خلال مؤتمر بروكسل، الذي عُقد في أبريل 2018، حول دعم مستقبل سوريا والمنطقة، أوضح المجتمع الدولي أن الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة لن يدعما إعادة الإعمار في البلاد ما لم يتم إجراء إصلاحاتٍ سياسية واضحة.
فقد قالت المفوضة العليا للشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغيريني “لقد صرحنا هنا مرةً أخرى أن أموال إعادة الإعمار ستتدفق فقط في حال بدء عمليةٍ سياسية تحت رعايةٍ أممية.” كما تساءلت عن الطابع العملي للعملية: “لمن نُسلم الأموال؟ هل من الواقعي الاعتقاد بأن أي مؤسسة دولية تعطي المال لـ[الرئيس السوري بشار] الأسد؟”
وفي حديثه عقب اجتماع في سبتمبر 2017 حضره نحو 14 دولة تدعم المعارضة السورية، قال بوريس جونسون، وزير الخارجية البريطاني آنذاك: “نعتقد أن السبيل الوحيد للمضي قدماً هو تحقيق عملية سياسية وتوضيح الأمر للإيرانيين والروس والأسد، بأننا لن نؤيد، نحن مجموعة الدولة المتشابه بالمواقف، إعادة إعمار سوريا إلى أن يكون هناك عملية سياسية، وهذا يعني، وفقاً لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254، مرحلة انتقالية دون دورٍ للأسد.”
ومن الجدير بالذكر أن القرار رقم 2254 كان قد اعتمد في 18 ديسمبر 2015، الذي طالب جميع الأطراف بوقف الهجمات على الأهداف المدنية فوراً، وحث الدول الأعضاء على دعم الجهود الرامية إلى تحقيق وقف إطلاقٍ للنار، وطالب الأمم المتحدة بعقد اجتماعٍ لجميع الأطراف للانخراط في مفاوضاتٍ رسمية.
وفي يوليو عام 2018، حث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين القوى العالمية على المساهمة في انعاش الاقتصادي في سوريا والسماح للاجئين بالعودة إلى ديارهم، قائلاً: “نحن بحاجة إلى تعزيز الجهود الإنسانية في الصراع السوري. وأقصد بذلك جميع المساعدات الإنسانية المقدمة للشعب السوري، ومساعدة المناطق التي يستطيع اللاجئون الذين يعيشون في الخارج العودة إليها.” وهذا يعني إعادة إعمار المنازل، والبنية التحتية للصحة والمرافق الصحية فضلاً عن إعادة تطوير الصناعات المحلية. رد فرانسوا ديلاتر، الممثل الدائم لفرنسا لدى الأمم المتحدة، على تصريحات بوتن بقوله، “لن نشارك في إعادة إعمار سوريا ما لم يجري انتقال سياسي فعلي بمواكبة عمليتين دستورية وانتخابية بطريقةٍ جدية ومُجدية.”
يضع هذا المطلب بالإصلاح السياسي إعادة إعمار سوريا في خطر، إذ أن من غير المرجح أن يقدم حلفاؤها ما هو مطلوب، أي ما قدره ستافان دي ميستورا، مبعوث الأمم المتحدة الخاص لسوريا، بنحو 250 مليار دولار.
وفي هذا الصدد، قال سام هيلر، كبير المحللين في مجموعة الأزمات الدولية، لفَنَك: “لا يوجد مصدر واضح لتمويل إعادة إعمار سوريا.” وأضاف “اتخذت الحكومة السورية خطواتٍ لحشد رأس المال من المستثمرين المنفردين، بما في ذلك وضع أطرٍ قانونية لمصادرة الممتلكات وإعادة تطويرها وإشراك المستثمرين الإقليميين. وعلاوة على ذلك، فهي تتوقع أن يساهم اللاجئون العائدون في نوعٍ من إعادة البناء الطبيعي أثناء ترميمهم مجتمعاتهم المحلية. ومع ذلك، فإن هذه المساهمات أقل بكثير عن المئات من المليارات التي تُشير التقديرات أنها ضرورية لإعادة إعمار سوريا بالكامل. ويبدو أن حلفاء سوريا، روسيا وإيران، والبلدان الصديقة مثل الهند، مستعدة للمشاركة في إعادة الإعمار، لكن ليس بالاستثمار في هذا الحجم الضخم.”
واليوم، تعتبر الصين إحدى الدول المرشحة للاستفادة من إعادة الإعمار في سوريا. فبالإضافة إلى مبلغ 2 مليار دولار التي تعهدت الصين باستثمارها في الصناعة السورية العام الماضي، أعلنت بكين خلال منتدى التعاون الصيني- العربي الثامن في يوليو 2018 عن تقديم 23 مليار دولار من القروض والمساعدات للمنطقة العربية، بما في ذلك 90 مليون دولار كمساعداتٍ إنسانية لليمن ولبنان والأردن وسوريا. ومع ذلك، لا يزال من غير الواضح المبلغ الذي ستحصل عليه سوريا، ومن غير المحتمل أن يتناسب مع الاحتياجات على أرض الواقع.
في غضون ذلك، وعدت روسيا بمساعدة سوريا في إعادة الإعمار، بناءً على تجربتها الخاصة ما بعد الحرب. وقال الكولونيل جنرال ميخائيل ميزينتسيف في يوليو “من الضروري استخدام خبرتنا الداخلية بعد الحرب في إعادة إعمار البلاد، فضلاً عن الحلول المفيدة المستخدمة في الدول الأخرى المتأثرة بالحروب المحلية الحديثة والنزاعات المسلحة.” وأضاف “على هذا الأساس، أطلب منكم إعداد المواد التحليلية ذات الصلة وجلبها إلى الجانب السوري.”
وفي أغسطس، وعدت إيران بتقديم المساعدة، إذ قال وزير الدفاع الإيراني أمير حاتمي إن إيران اتفقت مع سوريا على أن يكون لدى إيران “حضور ومشاركة ومساعدة” في إعادة الإعمار “ولن يكون هناك طرف ثالث مؤثر في هذه القضية.” ولم تصدر بعد تفاصيل عن حجم هذه المساعدة.
بالنسبة إلى هيلر، فإن الوضع يمنح الدول الغربية نفوذاً في المفاوضات حول الإصلاح السياسي. وأضاف: “لكن ليس من الواضح أن بإمكانهم استخدام هذا النفوذ فعلياً.” وتابع القول “يبدو أن دمشق وحليفتها روسيا تعترفان بمدى نفوذهما، حيث إنهما تربطان أموال إعادة الإعمار بعودة اللاجئين واللعب على الضغوط السياسية الداخلية الأوروبية المتعلقة بالهجرة واللاجئين للدفع من أجل المساهمة الأوروبية في إعادة الإعمار.”
وفي أغسطس أيضاً، تعهدت المملكة العربية السعودية بتقديم 100 مليون دولار لحملة “إعادة الاستقرار” التي تدعمها الولايات المتحدة وتستهدف المناطق التي كان يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية سابقاً، الذي استولى على أجزاء كبيرة من العراق وسوريا في عام 2014، بما في ذلك مدينة الرقة السورية. وقالت السفارة السعودية في واشنطن إنها “ستلعب دوراً حاسماً في جهود التحالف لإحياء المجتمعات التي دمرها الإرهابيون من داعش، مثل الرقة،” مضيفاً أن الأموال “ستنقذ الأرواح وتساعد في تسهيل عودة النازحين السوريين وستساهم في ضمان عدم عودة [داعش] لتهديد سوريا أو جيرانها أو التخطيط لشن هجمات ضد المجتمع الدولي.”
إن التعهد السعودي، كحال الـ550 مليون دولار من الإمارات العربية المتحدة لإعادة استقرار الرقة، غير مخصصة لإعادة إعمار البلاد مباشرةً، ولكن لمساعدة المناطق التي تم تدميرها بالكامل تقريباً خلال الهجوم للقضاء على داعش. فقد رفض التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة تحويل الأموال للحكومة السورية، متهماً إياها بارتكاب جرائم حرب، ورفض تقديم الدعم للمناطق الخاضعة لسيطرتها.
رداً على ذلك، رفضت سوريا جهود إعادة الإعمار السعودية والإماراتية، حيث شجب وزير الخارجية السوري وليد المعلم “القرار المعيب” الذي اتخذته المملكة العربية السعودية. وبحسب وكالة الأنباء العربية السورية، قال المعلم “أعلنت السلطات السعودية، التي تآمرت ضد مصالح أمتنا العربية، عن تخصيص مبلغ 100 مليون دولار للتحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية خارج إطار الشرعية الدولية، وفي تحدٍ لقرارات مجلس الأمن المتعلقة بالأزمة في سوريا.”
وفي 19 أغسطس، قال الرئيس الأمريكي دونالد ترمب إن الولايات المتحدة لن تسدد الدفعات السنوية البالغ قدرها 230 مليون دولار المُقدمة لسوريا، والتي وصفها بـ”السخيفة،” مضيفاً أن “السعودية ودولاً أخرى غنية في الشرق الأوسط” من “ستتكفل بهذه الدفعات.” ومن المفترض أن يحدّ هذا من تأثيرهم على أرض الواقع فيما يتعلق بأي إصلاحٍ سياسي قد يحصل.
وعلى أرض الواقع، لا أحد يعلم مدى ضخامة إعادة الإعمار التي ستتم في نهاية المطاف أو متى ستبدأ. ومع عدم وجود رؤية اقتصادية أو سياسية واضحة للمستقبل، قد لا يميل اللاجئون إلى العودة إلى ديارهم. فقد أصبحت إعادة الإعمار مسيسةً بالفعل، حتى قبل انتهاء الحرب، وبالتالي قد يستغرق إيجاد حلٍ للمشكلة سنوات.