شن نظام السلطان قابوس بن سعيد حملة قمعٍ متزايدة ضد المعارضة منذ الاحتجاحات التي اندلعت في السلطنة في يناير 2011. وعلى عكس الانتفاضات الأخرى التي اندلعت في المنطقة، كان معظم المتظاهرين يطالبون بمزيدٍ من الحريات السياسية وتحسين الاقتصاد، بدلاً من الإطاحة بالحاكم.
ولا يزال أولئك الذين يُطالبون بالمزيد من الحريات يواجهون القمع، ففي يناير 2017، كان المدافع البارز عن حقوق الإنسان، سعيد جداد، متجهاً إلى العاصمة القطرية، الدوحة، عندما تم إيقافه في المطار وإبلاغه بمنعه من السفر حتى عام 2099.
لطالما وثقّ جداد انتهاكات حقوق الإنسان في عُمان وسبق أن كتب أعمدةً ينتقد فيها النظام، كما نظم احتجاجاتٍ وحث الحكومة على توسيع مجلسها الاستشاري في عام 2011، مما وضعه تحت أعين النظام.
وفي نفس اليوم الذي مُنع فيه من السفر، مدد وزير الإعلام العُماني إغلاق صحيفة الزمن لمدة ثلاثة أشهرٍ أخرى، وذلك بالرغم من قرارٍ سابق للمحكمة بالسماح للصحيفة بالنشر مجدداً.
فقد كان المرسوم الأول من نوعه في سلسلةٍ من الهجمات على حرية الصحافة في ذلك العام. وفي الثالث من مايو 2017، أفاد مركز الخليج لحقوق الإنسان بأن جهاز الأمن الداخلي في عُمان قد حجب موقع مجلة مواطن، ليتم بعدها منع عائلة رئيس التحرير ومؤسس المنشور، محمد الفزاري، الذي يقيم اليوم في المملكة المتحدة، من مغادرة البلاد في فبراير التالي.
وفي الشهر التالي، تم منع عرض كتابين نقديين في معرضٍ للكتاب في العاصمة مسقط. الأول هو عبارة عن مجموعة من المقالات التي تم نشرها في مجلة مواطن والكتاب الآخر مختارات شعرية للشاعر العماني أحمد العريمي بعنوان “لك لا ولاء.”
كم هو مظلم هذا العالم
فاغرسي في كلِّ شبرٍ قصيدةً
وفي كل ظلٍّ نَفَساً.
حتى يتحررَ الحُلُمُ
وينبتَ وردٌ في سياج المعتقلات
وأضاف المركز العُماني لحقوق الإنسان أن العديد من الفنانيين لم يجرؤوا حتى على عرض أعمالهم، خوفاً من أن تُثير قصصهم الجدل. فقد قال المركز في بيانٍ له “يُدين المركز العماني لحقوق الإنسان هذه الهجمة الشرسة والغير مسبوقة على الإصدارات العمانية، كماً ونوعاً، ويطالب السلطات الأمنية العمانية إلى رفع يدها عن العمل الثقافي والأدبي، وووقف دور الرقابة على الإصدارات.”
وعلى الرغم من المطالبات بإحقاق العدالة، واصلت السلطات إظهار القليل من الاهتمام بحقوق الإنسان. ففي أبريل 2018، توفي الناشط والدبلوماسي السابق حسن البشام في السجن بعد حرمانه من الرعاية الطبية، حيث حُكم على الرجل البالغ من العمر 52 عاماً بالسجن بعد رفض الاستئناف في نوفمبر 2017. اعتقل البشام لأول مرة في عام 2015 وأدين بعد عامٍ واحد بالتحريض على الكراهية عبر الإنترنت وإهانة السلطان.
وفي مايو التالي، حُكم على الكاتب منصور بن ناصر المحرزي بالسجن لثلاث سنوات بسبب كتابٍ نشره عام 2016 بعنوان “عُمان في مربع الفساد والسياسة والتنمية والتخلف؛ الكشف عن الوقائع ونقد المسلمات،” حيث حُكم على المحرزي رغم أنه رفع الكتاب من السوق. وقد أُطلق سراحه بكفالة في اليوم نفسه إلا أنه يعيش في خوفٍ من انتقاد السلطات مرة أخرى.
وبعد مرور ستة أشهر، تلقت الجمعية العُمانية لحقوق الإنسان ومركز الخليج لحقوق الإنسان تقارير تفيد بأن سلطان المكتومي كان أحد الناشطيّن اللذين تم توقيفهما قبل زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى عُمان في 27 أكتوبر 2018. وقد استدعي المكتومي من قبل شرطة المهام الخاصة بمقر ولاية صحار، حيث تم اعتقاله واحتجازه لعدة أيام.
تعتقد كلتا الجماعتين المعنيتين بحقوق الإنسان أنه تم إسكات المكتومي لمنعه من إدانة التطبيع العلني بين إسرائيل وعُمان، وهو الأمر الذي يرفضه معظم المواطنين في العالم العربي ما لم يكن هناك حلٌ عادل للقضية الفلسطينية.
بيد أن حملة القمع على المعارضة لم تمنع بعض النشطاء العمانيين المؤيدين للفلسطينيين من التحدث إلى الصحافة الدولية، بل إن البعض منهم قد أخبر ميدل إيست آي أن السلطان قابوس ربما يكون قد خرق القانون العُماني باستضافة نتنياهو. فقد وضع السلطان بنفسه قانون مقاطعة إسرائيل في عام 1972، والذي يحظر إجراء أي صفقاتٍ تجارية أو مالية مع اسرائيل.
وبحسب ما ذكره أحد النشطاء لصحيفة ميدل إيست آي، “منذ عام 1977، توقفت السجلات الرسمية عن ذكر قانون مقاطعة إسرائيل.” وأضاف “حصل هذا عندما التزمت البلاد بسياسةٍ خارجية محايدة.”
بينما قال ناشطٌ آخر، رفض ذكر اسمه، “لا يوجد مسارٌ واضح حول كيفية تنفيذ القانون. لكن حتى مناقشة هذا الموضوع أمرٌ محفوفٌ بالمخاطر لأنه لا يوجد خطاب سياسي.”
تكشف قضية المكتومي، الذي تم في نهاية المطاف إطلاق سراحه في 8 نوفمبر، أي قبل يومٍ واحد من استدعاء جهاز الأمن الداخلي للناشط على الإنترنت، عدي العميري، للاستجواب، مدى خطورة أن تنتقد السلطان. وقد سُئل العميري عن منشوراته على وسائل التواصل الاجتماعي، التي شجب من خلالها قرار السلطان بدعوة نتنياهو إلى سلطنة عُمان.
ومع عدم وجود أخبار عن مصير العميري منذ ذلك الحين، تخشى جماعات حقوق الإنسان من أنه يقبع في السجن حيث ينتشر التعذيب وسوء المعاملة.
وعلى صعيدٍ متصل، يصف تقريرٌ لميلاني جنجل، عضو المجلس الاستشاري لمركز الخليج لحقوق الإنسان، بالتفصيل كيف يتعرض المدافعون عن حقوق الإنسان للضرب بشكلٍ روتيني، ويوضعون في زنازين انفرادية، ويُجبرون على تحمل درجات الحرارة العالية والإذلال. وقالت جنجل إن الناشطين كانوا خائفين من التحدث إلى المنظمات المراقبة بسبب الخوف من تعرضهم للانتقام ولكنهم فعلوا ذلك بشجاعة على أي حال.
وقالت جنجل في التقرير “إن التعذيب شائع في مراكز الاحتجاز.” وأضافت “ويتم تطبيقه على الذين تم احتجازهم بسبب مشاركتهم في حملة الإصلاح الاجتماعي منذ عام 2011.”
كما تتضمن الأساليب الأخرى المستخدمة لمعاقبة الناشطين نشر الشائعات لتشويه سمعتهم، مما يجعل قبولهم في المجتمع وإمكانية عملهم بعد إطلاق سراحهم من السجن أمراً مستحيلاً. وعلاوةً على ذلك، يتم الضغط على أسرهم لإقناع الشخص بالتوقف عن انتقاد الدولة. وفي حالاتٍ أخرى، يتم ببساطة إخبار الناشطين أن عليهم مغادرة عُمان وعدم العودة مطلقاً.