للسلفية وجودٌ واضحٌ في الجزائر، إذ أن طريقة اللباس، والتعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي والصور والفيديوهات، وردود الفعل على بعض الأحداث الثقافية، والكُتيبات والأقراص المدمجة التي تباع في المساجد، مجرد أمثلة قليلة على وجود السلفية في البلاد. وعلاوة على ذلك، طوال عام 2015، كان هناك احتجاجات على قوانين تتعلق بالعنف المنزلي وتحرير بيع الكحول، واستبدال اللغة الفصحى بالمدارس باللغة العامية الجزائرية المعروفة باسم “الدارجة” في محاولةٍ للتأثير على السياسات.
يعتبر تأثير وسائل الإعلام في نشر السلفية في الجزائر غاية في الأهمية. وحتى بالنسبة لأولئك الذين لا يمتلكون الوصول إلى الانترنت، تمتلك الأسر الجزائرية الأكثر فقراً أجهزة تلفزيون رقمية توفر لهم خيارات واسعة من القنوات الإسلامية. يعظ هؤلاء المذيعين جميع أنواع الأفكار ويصدرون الفتاوى، وغالباً ما يقومون بانتقاء واختيار تلك التي تخدم أجندتهم أو مصالحهم على أفضل وجه. إنّ الاعتماد على وسائل الإعلام وحدها، دون التعليم ومحو الأمية المناسب في هذا الشأن، ترك العديد من الناس عُرضة لأئمة ومفتون مضللون.
ووفقاً لدراسة أجرتها الشرطة عام 2011، تتبع 5% من مساجد العاصمة الجزائر نهج الإخوان المسلمين، في حين أن 10% لا يملكون أي توجه واضح، كما أن 20% يمثلون السلفية الأصولية، و20% يتبعون التيار المالكي الجديد، و45% يتبعون التيار المالكي التقليدي. ومع ذلك، يعتقد المراقبون المستقلون أن السلفية تُسيطر على عدد أكبر بكثير من مساجد العاصمة الجزائر وحثوا الوزارة على توسيع استقصاء الأمر ليشمل باقي البلاد، وبخاصة في البليدة وبومرداس ووهران وقسنطينة والوادي، حيث يُعتقد أن للسلفية تأثير خاص.
تسود ثلاثة أنواع من السلفية في الجزائر: السياسية، والجهادية، والأصولية.
السلفية السياسية والجهادية
ترفض كل من السلفية السياسية والجهادية النظام الجزائري وتسعى للإطاحة به، من خلال السياسة والعنف، على التوالي. سادت هذه المجموعات خلال التسعينيات، إلا أنها فقدت أهميتها في الوقت الراهن. كلّفت الحرب الأهلية بين السلفيين الجهاديين وقوات الأمن الجزائرية أرواح 200,000 جزائري، وتسببت في أضرار اجتماعية-اقتصادية حادة. ولا يمكن للمرء تجاهل أثر الحرب الأهلية على معظم الجزائريين اليوم، الذين يجدون صعوبة في توفيق أنفسهم مع السلفية السياسية والجهادية. وفي أغسطس 2015، تسبب إعلان مدني مزراق، الزعيم السابق للجيش الإسلامي للإنقاذ (الجناح العسكري للجبهة الإسلامية للإنقاذ المنحل)، نيته تشكيل حزب سياسي، جدلاً واسعاً وتنصلاً من قِبل كل من الجهات الحكومية وغير الحكومية. ولا تدعم كل من القوانين الجزائرية، والجمهور على حد سواء، السلفية السياسية اليوم. حتى أن الأحزاب السياسية الإسلامية غير السلفية مثل حركة مجتمع السلم (الفرع الجزائري لجماعة الإخوان المسلمين)، يبدو أنها تخلت عن حلمها بإقامة دولة إسلامية في الجزائر.
أما بالنسبة للسفلية الجهادية، فإنّ الصورة مغايرة قليلاً. فعلى الرغم من أن الجزائر موطناً لعدد من المنظمات السلفية الجهادية، بما في ذلك تنظيم القاعدة في المغرب، وجند الخلافة في الجزائر التابع لتنظيم الدولة الإسلامية، إلا أنّ الأنشطة الإرهابية انخفضت بشكلٍ كبير، وبخاصة بالنظر إلى عدم الاستقرار في المنطقة المحيطة بليبيا ومالي على وجه الخصوص. وفي عام 2014، قتل الجيش الجزائري أكثر من 100 من المتمردين المسلحين الإسلاميين. وفي مايو 2015، قال وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة إن “ما تبقى من خلايا الإرهاب في الجزائر قليل.” واليوم، ينتشر أكثر من 150,000 جندي لحراسة 6,500 كيلومتر على طول الحدود الشرقية والجنوبية. ووفقاً لوزير الشؤون الدينية، انضم 63 جزائري للدولة الإسلامية في سوريا والعراق، وهذا الرقم أقل نصيب للفرد في العالم العربي.
السلفية الأصولية
ومع تراجع السلفية الجهادية والسياسية، ازدهرت في الجزائر حركة سلفية جديدة- السلفية الأصولية والتي تُسمى “السلفية العلمية.” وخلافاً للنوعين الآخرين، لا تعارض هذه الحركة الحكومة ولا تعظ علناً لإقامة دولة إسلامية. ومع ذلك، تعظ بشكل متطرف من الإسلام الذي يؤمن بإتباع صارم لطريقة حياة النبي والصحابة. ومقارنةً بالمدرسة التقليدية السائدة في الجزائر (وباقي دول المغرب العربي)، التي تتبع الإمام مالك بن أنس (المسمى بالمذهب المالكي)، تتبع السلفية الإمام بن تيمية وتلميذه ابن القيم الجوزية في الشؤون الدينية. وفي الجزائر، يمكن تتبع هذه الحركة إلى الشيخ عبد الحميد بن باديس، الذي يعتبر رمزاً للعِلم في الجزائر ورائداً في المقاومة غير العنيفة للاستعمار الفرنسي. أسس بن باديس جمعية العلماء المسلمين عام 1931، إلى جانب العديد من العلماء الجزائريين الذين روجوا للإصلاح السلفي في الجزائر. أما السلفية الأصولية، كما بتنا نعرفها الآن، تختلف عن تلك التي روّج لها بن باديس.
واليوم، هناك اختلافات في السلفية الأصولية، مما يجعل من الصعب دراستها ككل. في الواقع، يتتبع العديد ظهور السلفية الأصولية لأول غزو أمريكي للعراق عام 1990-1991، عندما أصدر مجموعة من رجال الدين السعوديين فتاوى تدعم التعاون مع الجيش الأمريكي واستخدام الأراضي الكويتية لتسهيل الغزو. وقد تأثر بعض رجال الدين الجزائريين الذين سافروا إلى السعودية لدراسة الشريعة الإسلامية في الثمانينيات بهذه المدرسة وساعدوا في تصديرها إلى الجزائر. وبالتالي، خدمهم التوقيت آنذاك على أكمل وجه، فمع مكافحة النظام الجزائري لاجتثاث الجبهة الإسلامية للإنقاذ والتجنيد من قِبل الجماعات المسلحة في التسعينيات، وفرت السلفية الأصولية بديلاً للشباب الجزائري الذين لم تجذبهم الحركات الأخرى. وكان لعبد الملك رمضاني تأثير خاص بنشر الحركة في الجزائر، ولكن يعتقد العديد أن النظام، الذي “استغل” السفلية الأصولية لتحقيق مآربه، ساعد في انتشارها.
ينظر الجزائريون غير السلفيين للسلفيين الأصوليين بطرق مختلفة إلى حد كبير. البعض يعتبرهم من الأخوة المسلمين الذين اختاروا اتباع نمط حياة أكثر صرامة، في حين ينظر إليهم البعض الآخر باعتبارهم تهديداً للهوية الجزائرية ولا يقلّون خطورة عن السلفيين العنيفين. وعلاوة على ذلك، تتطلع شريحة كبيرة من الشباب الجزائري لاتباعهم دون الإلتزام بالضرورة بطريقة تفكيرهم بشكلٍ كامل.
وفي يونيو 2015، قام محمد عيسى، وزير الشؤون الدينية والأوقاف الجديد، بالتحقيق بالإنتماءات الدينية للمساجد في العاصمة الجزائر، حيث كشف أن 55 من الأئمة المتطوعين من السفليين الجهاديين، وبالتالي، سرعان ما تم منعهم من المساجد. كما تعمل الوزارة أيضاً بشكلٍ وثيق مع وسائل الإعلام الجزائرية لمراقبة وصول الدعاة السلفيين للجمهور. وفي محاولة “لمراقبة” ما وصف بـ”المد المتصاعد” للسلفية في الجزائر، عيّنت الحكومة مفتيين مالكيين في كل محافظة من محافظات الجزائر.