غرّد الرئيس الأمريكي، دونالد ترمب، في 13 يونيو 2018 عبر منشورٍ على تويتر بقوله: “أسعار النفط مرتفعة للغاية. أوبك تعيد الكرة مجدداً. هذا ليس جيداً!”. وفي 22 يونيو، غرّد مجدداً “آمل بأن تزيد أوبك الإنتاج بشكلٍ كبير… نحتاج إلى إبقاء الأسعار منخفضة!”. وفي 30 يونيو، أعلن ترمب أنه طلب من الملك سلمان، ملك المملكة العربية السعودية، “بأن تزيد السعودية إنتاج النفط، ربما حتى مليوني برميل لتعويض [النفط من إيران وفنزويلا]…” واختتم تغريدته بـ”وقد وافق!”. ولكن عاد بعد أيامٍ ونشر تغريدةً أخرى ” إن احتكار أوبك يجعل أسعار النفط مرتفعة، وأنهم لا يفعلون شيئاً تجاه ذلك… خفضوا الأسعار الآن!”. بعبارةٍ أخرى، في حين أن إيران- التي يُعتقد أنها موطن استهداف سياسة ترمب- أحد الأعضاء في منظمة أوبك، تتوقع واشنطن أن تستجيب أوبك لمطالبها.
وفي حين جادل البعض أن تغريدات ترمب ساهمت في رفع أسعار النفط بشكلٍ أكبر، إلا أنه من الواضح أن ترمب يتوقع العكس من أوبك. وبينما عانى منتجو النفط من نكساتٍ كبيرة فيما يتعلق بعائدات النفط في السنوات الأخيرة، فإن سياسة ترمب تجاه إيران– التي يبدو أنها المحرك الأساسي لإدراته – وضعت أسعار النفط في اتجاه تصاعدي مستمر. فقد أصبحت علاقة ترمب تجاه إيران والسياسات النفطية واضحةً قولاً وفعلاً. وفي محاولةٍ لإغلاق جميع مداخل ومخارج الإقتصاد الإيراني، لتجد البلاد نفسها أمام خيارٍ وحيد يتمثل بالدعوة إلى إبرام إتفاقٍ نووي جديد (وهي خطوة من شأنها أن “تثبت” مرةً أخرى “فن الصفقة” الذي يشتهر به ترمب)، يضغط الرئيس الأمريكي على حلفاء الولايات المتحدة وشركائها لوقف جميع الواردات النفطية من إيران بحلول 4 نوفمبر 2018. كما تشجع واشنطن شركائها في إنتاج النفط، بمن فيهم السعودية، على زيادة الإنتاج لاستيعاب صدمة نقص إنتاج النفط الإيراني.
وعند الإعلان عن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني أو خطة العمل الشاملة المشتركة في مايو الماضي، قال الرئيس ترمب إنه سينتظر عودة إيران إلى طاولة المفاوضات للتوصل إلى صفقةٍ أكثر شمولاً. وكرر التعبير عن رغبته هذه في قمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) التي عُقدت مؤخراً. وفي ظل افتقارها للثقة بإدارةٍ تتنكر لإتفاقٍ دولي، ردت إيران بالتعبير عن عدم رغبتها مناقشة مطالب واشنطن، وذلك على لسان كلٍ من المرشد الأعلى خامنئي والرئيس روحاني. ومع توقع مثل هذه النتيجة، أعادت واشنطن فرض عقوباتٍ ترتبط بالملف النووي من جهة، وبدأت بفرض عقوباتٍ جديدة بوتيرةٍ أسرع من جهةٍ أخرى. يتمثل الهدف الواضح لإتخاذ مثل هذه الإجراءات بإجبار إيران على اللجوء إلى مجموعةٍ جديدة من الترتيبات، إلا أن هناك بعض الأصوات في إيران التي تجادل بأن الولايات المتحدة تهدف إلى جر طهران إلى مسارٍ يمهد الطريق إلى تغيير النظام في إيران، الأمر الذي سيؤثر إلى حدٍ كبير على الديناميكيات السياسية للمنطقة.
ومع تنامي الضغوطات في خضم العقوبات، سواء كان ذلك مادياً أم معنوياً- اعتبرت طهران سياسية الولايات المتحدة الجديدة حرباً تجارية. فقد قال المرشد الأعلى إن “غرفة العمليات موجودة الآن في وزارة الخزانة الأمريكية” وأن إيران “ستكون على أتم الاستعداد للحرب.” وفي إشارةٍ أخرى إلى نهج طهران الحذر، تم تسريب تشكيل “غرفة حرب اقتصادية” تحت قيادة المرشد الأعلى نفسه. وفي حين أن اتخاذ مثل هذه التدابير قد يُنظر إليها باعتبارها خطواتٍ متوقعة من قبل نظامٍ يرزح تحت ضغطٍ متنامي، إلا أنها لم تثبت فعاليتها بعد.
وفي حين يجادل البعض في طهران أن الولايات المتحدة الأمريكية تلوح بشن حرب عملات، تماماً كالحرب التي شنتها في عام 2012 أثناء العقوبات التي فرضتها الدول بقيادة الولايات المتحدة ضد إيران، فقد الريال الإيراني نصف قيمته في النصف الأول من عام 2018- إذ انخفض من حوالي 4000 ريال إلى 8000 ريال مقابل الدولار الأمريكي الواحد. وعلى الرغم من أن الرئيس روحاني خسر الكثير من شعبيته الجماهيرية، إلا أن انخفاض العملة ضاعف عائدات إدارته من تصدير النفط والبتروكيماويات- مما منحه القدرة على المناورة اقتصادياً على المدى القصير. ومع ذلك، يبقى السؤال الرئيسي المطروح ما إذا كان بمقدور إدارة روحاني تجنب الغرق على المدى الطويل، في مواجهة الضغوطات المتصاعدة وتجدد العقوبات الأمريكية.
وبما أن الحصة الرئيسية من ميزانية إيران تأتي من صادرات النفط والبتروكيماويات، يمكن أن يدمر إيقاف تلك الصادرات اقتصادها وقدرتها على توفير الخدمات، وبالتالي، يمكن أن يشكل تهديداً لاستقرار البلاد بل وحتى على بقائها. ولكن هل ستتمكن الولايات المتحدة من وقف صادرات النفط الإيرانية وما هي الخيارات المطروحة أمام إيران لمواجهة مثل هذا التهديد؟ فعلى الرغم من وجود شكوك جدية تحيط بقدرة واشنطن على وقف صادرات إيران، إلا أن طهران لا يمكنها تجاهل مثل هذا التهديد. ومن الواضح أن الولايات المتحدة قادرة على الضغط على صناعة النفط الإيرانية وإجبار الشركات الضخمة في هذا المجال على الخروج من البلاد – فعلى سبيل المثال تستعد شركة توتال بالفعل للانسحاب. وبينما تستطيع واشنطن تسريع جهودها الدبلوماسية مع الحلفاء والشركاء، فإن البعض يعارض بشدة السياسة الجديدة تجاه إيران، كما أن على الولايات المتحدة أن تنفذ نواياها في مجتمعٍ دولي معارض ومتردد.
ولذلك، سيكون على واشنطن إجبار هؤلاء الحلفاء المعارضين على مواجهة إيران. ففي ذروة العقوبات التي قادتها الولايات المتحدة على إيران وفي السنوات التي سبقت التوصل إلى خطة العمل الشاملة المشتركة في عام 2015، كان الاتحاد الأوروبي الجهة الوحيدة التي توقفت عن شراء النفط الإيراني. فقد واصل مشترون آخرون (الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية وتركيا)، شراء النفط الإيراني، وإن كان ذلك بمستوياتٍ منخفضة. ففي مايو الماضي، استأثرت الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية بنحو 65% من الـ2,7 مليون برميل التي صدرتها إيران في ذلك الشهر. وهذه المرة، يعدّ الإتحاد الأوروبي اليوم، بعيداً عن تناغمه مع عقوبات الولايات المتحدة المعطِلة، الطرف الذي يحاول منح إيران مخرجاً للحفاظ على التزامها بخطة العمل الشاملة المشتركة. ووفقاً للتقارير، اقترح الاتحاد الأوروبي ضمان تصدير إيران لما لا يقل عن مليون برميل في اليوم. وبالتالي، لم يعد هناك وجودٌ للإرادة السياسية التي كانت تربط يوماً ما الاتحاد الأوروبي بسياسة الولايات المتحدة تجاه إيران. وإلى جانب التغيير الحاصل في سياسة الإتحاد الأوروبي، من المتوقع أن تكون روسيا والصين أكثر تحفظاً في الالتزام بمطالب الولايات المتحدة.
كما أن هناك شكوكاً جدية على المستوى العملي أيضاً. فدون النفط الإيراني، من المتوقع حدوث صدماتٍ في سوق النفط. وعلى الرغم من أن ترمب يعوّل على الدعم السعودي للحفاظ على انخفاض أسعار النفط، أبدى العديد من الخبراء شكوكهم حول هذا السيناريو. ومن المستبعد أن يتمكن المستوردون مثل تركيا أو كوريا الجنوبية أو الهند وقف جميع وارداتهم من النفط الإيراني بحلول نوفمبر. ويعدّ أحدث اجتماعٍ لمنظمة أوبك، والذي انتقده ترمب عبر تغريداته، مؤشراً في هذا الصدد. وعلى الرغم من أن الرياض زادت من صادراتها النفطية بمقدار نصف مليون برميل في اليوم في يونيو 2018، إلا أن الأسعار العالمية لم تنخفض بشكلٍ كبير – كما يرغب السيد ترمب. لذلك، حتى مع زيادة الإنتاج السعودي، لم يطرأ تغييرٌ يذكر تقريباً على صادرات النفط الإيرانية. وفي ظل هذه البيئة، يمكن أن تسفر إعاقة شحنات النفط الإيرانية عن صدماتٍ هائلة في السوق العالمية. ففي 10 يوليو، قال وزير النفط الإيراني، إلى جانب إلقاء اللوم على ترمب في ارتفاع الأسعار، إن صادرات النفط الإيرانية لم تتأثر سلباً. بعبارةٍ أخرى، لم تحقق حتى الآن سياسة ترمب النتائج المرجوة لواشنطن، بيد أنها أدت إلى زيادة عدم اليقين في السوق العالمية. ويعود السبب في ذلك، إلى جانب إمكانات السعودية المحدودة، إلى تزايد الطلب العالمي على النفط. وتوقعت منظمة أوبك أن يتجاوز الطلب العالمي على النفط 100 مليون برميل يومياً لأول مرة في عام 2019. وبشكلٍ عام، سيؤدي إبعاد إيران عن سوق النفط إلى إشكالية فضلاً عن كونها عمليةً طويلة – إن أمكن تطبيقها بالمجمل.
وعلى الرغم من عدم توفر الإرادة السياسية والوسائل العملية لدعم سياسة ترمب تجاه إيران، إلا أن المسؤولين الإيرانيين انتقلوا إلى التهديدات المضادة لسياسة الولايات المتحدة. فعلى سبيل المثال، قال الرئيس روحاني إن “الولايات المتحدة لن تكون قادرة أبداً على خفض عائدات النفط الإيرانية،” وأنه “لا معنى لمنع تصدير النفط الإيراني، بينما يتم تصدير نفط المنطقة.” وبصورةٍ أكثر وضوحاً، هدد بـ”إيقاف صادرات النفط [الإيرانية]، لنرى النتائج،” وهو تهديدٌ أشاد به قاسم سليماني في دعمٍ علني نادر لروحاني من قبل قائدٍ في الحرس الثوري الإيراني. وفي وقتٍ لاحق، قال قائد الحرس الثوري الإيراني، اللواء جعفري، إن إيران ستجعل “العدو يدرك أنه إما أن يستخدم الجميع مضيق هرمز، أو لا أحد.”
في حين أن إدارة ترمب لم تمضي قدماً بسياستها بعد، يبدو أن طهران أكثر اتحاداً في مواجهة التهديد الأمريكي. وعلى هذا النحو، كان هناك أربعة مؤشرات للتصعيد في الأشهر الأخيرة: أولاً، انسحاب ترمب من خطة العمل الشاملة المشتركة وإعادة فرض العقوبات على إيران، وثانياً، عدم رغبة طهران إعادة التفاوض على اتفاقٍ مع الطرف الذي أخل بشروط الإتفاق، وثالثاً، الضغط المتزايد والعقوبات على طهران، ورابعاُ، خيارات إيران الإنتحارية التي تتجلى بالتهديدات المذكورة آنفاً. ويبقى أن نرى إذا ما كان بمقدور الإتحاد الأوروبي وقف هذه الكارثة.