وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

القانون العراقيّ المعارض لمجتمع الميم عين: واقع ظالم جديد

جاء القانون العراقيّ المعارض لمجتمع الميم عين بمثابة صدمة لبعض أفراد المجتمع، الذين يواجهون الآن عداءً متزايدًا ومخاطر بسبب ميولهم الجنسية.

القانون المعارض لمجتمع الميم
أنصار التيار الصدري في العراق يحرقون علم قوس قزح أمام السفارة السويدية في بغداد. أحمد الربيعي / وكالة الصحافة الفرنسية

دانا حوراني

سنّت الحكومة العراقيّة مؤخّرًا قانونًا يجرّم العلاقات بين شخصين من الجنس عينه، فارضة عقوبة سجن مدّتها القصوى 15 عامًا.

يهدف هذا القانون، الّذي أُقِرّ في نيسان، إلى “حماية المجتمع العراقيّ من الإنحطاط الأخلاقيّ ودعوات المثليّة الجنسيّة الّتي انتشرت في العالم” ، كما ورد في نسخة حصلت عليها وكالة رويترز. فيما يقدّم المسؤولون العراقيّون حجّة أنّ هذا القانون يحمي القيم الدّينيّة، أدانه مناصروا حقوق الإنسان على أنّه اعتداء إضافيّ على مجتمع الميم عين في العراق.

عبّر ماثيو ميلر، المتحدّث باسم وزارة الخارجيّة الأميركيّة عن قلقه حيال هذا القانون، قائلًا إنّه “يهدّد من هم في خطر أكبر في المجتمع العراقيّ” و”يمكن استخدامه لكبح حرّيّة التّعبير”.

كما أنّه نبّه إلى إمكانيّة ردع هذا القانون الإستثمارات الأجنبيّة، مشيرًا إلى أنّ “تحالف الأعمال التّجاريّة الدّوليّة أشار بالفعل إلى أنّ مثل هذا التّمييز في العراق سيؤذي الأعمال التّجاريّة والنّموّ الاقتصاديّ في البلاد.”

ووصف وزير الخارجيّة البريطانيّ ديفيد كاميرون القانون بأنّه “خطير ومقلق”.

على الرّغم من أنّ المثليّة الجنسيّة أمر محرّم في المجتمع العراقيّ المحافظ، وقد نظّمَ القادة السّياسيّون حملات دوريّة لمكافحة مجتمع الميم عين، خلا القانون العراقيّ سابقًا ممّا يجرّم بوضوح العلاقات بين شخصين من الجنس عينه.

ومن المتوقّع أن تشجّع صياغة القانون التّعميميّة وعقوباته المشدّدة، على المزيد من التّمييز والعنف ضدّ أفراد مجتمع الميم عين.

أمّا المتحوّلون جنسيًّا بشكل خاصّ، فيواجهون خطورة أكبر، بحسب الخبراء. وفي مجتمع غالبًا ما يوسم فيه وجودهم بالعار، يمكن لهذا القانون الجديد أن يؤدّي إلى تزايد الاضطهاد، والمضايقة، والاعتداءات الجسديّة.

كما ينبّه مناصرو حقوق الإنسان إلى أنّ هذا القانون قد يجبر أفراد مجتمع الميم عين في العراق على الاختباء أكثر، وبالتّالي خسارة قدرتهم على العيش بحرّيّة، ما يدفعهم في النهاية إلى الهرب.

كابوس متجدّد

يفرض القانون العراقيّ الجديد عقوبات تتراوح بين 10 و15 عامًا للعلاقات بين شخصين من الجنس عينه وسنة إلى ثلاث سنوات للأفراد الّذين يجرون عمليّات جراحيّة بهدف التّحوّل الجنسيّ أو يشاركون في “ممارسات متعمّدة للتّخنّث”. وتواجه المؤسّسات المروّجة “للانحراف الجنسيّ” الآن 7 سنوات من السّجن على الأقلّ وغرامة لا تقلّ عن 10 مليون دينار (حوالى 7600$).

يتضمّن القانون الّذي سنّته أغلبيّة حاضرة من صانعي القانون، أي 170 فردًا من مجمل 329، تدابير احتياطيّة تتعلّق بـ”التّرويج للمثليّة الجنسيّة” الّتي يُعاقَب عليها الآن بما يصل إلى 7 سنوات من السّجن.

يتطرّق أيضًا إلى “تّغيير الجنس بيولوجيًا بناءً على الرّغبة والميل الشّخصيّ”، ويعاقب الأشخاص المتحوّلين جنسيًّا والأطبّاء المعنيّين بجراحة تغيير الجنس بما يصل إلى 3 سنوات من السّجن، إلّا في حال “علاج العيوب الخلقيّة لتأكيد جنس الفرد” بموجب أمر قضائيّ.

في الأصل، سعى رعد المالكي، واضع القانون المستقلّ، الّذي قدّم مشروع القانون في آب 2023، إلى فرض عقوبات أقسى تضمّ السّجن المؤبّد والإعدام للعلاقات المثليّة. لكنّ القانون المعتمد يضمّ عقوبات مخفّضة.

يحتجّ المسؤولون العراقيّون بأنّ القانون يحمي القيم الاجتماعيّة ولقد رفضوا الانتقاضات على أنّها تدخّلات من الغرب. ووصف رئيس مجلس النّوّاب بالإنابة محسن المندلاوي التّصويت بأنّه “خطوة ضروريّة لحماية البنية القيميّة للمجتمع” وحماية الأطفال من “دعوات الانحطاط الأخلاقيّ والشّذوذ الجنسيّ”.

قال المندلاوي إنّ هذا القانون يهدف إلى “حماية النّسيج الأخلاقيّ” الخاصّ بالمجتمع العراقيّ معلنًا أنّه “لا مكان للمثليّة الجنسيّة في عراق الأنبياء والأئمّة الطّاهرين والأولياء الصّالحين”.

ومنذ إقرار القانون، بلّغ أفراد مجتمع الميم عين في العراق عن مواجهتم جرائم متعدّدة بسبب توجّههم الجنسيّ، فمثلًا توفّيت امرأة من مدينة الدّيوانيّة العراقيّة بعد أن سمّم لها أفراد عائلتها لاكتشافهم أنّها مثليّة جنسيًّا.

دفعت العدائيّة المتزايدة الكثير من أفراد مجتمع الميم عين إلى البحث عن طرق لمغادرة البلاد، سواء أكانت قانونيّة أم غير قانونيّة.

وعلى الرّغم من تفشّي رهاب المثليّة في العراق ومنطقة الشّرق الأوسط وشمال إفريقيا، شكّل القانون صدمة لبعض أفراد مجتمع الميم عين. فلقد أصبحوا الآن مجبرين على العيش في خوف دائم، وإخفاء هويّتهم الحقيقيّة، ومراقبة متابعيهم وتفاعلاتهم مع الأشخاص عبر الإنترنت. إذ لا يجب أن يُعرف بتتبّعهم الكويريّين على وسائل التّواصل الاجتماعيّ، ويجب ألّا يلمّح أيّ منشور إلى توجّههم الجنسيّ.

تاريخ من العنف والكراهية

تتّسم العراق بتاريخ من العنف ضدّ أفراد مجتمع الميم عين. وبحسب تقرير هيومن رايتس ووتش عام 2022، عُرفت جماعات مسلّحة، بخاصّة ضمن قوّات الحشد الشّعبيّ والشّرطة، باختطاف أفراد من مجتمع الميم عين واغتصابهم وتعذيبهم وقتلهم، ثمّ الإفلات من دون عقاب.

وعلى الرّغم من أنّ قوّات الحشد الشّعبيّ تخضع اسميًّا لسلطة رئيس الوزراء، فقد تورّطت بمحاولات متعدّدة لاغتيال أفراد من مجتمع الميم عين. ولقد وثّقت هيومن رايتس ووتش أيضًا حالات خطف، وإعدام خارج عن القانون، وعنف جنسيّ، واستهدافات عبر الإنترنت ارتكبتها القوّات المسلّحة والشّرطة.

أمّا الحكومة العراقيّة المسؤولة عن حماية حقّ مجتمع الميم عين بالعيش والأمان، فلم تتّخذ أيّ إجراء فعّال لوقف العنف أو محاكمة المسؤولين عن مثل هذه الجرائم.

كان أفراد مجتمع الميم عين سابقًا يتردّدون قبل تقديم شكوى أو الإبلاغ عن إساءة بسبب بنود أخلاقيّة غامضة في القانون الجنائيّ العراقيّ، وغياب أنظمة شكاوى موثوقة وتشريعات وقائيّة. إلّا أنّ الوضع تدهور أكثر، فعلى الأفراد الآن تجنّب حتّى إمكانيّة الشّكّ في توجّههم الجنسيّ والتّساؤل حوله علنًا. أجبرت هذه الرّقابة المشدّدة المتفاقمة أفراد مجتمع الميم عين على العيش بسريّة في خوف كبير.

قال سام، وهو ناشط عراقيّ من مجتمع الميم عين، وعضو في “عراق كوير” IraQueer – منظّمة عراقيّة لمجتمع الميم عين- لفنك إنّ القانون الجديد يفتتح دور المحقّق السّرّيّ الموكّل بالكشف عن أفراد مجتمع الميم عين بهدف محاكمتهم. وتشكّل تطبيقات المواعدة أيضًا خطرًا، إذ قد يدّعي وكلاء حكوميّون أنّهم أشخاص يودّون المواعدة للإيقاع بالمستخدمين.

وأشار إلى أنّه لطالما كان على أفراد مجتمع الميم عين إخفاء هوّيّاتهم الحقيقيّة، وأنّ المتحوّلين جنسيًّا هم الأكثر تأثّرًا بسبب وضوح مظهرهم، قائلًا: “الأشخاص الأكثر تأثّرًا سيكونون المتحوّلين جنسيًّا، فهم المستهدفون الأكثر إنكشافًا، إذ لا يستطيعون إخفاء مظهرهم.”

وعلى الرّغم من عدم تشريع مشروع القانون حتّى الآن ، بانتظار موافقة الحكومة، إلّا أنّ تأثيراته بدأت تطال المعنيّين. فلقد عمد بعض الأشخاص إلى حذف المنشورات والصّور على وسائل التّواصل الاجتماعيّ لتجنّب التّعرّض للخطر. وبحسب سام، فإنّ الأماكن الّتي اعتُبرت سابقًا آمنة للقاء أعضاء مجتمع الميم عين، صارت اليوم تشكل مجازفة وخطرًا كبيرًا على اجتماعات مُعلنة..

يسلّط سام الضّوء أيضًا على غموض القانون في ما يتعلّق بما عرّف ب”ممارسات متعمّدة للتّخنّث”، الّتي يمكن تفسيرها بأنّها تصرّف مغاير للمعايير الذّكوريّة النّمطيّة في العلاقات بين شخصين من جنسين مختلفين. مشيرًا إلى أنّ ارتداء الأقراط أو الشّعر الطّويل قد يُعتبران انتهاكًا للقانون، حتّى للرّجال غير المثليّين.

العيش في الخوف

أمر آخر مقلق يذهب سام إلى طرحه، هو أنّ هذا القانون يهدّد المنظّمات النّسويّة، إذ قد تقدّم الخدمات أو الدّعم لأعضاء مجتمع الميم عين، حتّى ولو كان ذلك بطرق بسيطة وسرّيّة. لكن في ظلّ القانون الجديد، سيكون على هذه المنظّمات أن تتوقّف اليوم عن تقديم أيّ مساعدة ما سيزيد من عزل مجتمع الميم عين.

قال سام: “إذا بدأوا بالتّحقيق في أعمال هذه المنظّمات وتمويلها ووجدوا أيّ شيء يتعلّق بمجتمع الميم عين، ستُغلق هذه المنظّمات نهائيًّا بالتّأكيد.”

كما قال سيف علي، وهو مؤسّس “كالا عراق” Gala Iraq، منصّة تدافع عن مجتمع الميم عين، لفنك إنّ المنظّمات العالميّة والمحلّيّة ستعجز عن الإبلاغ عن انتهاكات حقوق الإنسان أو عن القضايا المتعلّقة بمجتمع الميم عين خوفًا من المحاكمة بموجب القانون العراقيّ.

وأضاف: “هناك أيضًا ميليشيات تطارد أعضاء مجتمع الميم عين، وهذا القانون يمنحهم الحقّ في ارتكاب المزيد من العنف.” وعبّر علي عن قلقه أيضًا حيال الأشخاص الّذين اتُّهموا سابقًا بأنّهم من مجتمع الميم عين، فمن المحتمل الآن، بموجب القانون الجديد، أن يتمّ إبلاغ الشّرطة عنهم.

إضافة إلى ذلك، حلّ الخوف بين الأشخاص المصابين بفيروس نقص المناعة البشريّة (HIV)، إذ لا يشعرون بالأمان لطلب العلاج الطّبّيّ فقد يُظنّ أنّهم من مجتمع الميم عين حتّى لو لم يكونوا كذلك.

وبحسب سام وعلي، إنّ قرار المجلس النّيابيّ ليس إلّا خدعة لصرف النّظر عن فشله في اتّخاذ قرارات مهمّة تحدث تغييرًا إيجابيًّا ونموًّا في المجتمع العراقيّ.

يطرح سام نظريّة أنّ رجال السّياسة المسلمين في مجلس النّوّاب يعيدون توجيه جهودهم لعجزهم عن مواجهة إسرائيل في حربها الوحشيّة على غزّة، والّتي خلّفت 35000 قتيل وتستمرّ في تدمير حياة الغزّويّين منذ سبعة أشهر. فبمحاربة المثليّة الجنسيّة يظنّون أنّهم يحاربون إسرائيل وحليفتها الأمم المتّحدة الأميركيّة.

وقال: “السّياسيّون العراقيّون يعتقدون أنّ المثليّة الجنسيّة منتج غربيّ جلبته الأمم المتّحدة الأميركيّة وإسرائيل، وبالتّالي يجب محاربتها واقتلاعها من المجتمع.”

أمّا علي فيعتقد أنّ الدّافع وراء القانون الجديد هو المنافسة السّياسيّة بين مقتدى الصّدر وخصومه، ائتلاف الإطار التّنسيقيّ (CFA).

فمنذ عامين، انسحب رجل الدّين العراقيّ صاحب النّفوذ، مقتدى الصّدر، من البرلمان لكنّه ظلّ أشدّ معارضي مجتمع الميم عين، شانًّا حملات ضدّهم باستمرار.

قال علي: “بتشريع قانون يحاكم أفراد مجتمع الميم عين، سجّل خصوم الصّدر هدفًا ضدّه. ففيما لم يتمكّن الصّدر من شنّ إلّا هجمات كلاميّة، اتّخذ خصومه إجراءات حسّيّة، مترجمين الكلام إلى واقع. وهذا سيساعدهم على جمع المزيد من المناصرين بخاصّة من أتباع التّيّار الصّدريّ.”

ما من مكان آمن

تساعد “عراق كوير” و”كالا عراق” الأفراد على مغادرة العراق، إذ أصبح الشّعور بالأمان في البلاد محدودًا أكثر فأكثر، بخاصّة للمتحوّلين جنسيًّا. أشار سام إلى أنّ المتحوّلين جنسيًّا لن يتمكّنوا من مغادرة المطار ” قريبًا جدًّا”. وقال علي: “لبنان وكندا من أشهر وجهات السّفر من دون تأشيرة لأفراد مجتمع الميم عين العراقيّين.”

وأشار النّاشط إلى أنّ الكثير من المنصّات، بخاصّة القنوات النّسويّة، نأت بنفسها بخصوص هذا القانون لأنّها على دراية بالتّداعيات الوخيمة التي قد تنجم نتيجة التعبير عن الرّأي والإعتراض بصراحة، قائلًا: “إنّهم يسكتون كلّ الأصوات لكي لا يتبقّى من يتحدّث في الموضوع.”

لم تواجه العراق وحدها تحدّيات كبيرة في ما يتعلّق بمجتمع الميم عين في منطقة الشّرق الأوسط وشمال إفريقيا، بل شهدت السّنين الأخيرة موجات من معارضة مجتمع الميم عين في بلدان متعدّدة.

منها لبنان، حيث جماعات دينيّة متطرّفة مثل جماعة “جنود الرّبّ” المسيحيّة، هاجمت حانة للمثليّين العام الماضي.

وفي الأردن، استهدفت السّلطات بانتظام ناشطي حقوق مجتمع الميم عين، منظّمة قمعًا غير قانونيّ ضدّ حرّيّة التّعبير والتّجمّعات المتعلّقة بالجندر والجندريّة.

أمّا في مصر، فغالبًا ما تستخدم السّلطات قوانين الأخلاق والعمل الجنسيّ للقبض على أفراد مجتمع الميم عين ومحاكمتهم.

تركّز المؤسّسات الدّينيّة في منطقة الشّرق الأوسط وشمال إفريقيا على هذه الميول، وغالبًا ما تجرّد أفراد مجتمع الميم عين من الإنسانيّة من خلال خطابات تحمل الكراهية وتسمح بالتّالي للقوانين التّمييزيّة، مثل القانون العراقيّ، بالتّكاثر والانتشار.