تؤكد محنة السوريين في تركيا على الحاجة الملحة للدعم الدولي والاستجابة الإنسانية لتلبية احتياجاتهم وضمان حماية حقوقهم.
بعد عامٍ على الزلزال المدمر الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا في فبراير 2023، يبدو أن أوضاع اللاجئين السوريين الموجودين في تركيا تمضي بخطى ثابتة نحو الأسوأ.
ففي هذه الفترة، زادت هشاشة الحالة المعيشية للّاجئين السوريين، لاسيّما أولئك الذين يقطنون مدن الجنوب التركي مثل أضنة وأورفة ومرعش وغازي عنتاب وكلّس وغيرها. وبحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإنّ عدد هؤلاء يصل إلى 1.75 مليون من أصل 3.4 مليون لاجئ سوري يقيمون في عموم تركيا.
وقبل الزلزال، لم يكن في مقدور أكثر من 90 بالمئة من اللاجئين السوريين تلبية الحاجات المعيشية الرئيسية مثل السكن والكهرباء والرعاية الصحية. وكان هؤلاء يعتمدون في تلبية احتياجاتهم على الأعمال غير الرسمية والمساعدات الاجتماعية من الجمعيات الخيرية والقروض من الاقارب والاصدقاء في حال توفرها.
وضعٌ اقتصادي صعب
مفوضية شؤون اللاجئين تقول في تقرير لها: “ألحقت الكارثة أضرارا فادحة بالصحة النفسية والعاطفية للسكان. ومع انخفاض التمويل وارتفاع الاحتياجات، يلجأ العديد من اللاجئين إلى اتّباع طرق مختلفة لتدبر أمورهم المعيشية مثل خفض مستوى الإنفاق على الغذاء زيادة القروض”.
في هذا السياق، تقول اللاجئة السورية رشا.م لفنك، وهي أمٌ لثلاثة أطفال: “أعمل في مؤسسة سوريّة براتبٍ يغطي إيجار البيت ونحو نصف تكاليف ما نحتاجه شهرياً من طعامٍ وشراب. أما القسم المتبقي، فأغطّيه بالاستدانة. وهذا يعني أنّي أضطرّ للاستدانة من أحدهم ومن ثم السداد والاستدانة من آخر. وهكذا فإننا نعيش في دوامة مستمرة. أما إذا حدث طارئ، فسيكون عليّ توفير ما يلزمنا من مال لتوفير ما نحتاجه لشهرٍ كامل”.
وتضيف رشا: “بعد الزلزال، لا شكّ أن الأمر ازداد سوءاً لجهة العمل الذي تأثر سلبا. كما أننا مررنا بتجربة مرعبة وأمضينا أياما طويلة في الحدائق والمساجد في الأسابيع التالية للزلزال. لكنني قررت العودة إلى الشقة التي أسكنها. هي لم تنه ولكنّها مهددة بالانهيار. ورغم حالة الخوف التي أعيشها أنا وأطفالي، إلا أننا فضلنا أن نعود إلى الشقة. وإن حدثت هزة أخرى فسيكون ذلك قدرنا.. ماذا نعمل؟”.
لعنة الانتخابات
مع كل استحقاق انتخابي في تركيا، يضع اللاجئون قلوبهم على أيديهم. ففي الانتخابات الرئاسية الأخيرة، تحولوا إلى بند رئيسي، بل يكاد يكون الوحيد في برامج بعض المرشحين. وتصدّر الحديث حول اللاجئين البرامج السياسية الحوارية لشهور طويلة قبل الانتخابات. ولا يبدو أن المسألة تختلف في الانتخابات البلدية المقررة في مطلع مارس 2024.
في هذا الصدد، يقول الصحفي السوري ع. ب لفنك: “الانتخابات البلدية لن تكون أقل قسوة على اللاجئين السوريين من الانتخابات الرئاسية. وهذا الأمر تعززه حالة الاستقطاب بين الأحزاب الحاكمة والأحزاب المعارضة. والأخيرة بدأت حملتها بالتصعيد ضد اللاجئين منذ شهر أغسطس 2023 لسببين.
الأول، أنها ضد اللاجئين كمبدأ. والثاني أنها تريد تعويض هزيمتها في الانتخابات الرئاسية. وكما هو معروف، فإنّ اللاجئين هم الحلقة الأضعف والحملة ضدّهم تلاقي استجابة لدى نسبةٍ لا يستهان بها في المجتمع التركي، سيّما وأنّ هذا النوع من الحملات ليس وليد اللحظة، بل يعتمد على رواسب كثيرة تشكّلت على مدى سنوات عدّة”.
ويضيف: “منذ تحديد موعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي وقعت في الصيف الماضي، بدأ هجوم المعارضة ولاسيما حزب الجيّد ورئيسته ميرال أكشار”. وكانت أكشار قد اتهمت الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بمحاولة إقامة “سوريا الصغرى” داخل تركيا. وطالبت بضرورة بإعادة جميع اللاجئين السوريين من خلال التفاوض مع النظام السوري، معتبرةً أن وجودهم يهدد الثقافة الوطنية.
أما رئيس حزب النصر أوميت أوزداغ، فتوعّد مؤخرا بأن يعامل اللاجئين السوريين معاملة السياح. وقال: “سنطبق التعريفات السياحية على كلّ من هو غير تركي في البلديات التي سنحكمها. سيكون ركوب الحافلة أكثر تكلفة والمياه أكثر تكلفة. 80 بالمئة من الشركات والمحال التي افتتحها السوريون مخالفة وسنغلقها”.
بدوره، توعّد تانجو أوزجان، رئيس بلدية بولو والمرشح عن حزب الشعب الجمهوري المعارض، بإنهاء وجود اللاجئين السوريين في الولاية “بشكل نهائي”.
وسبق لأوزجان زيادة الرسوم على المياه والنفايات الصلبة للأجانب بمقدار عشرة أضعاف، الأمر الذي أثار غضب منظمات حقوق الإنسان.
وتوقع الباحث التركي سمير صالحة منذ الصيف أن يزداد التحريض على اللاجئين كلما اقترب موعد الانتخابات، مشيرا إلى استغلال أحزاب المعارضة لورقة اللاجئين.
بين الحكومة والمعارضة
صالحة المقرب من الحزب الحاكم لفت في تصريحات نقلها موقع العربي الجديد إلى أن تركيا التي استقبلت بعد العام 2011 أكثر من أربعة ملايين لاجئ “لم تميز بين السوريين ومواطنيها، ولكن طول الفترة الزمنية وتراجع مستوى المعيشة واستغلال المعارضة لورقة اللاجئين أجج المشاعر ضد السوريين”.
ويرى الصحفي ع. ب أنّ الضغط الذي يتعرض له اللاجئ السوري في تركيا يشمل الحكومة والمعارضة. ويضيف: “الفرق بينهما هو أن المعارضة تلجأ لخطاب إعلامي شعبوي من شأنه أن يثير المواطن العادي. وقد يكون هذا التحريض من الأسباب التي زادت من حالات العنصرية تجاه اللاجئين في الشارع، لدرجة أنها وصلت إلى حد الطعن والإيذاء الجسدي. أما الجهات الحاكمة فهي الاخرى تحاول أن ترضي الشارع وتستثمر في ورقة اللاجئين. ولعلّ هذا ما يفسر بعض القرارات التي أصدرتها الحكومة، ومن بينها، منع السوريين من الإقامة في أحياء معينة بلغ عددها 1169 حياً في إسطنبول وغازي عنتاب وأضنة. وهذه القائمة تحدّث باستمرار”.
ترحيل قسري
وإلى جانب ما ذكره الصحفي السوري، فإنّ هناك حالات إبعادٍ مستمرة إلى الشمال السوري. وفي حالات كثيرة، يتم ذلك دون مبرر مقنع أو مخالفة تستوجب الإبعاد. وفي بعض الأحيان، يتم الترحيل دون وجود أي مخالفة.
وبحسب ع. ب.، فقد أوقفت الشرطة التركية مؤخراً مجموعة من الشباب بينهم شخصٌ واحد مخالف في إقامته، فتم إبعادهم كلهم إلى الشمال السوري. وللمعلومية، فإنّ هؤلاء قدموا إلى تركيا من محافظات سورية مختلفة. ومع ذلك، فقد وجدوا أنفسهم في مناطق سيطرة فصائل موالية لتركيا من دون مأوى. وتصف السلطات التركية هذه العودة بـ”الطوعية”، الأمر الذي ينفيه المبعدون.
ولا تعتبر الحالة المذكورة حدثاً يقع لأوّل مرة. فبحسب تقرير نشرته وزارة الداخلية التركية قبل يومين من وقوع الزلزال، فقد تجاوز عدد السوريين الذين عادوا “طوعا” في حينه نصف مليون لاجئ.
يأتي ذلك في الوقت الذي شكّك فيه موقع “T24” التركي بهذه الرواية، مشيرا إلى أن السوريين يجبرون على التوقيع والبصم على ورقة الترحيل التي تشير إلى أنهم اختاروا العودة الطوعية. ونقل الموقع عن أوميت كوتباي، محامي جمعية أوزغور دير الحقوقية، تأكيده تعرّض السوريين للضغط في مراكز الترحيل من أجل التوقيع على ورقة “العودة الطوعية”.
وسبق أن أصدر محامو لجنة حقوق اللاجئين والهجرة في ولاية غازي عنتاب بياناً تحدثوا فيه عن القرارات والسلوكيات المفروضة على اللاجئين السوريين في مراكز الترحيل. وجاء البيان على ذكر المعاملة السيئة والتهديدات التي يتعرّض لها اللاجئون السوريون. وبحسب البيان، فإن ما يحدث “انتهاكاتٌ في ميدان حقوق الإنسان وحقوق اللاجئين”.
عبد الباسط سوريٌّ تم ترحيله إلى الشمال السوري في الوقت الذي ما يزال فيه جزءٌ من عائلته في تركيا. وفي هذا السياق، يقول عبد الباسط: “تم احتجازي مع مجموعةٍ من الشباب في الشارع، منهم من يملك إقامة سارية المفعول ومنهم بطور تجديدها وهذا كان حالي. تم نقلنا بسيارة إلى مراكز الترحيل. وهناك تعرضنا لكافة أنواع الاعتداء اللفظي، ومن ثم جمعونا في ساحة مع أشخاص آخرين كانوا سبقونا إلى المركز. وكان أحد عناصر الشرطة يقوم بالتصوير. وعندما سألونا هل تريدون العودة إلى سوريا أجبنا جميعنا لا، فبدأ الصراخ والتهديد والوعيد. وطلب منّا أن نقول نعم. وتم إعادة تصوير الفيديو. وفي النهاية، رضخنا للأمر الواقع وتم إبعادنا”.
تفشي العنصرية
ازدادت مظاهر العنصرية ضد السوريين في تركيا بشكلٍ واضح بعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بحسب مروان، وهو من السوريين الذين تمكنوا من الحصول على الجنسية التركية.
وبرأيه، فإن لهذه العنصرية أسبابا عدّة. ومن هذه الأسباب ما شكلته خسارة المعارضة للانتخابات الرئاسية من نقمةٍ نفسية في صفوف مناصريها على السوريين، الذين كانوا يرغبون بفوز أردوغان لأن خطابه تجاه اللاجئين أقل حدة من خطاب المعارضة.
بيد أنّ الخطاب الإعلامي والقسوة في التعامل ضد اللاجئين طال الجميع، لاسيما أن فوز إردوغان جاء بعد تحالفاتٍ كان ثمنها الحدّ من وجود اللاجئين والعمل على إعادتهم. ولهذا، اشتدت الحملات ضد السوريين وبدأت تجد انعكاسها في الشارع. وبدأ العديد من السوريين بتخفيف وجودهم في الشارع إلى الحدود الدنيا الضرورية.
ومن العوامل التي تعزّز العنصرية، والكلام لمروان، العامل الاقتصادي وتراجع القوة الشرائية لليرة التركية. يضاف إلى ذلك ما أحدثه الزلزال من تأثيرات. وكما هي العادة، تسعى القوى السياسية التركية إلى البحث دائما عن مشجب تعلق عليه أزماتها ولديهم ملف جاهز للاتكاء عليه وهو ملف اللاجئين.
وعند سؤاله عن إصراره على عدم التحدث باسمه الحقيقي رغم أنه حائز على الجنسية التركية، قال: “صحيح أنّ تركيا تسير على طريق الديمقراطية، لكنها لم تصل بعد إلى مستوى الديمقراطيات العتيقة. لذلك، لا أريد أن أجلب المتاعب لنفسي”.
تلك المتاعب واضحة المعالم في الكثير من المناسبات. ومن الأمثلة على ذلك ما حدث مؤخراً مع مدير قناة أورينت السورية المعارضة علاء فرحات ومذيع القناة أحمد ريحاوي. ففي نهاية 2023، أصدرت السلطات القضائية التركية قراراً بحبس الصحفيين السوريين لمدة ستة سنوات بتهمة “نشر أخبار كاذبة والتحريض على الدولة التركية ونشر الكراهية”. وهو ما دفع الصحفيين للفرار من تركيا باتجاه اليونان قبل اعتقالهما.
وكانت القضية تتعلق بحادثة وقعت على الهواء مباشرةً أثناء استضافة الريحاوي للمحلل التركي أوكتاي يلماز. وهاجم يلماز الريحاوي لمجرد سؤاله على ضلوع الجندرمة التركية في قتل ثلاثة سوريين وتعذيب آخرين على الحدود مع سوريا. وقال المحلل التركي للريحاوي: “من أنت حتى تتهم الدولة التركية والشعب التركي؟ تعيشون في بلادنا وتأكلون منها وبعد ذلك تتهمونا بالقتل”.