمبر أيضاً، رحبت طهران بمساعيه لتقديم مساعدات صينية تهدف إلى تطوير صناعاتها التحويلية. وعلى الرغم من التركيز على الأهداف المُعلنة، إلا أن الحكومة الإيرانية تدرك تماماً مدى صعوبة المهمة، حتى وإن كان ذلك يتخطى الصراع الناشىء بين رغبات طهران وتطلعات المستثمرين الأجانب.

ولا يزال قطاع الطاقة القطاع الإيراني الأكثر جاذبية للاستثمارات الأجنبية. وبينما ترحب الحكومة بمثل هذا الاستثمار وتنتظر بفارغ الصبر عودة شركات النفط إلى إيران، تم تأجيل مؤتمرٍ مع مستثمرين في قطاع النفط أربع مرات، كان آخرها حتى شهر فبراير 2016 (بعد رفع عقوبات مجلس الأمن الدولي بشكلٍ رسمي). كما تسعى ايران أيضاً لجذب الاستثمارات في قطاعات أخرى مثل الزراعة والخدمات والصناعات غير النفطية.
وبصفة عامة، تواجه الحكومة الإيرانية عدداً من القضايا التي تُعيق تحقيق تقدم في أولوياتها الإقتصادية، وهي:

  • الحد من التضخم والبطالة، نظراً للتغييرات الهيكلية المطلوبة وضُعف الاستثمارات الأجنبية في القطاعات الأخرى غير قطاع الطاقة التي يمكن أن توّلد فرص العمل.
    فقد وصل التضخم إلى مستويات قياسية جديدة عام 2015 بعد أن انخفض لمدة عامين، حيث تبرز الحاجة إلى خفضه مرة أخرى لجذب الاستثمارات، التي من غير المتوقع، على أي حال، أن تكون جاهزة للعمل بشكلٍ تام لشهور أو حتى سنوات.
  • العجز في الخزينة العامة.
    بعد مضي ستة أشهر في السنة المالية الإيرانية (مارس 2015-مارس 2016)، أعلن نائب الرئيس الايراني، محمد باقر نوبخت، أن الحكومة لا تستطيع تلبية حتى نصف متطلبات ميزانيتها لهذا العام المالي. وبعبارة أخرى، فإن الحكومة تنتظر الزيادة المتوقعة في عائدات النفط والإفراج عن الأرصدة الإيرانية المجمدة في الخارج لتغطية العجز الضخم. حتى ذلك الوقت، يمكن للحكومة أن تفعل الشيء البسيط لتطوير الصناعات التحويلية ومعالجة التضخم والبطالة.
  • تطلعات المستثمرين الأجانب، التي تختلف عن تطلعات حكومة روحاني. ويبدو أن شركات الطاقة الأكثر حرصاً على دخول السوق الإيراني في المستقبل القريب، الأمر الذي يخالف آمال الحكومة بجذب الاستثمارات في القطاعات غير النفطية.
user placeholder
written by
veronica
المزيد veronica articles