وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

حرارة أحداث سيناء تُذيب جمود العلاقات بين مصر وإسرائيل

Israeli-Egyptian cooperation against terrorist in Sinai
مصريون يحضرون جنازة جندي قُتل في الهجوم الإرهابي على شمال سيناء – محافظة المنوفية، مصر, 2 يوليو 2015. Photo Corbis

لم يكن لأحد أن يقدم تصوراً دقيقاً لواقع العلاقات بين مصر وإسرائيل حالياً أكثر من الدكتور دوري غولد، الخبير في شؤون الشرق الأوسط ووكيل وزارة الخارجية الإسرائيلية. ففي خضم زيارة غولد للقاهرة أواخر يونيو الماضي، فوجئ من “مدى التطابق في وجهات النظر” بين الدولتين في كل ما يتعلق بالتحولات التي يشهدها الإقليم. وحسب ما نقله عنه موقع صحيفة “ميكور ريشون” الإسرائيلية، فأن غولد فوجئ بشكل خاص من استعداد الجانب المصري للتعاون مع إسرائيل في صياغة إستراتيجية مشتركة للتعاطي مع التحولات التي “تعصف” بالمنطقة. وحسب غولد، فأنه قد تقرر أن يتم تحديد موعد اجتماعات بين الجانبين لصياغة البنود الرئيسة لهذه الإستراتيجية.

ومن الواضح أن تحولاً غير مسبوق قد حصل على واقع العلاقات بين مصر وإسرائيل بعد عزل الرئيس محمد مرسي، الذي ينتمي لجماعة “الإخوان المسلمين”، في يونيو 2013 وصعود الجنرال عبد الفتاح السيسي للحكم في مصر بعد عامٍ من ذلك. ويمكن القول، أنّ مثل هذا التحول جدير بالملاحظة إذ أن مصر لم تقدم، خلال العقد الأخير على الأقل، على صياغة إستراتيجية مشتركة مع دول أخرى، وضمنها الدول العربية، لمواجهة تحديات مماثلة.

ويمكن القول أن العلاقات بين القاهرة وتل أبيب تمر حالياً في عصرها الذهبي، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار ما يقر به كبار المسؤولين الإسرائيليين أنفسهم. فخلال كلمته أمام “مؤتمر الأمن القومي”،الذي نظمه “مركز هرتسليا” في الفترة ما بين 7-9 يونيو، قال الجنرال عاموس جلعاد، مدير الدائرة السياسية والأمنية في وزارة الدفاع الإسرائيلية أن صعود السيسي للحكم مثل “معجزة أمنية” لإسرائيل. ونقل موقع مجلة Israel Defense بتاريخ 8 يونيو عن جلعاد، المسؤول عن إدارة ملف العلاقات مع القاهرة، قوله إن إسرائيل تجني عوائد إستراتيجية من الحرب التي يشنها السيسي على الحركات الجهادية داخل سيناء، ومن تعاونه في تجفيف مصادر التنظيمات الفلسطينية في قطاع غزة.

وحسب جلعاد، فإن أهم ما أقدم عليه السيسي، هو تدمير أنفاق التهريب التي تربط قطاع غزة وسيناء، مشيراً إلى أنه تم هدم 90% من الأنفاق، مما يعني تقليص قدرة التنظيمات الفلسطينية على الحصول على السلاح.

وتبدي إسرائيل اهتماماً كبيراً بمساعدة الحكومة المصرية في حربها على التنظيمات الجهادية في سيناء. وحسب ما يقوله روني دانئيل، المعلق العسكري لقناة التلفزة الإسرائيلية الثانية، وفي مقال نشر على الموقع الإلكتروني للقناة يوم 2 يوليو فإن إسرائيل ترى في الحرب التي يخوضها السيسي في سيناء حربها أيضاً. ونقل دانئيل عن مصادر عسكرية كبيرة قولها إن الاستخبارات الإسرائيلية تقدم معلومات استخبارية حول تحركات الجهاديين في سيناء للجيش المصري لمساعدته في شن الحرب عليهم. ويأتي الحرص الإسرائيلي على تقديم العون للقوات المصرية، لأن دوائر صنع القرار ومحافل التقدير الإستراتيجي في تل أبيب تنطلق من افتراض مفاده أن عناصر تنظيم “ولاية سيناء”، المرتبط بتنظيم “الدولة الإسلامية” سيتوجه لتنفيذ عمليات ضد إسرائيل في حال فشل الجيش المصري في القضاء عليهم. وقبل ذلك بيوم، نقل موقع صحيفة “يديعوت أحرنوت“، الصحيفة الاسرائيلية اليومية، عن محافل عسكرية إسرائيلية قولها إن أداء تنظيم “ولاية سيناء” العسكري، كما ظهر في سلسلة العمليات الأخيرة التي نفذت خلال شهر رمضان، تدلل على أن هذا التنظيم اكتسب خبرة كبيرة، وأصبح لديه القدرة على إدارة عمليات كبيرة في آن معاً. وتبدي إسرائيل بشكل خاص قلقاً إزاء إمكانية استهداف عناصر التنظيم مطار إيلات المجاور، والذي تقرر أن يتم نقله إلى مكان آخر، مع العلم أن المس بهذا المطار يعني عملياً توجيه ضربة قوية لقطاع السياحة الإسرائيلية.

لكن في المقابل، هناك ما يدلل على تعاظم خيبة الأمل الإسرائيلية من النتائج المتواضعة جداً التي يحرزها الجيش المصري في حربه على “ولاية سيناء”، لدرجة أن صحيفة “يسرائيل هيوم” المقربة من ديوان رئيس الوزراء الاسرائيلي، نتنياهو، قد دعت في 15 يوليو إلى أن تقود الولايات المتحدة تدخلاً عسكرياً دولياً لمساعدة القوات المصرية في الحرب على التنظيم. وقد اتهمت إسرائيل حركة “حماس” الحركة الإسلامية التي تحكم سيطرتها على قطاع غزة، بمساعدة “ولاية سيناء” عن طريق مده بالسلاح واستقبال عناصره المصابين في مستشفيات قطاع غزة. وفي 3 يونيو، نقل موقع “ميكور ريشون” عن وزير الاستخبارات الإسرائيلي يسرائيل كاتس قوله إن لدى إسرائيل معلومات تؤكد وجود تعاون بين حماس و” ولاية سيناء،” إلا أن حماس تنفي أي صلات لها بالتنظيم الجهادي.

ومن الواضح أن إسرائيل تستفيد من الصراع الدائر بين نظام الرئيس السيسي وجماعة “الإخوان المسلمين”. فنظراً لأن حركة “حماس” جزء لا يتجزأ من ” الإخوان المسلمين” فإن توتراً كبيراً طرأ على العلاقة بين مصر وحركة “حماس” بعد تولي السيسي مقاليد الأمور في القاهرة. وينقل الصحافي الإسرائيلي أمير تيفون عن مسؤولين إسرائيليين كبار قولهم إن تعاون حكومة السيسي مع إسرائيل خلال الحرب الأخيرة على قطاع غزة أسهم في حرمان حركة حماس من تحقيق أية انجازات. وفي تحقيق نشره موقع “وللا” الإخباري بتاريخ 9 مارس 2015، ينقل تيفون عن شخصيات سياسية تنتقد في الغالب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، اقرارها بأن تطوير العلاقات مع مصر يعد أهم انجاز حققه نتيناهو في فترة حكمه.

وفي تقرير نُشر في الأول من يوليو في صحيفة “هارتس” اليسارية، يرى عاموس هارئيل، معلق الشؤون العسكرية أن جنرالات مصر يرون في إسرائيل “شريكاً مهماً” في الحرب على الجماعات الإسلامية المتطرفة، مضيفاً قوله أن جنرالات القاهرة “يظهرون حماساً للتعاون مع إسرائيل، ولديهم مشاعر إيجابية تجاهها”.

لكن مظاهر الشراكة الإستراتيجية بين مصر وإسرائيل لا تقتصر على التعاون الأمني والعسكري، بل يتعداه لتعاون إقليمي شامل. فعلى سبيل المثال، قد بدى واضحاً أن هناك محور إقليمي يجمع كلاً من مصر وإسرائيل واليونان وقبرص، ويعمل بشكل خاص ضد تركيا. وقد نقل موقع “وللا” بتاريخ 30 أبريل 2015 عن محافل إسرائيلية رسمية قولها إن القاسم المشترك للدول الأربع هو العداء لتركيا، إلى جانب التعاون في مجال التنقيب عن حقول الغاز في البحر الأبيض المتوسط.

إن أكثر ما يدلل على التطور الذي وصلت اليه العلاقات بين الجانبين هو القرار الذي اتخذه الرئيس السيسي في أواخر يونيو بتعيين سفير جديد لمصر في تل أبيب، تحديداً في الوقت الذي توجه أوروبا الانتقادات لإسرائيل بسبب سياساتها الاستيطانية وعدم وفائها بمتطلبات تحقيق تسوية سياسية للصراع مع الشعب الفلسطيني سيما أنه تزامن مع تعاظم أنشطة حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS) لإجبار إسرائيل على إنهاء الاحتلال للأراضي الفلسطينية.

من هنا، لم يكن من المستهجن أن تبدي إسرائيل حرصاً على مساعدة نظام السيسي على الحصول على شرعية دولية. فقد كشفت وسائل الإعلام الأمريكية والإسرائيلية النقاب عن الضغوط الكبيرة التي مارستها إسرائيل واللوبي اليهودي على كل من الإدارة الأمريكية والكونغرس لعدم التعامل مع صعود السيسي للحكم على أنه جاء نتاج انقلاب عسكري. ولقد وصل الأمر إلى حد أن إسرائيل لعبت الدور الرئيس في اقناع مجلس الشيوخ بالتراجع عن معارضته تزويد مصر بمروحيات “الأباتشي” وذلك لتحسين قدرة الجيش المصري على مواجهة الجهاديين في سيناء. ومن الواضح أن إقدام إسرائيل على التدخل من أجل تمكين دول الخليج العربي من الحصول على السلاح الأمريكي سابقة في تاريخ المنطقة، تدلل على طابع التحولات التي أفضى إليها الربيع العربي في مصر.

user placeholder
written by
veronica
المزيد veronica articles