لا تزال الأزمة التي اندلعت بعد قطع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر والبحرين علاقاتها الدبلوماسية مع قطر، مسألة لم يتم البت في يوليو- تموز 2017، بالرغم من جهود الوساطة التي تبذلها دولٌ مثل الكويت وتركيا.
بدأت الخصومة بعد أنّ نقلت قناة الجزيرة الفضائية القطرية عن العاهل القطري، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، كشفه عن “توتر” علاقات الدوحة مع إدارة ترامب، كما أضاف أنّ العلاقات مع اسرائيل “جيدة” واعترف بإيران باعتبارها “قوةً إسلامية،” إذ تتعارض هذه التصريحات مع وجهات النظر السائدة في الخليج.
خرجت قطر لتفند هذه التصريحات وذكرت أنها ملفقة ونشرها قراصنة، إلا أنها لم تتمكن من تحديد مصدر اختراق وكالتها. وقد صرح مسؤولون أمريكيون ان الإمارات دبرت الإختراق، الامر الذي نفته الامارات. كما لم توقف القصة الملفقة المزعومة كلاً من السعودية والإمارات من الرد عبر وسائل إعلامهم الخاصة؛ وفيما اعتبر سابقةً في تاريخ الجيران في الخليج العربي، انتقدوا بشدة آل ثاني واتهموا قطر بدعم الجماعات المتطرفة في أرجاء الشرق الأوسط.
وفي نفس اليوم، حظرت الدولتان الدخول إلى المواقع الإلكترونية لقناة الجزيرة، وصحيفة الوطن السياسية، وصحيفة الراية شبه الرسمية، وصحيفة الشرق اليومية الموالية للحكومة، وموقع Middle East Eye الذي يتخذ من العاصمة لندن مقراً له.
وبعد يوم، حظرت مصر والبحرين أيضاً الدخول إلى المواقع الالكترونية التي تديرها الجزيرة. وبالإضافة إلى ذلك، حظرت مصر مواقع إلكترونية أخرى بما فيها مدى مصر، وهو موقع إخباري يحظى بشعبية ويُعرف بتقاريره الاستقصائية عن الحكومة المصرية، مستشهدةً بـ”دعم الإرهاب،” و”نشر أخبارٍ كاذبة،” كأسباب لاتخاذ مثل هذه الخطوة.
وعلى الرغم من تحلي مصر ظاهرياً بالأرضية الأخلاقية العالية، إلا أن سجل البلاد في مجال حرية الصحافة مريع. وعليه، تصنفها لجنة حماية الصحفيين (CPJ) باعتبارها واحدة من أخطر البلدان في العالم على الصحفيين. ففي عام 2016 وحده، سجنت مصر أكثر من 25 صحفياً، بمن فيهم الصحفي في قناة الجزيرة، محمود حسين، الذي لا يزال ينتظر محاكمته بتهمة نشر أخبارٍ كاذبة.
وعلاوة على ذلك، ووفقاً لمؤشر حرية الصحافة العالمي لعام 2017، والذي نشرته منظمة مراسلون بلا حدود، تحتل المملكة العربية السعودية المرتبة 168 من بين 180 دولة، بينما تحتل البحرين المرتبة 164 والإمارات العربية المتحدة المرتبة 119 (في حين تحتل قطر المرتبة 123).
بعبارةٍ أخرى، ليس غريباً على هذه البلدان قمع حرية التعبير وحرية الإعلام. وعلى الرغم من أنّ ذريعة آخر حملةٍ لفرض النظام كانت الرغبة في الحدّ من تمويل الجماعات المتطرفة وإنتشار الفكر الإسلامي المتطرف، إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا طالب التكتل بقيادة السعودية إغلاق قناة الجزيرة باعتباره أحد الشروط الرئيسية لإعادة العلاقات الدبلوماسية مع قطر؟
في مقالٍ نُشر في 5 يونيو في صحيفة نيوزويك، توقع سلطان سعود القاسمي، وهو معلقٌ إماراتي بارز مختص بالشؤون العربية وأحد أفراد الأسرة المالكة، أن تطالب دول الخليج بـ”إغلاق قناة الجزيرة التلفزيونية بالكامل قبل أن تتم أي وساطة.” ومع ذلك، لربما كان “توقعه” بمثابة إيصال رسالةٍ إلى قطر.
كما قالت نهى ميلر، استاذة الاعلام فى جامعة بيدفوردشير البريطانية لصحيفة واشنطن بوست، أنها تعتقد أن قطر ستضطر لايجاد حلٍ وسط وربما تتم التضحية بقناة الجزيرة. وأضافت “أو لربما سيضطرون إلى التخفيف من حدة الانتقادات،” وذلك بشكلٍ أساسي من خلال تقليص التغطية حول المملكة العربية السعودية، الأمر الذي قامت به الشبكة مسبقاً لاسترضاء المملكة.
وعلى الرغم من أن العديد من الدول العربية سعت من قبل إلى إغلاق القناة منذ تأسيسها في عام 1996، إلا أن تغطيتها خلال وبعد ثورات الربيع العربي عام 2011 – والتي أشاد بها المشاهدون في جميع أنحاء العالم – جعلتها مكروهةً على وجه الخصوص في أروقة مؤسسات الدولة.
وقالت نهى أبو الدهب، وهي زميلة زائرة في مركز بروكنجز الدوحة لصحيفة واشنطن بوست، أن ضعف القناة الحالي ينبع من كون الأنظمة الاستبدادية في المنطقة لا تزال تعتبرها تهديداً بسبب استخدامها كمنصة لقادة المعارضة والناشطين.
وعلى الرغم من أن قطر نفسها ليست ديمقراطية ونادراً ما تقدم قناة الجزيرة تقارير سلبية عن البلاد، إلا أنها تواجدت بقوة في تقاريرها عن المنطقة وخارجها، حيث عمدت إلى تغطية الموضوعات التي غالباً ما تتجاهلها وسائل الإعلام الأخرى.
وعلاوةً على ذلك، وبالرغم من امتلاك الجزيرة لأجندتها السياسية الخاصة، إلا أن صداها يتردد بين جيلٍ ولد في ظل حكم الديكتاتورية إلا أنه تربى في عصر الإنترنت. فعلى سبيل المثال، عندما خرج الشباب إلى الشوارع في تونس وليبيا ومصر وسوريا واليمن والبحرين لتحويل أحلام الديمقراطية والحرية إلى حقيقة واقعة، تقاطعت غريزة الدوحة بتحدي الوضع القائم من خلال سلاح القوة الناعمة المؤثر- الجزيرة – مع تطلعات هؤلاء الشباب.
فعلى سبيل المثال، أدى دعم الدوحة لجماعة الإخوان المسلمين، أحد المستفيدين الرئيسيين في الأيام الأولى من الربيع العربي، إلى غضب دول الحصار على قطر، وأجبرتها على التدخل، حيث قامت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بتمويل الانقلاب العسكري في عام 2013 في مصر، والذي أطاح برئيس الإخوان المسلمين محمد مرسي ودعمت نظام عبد الفتاح السيسي منذ ذلك الحين. كما قاموا بتمويل وتسليح الجنرال خليفة حفتر في ليبيا وشنوا حرباً مفتوحة على قوى الربيع العربي.
وفي يوليو- تموز، أعلنت عدة دول خليجية معاقبة الخطاب “المؤيد لقطر” بموجب قوانين الجرائم الإلكترونية، وهي وسيلة من وسائل القمع المفضلة في المنطقة. فعلى سبيل المثال، حذرت دولة الإمارات العربية المتحدة من أن أي مواطن يعبر عن تعاطفه أو دعمه لقطر على وسائل التواصل الاجتماعي قد يواجه غرامات باهظة أو السجن لمدة تصل إلى 15 عاماً. كما حذت البحرين حذوها، فأعلنت عقوباتٍ بالسجن تصل إلى خمس سنوات.
تُشكل هذه القيود سابقةً خطيرة في بيئية تمتاز بالفعل بتقييدها لحرية التعبير. وبغض النظر عن سياسات الدوحة، تبقى الجزيرة رائدةً في المجال الإعلامي، وتقدم تغطيةً إخبارية للملايين من الناس داخل وخارج الخليج. وعليه، لن يؤدي المزيد من قمع جيران قطر، الأغنياء بالنفط، سوى إلى تعقيد الأمور أكثر فأكثر مع استمرار الأزمة.