وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

التدخل الأجنبي والإقليمي في لبنان (2005- 2008)

التدخل الأجنبي والإقليمي في لبنان
وزير الدفاع الإسباني خوسيه أنطونيو ألونسو سواريز (وسط) يزور القوات الإسبانية التي تخدم مع اليونيفيل في قرية بلاط جنوب لبنان ، 23 كانون الأول 2006. قام سواريز اليوم بزيارة عيد الميلاد لقوات حفظ السلام التابعة لبلاده في لبنان.(Photo by RAMZI HAIDAR / AFP)

المقدمة

أكد قرار مجلس الأمن رقم 1559 الصادر في أيلول/سبتمبر عام 2004 على “أهمية إجراء انتخابات حرة ونزيهة وفقاً للقواعد الدستورية الموضوعة دونما تدخل أو تأثير أجنبي”. ولكن قسماً من الرأي العام اللبناني كان يعتبر هذا القرار في حد ذاته “تدخلاً أجنبياً” أثار الغضب. وفضلاً عن ذلك، تسبب هذا القرار في وقوع انقسام أشد بين معسكري الموالين والمعارضين لسوريا، مثل أنصار حزب الله وخصومه، مطالباً “بانسحاب القوات الأجنبية المتبقية من لبنان”، ومصرّاً على “تفكيك ونزع سلاح الجميع من لبنانيين وغير لبنانيين على حد سواء”. وما كان يقصده مجلس الأمن بـ “القوات الأجنبية” كانت القوات السورية. أما القوات الإسرائيلية، والتي احتلت جنوب لبنان منذ عام 1978، كانت قد رحلت أخيراً في حزيران/يونيو عام 2000، بعد أن أصبح إيهود باراك رئيساً لوزراء إسرائيل. ولم يبقَ تحت سيطرة القوات الإسرائيلية سوى المنطقتيْن المتنازع عليهما، مزارع شبعا وقرية الغجر، وكل منهما تقع على الحدود السورية.

في ربيع عام 2005، انسحبت القوات السورية المتبقية، والتي انخفض عددها من 40,000 عام 2000 إلى 14,000 عام 2004، منهية بذلك وجودها العسكري في لبنان الذي دام 29 عاماً.

لكن لم تكن هذه نهاية التدخل الأجنبي في لبنان. قال مراقبون إن لبنان استبدل الوصاية السورية بالمظلة الغربية أو بالتدخل الإيراني المتزايد. وعلى الأقل، كان – ولا يزال – الكثير من العيون الأجنبية ترقب لبنان عن كثب، وعلى رأسها الأمم المتحدة وتدخلاتها المختلفة – عن طريق قرارات ومبعوثين ودعم من خلال منظماتها المختلفة، من برنامج التطوير الإنمائي ووكالة الأمم المتحدة للإغاثة (الأونروا) وصولاً إلى قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل).

وتم تشكيل “المجموعة الأساسية” – الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى وفرنسا وإيطاليا والاتحاد الأوربي وروسيا ومصر والمملكة العربية السعودية والأمم المتحدة والبنك الدولي – من أجل تنسيق مستقبل لبنان الاقتصادي وإعادة النظر – مقابل المساعدات – في برنامج الإصلاح الذي من شأنه تخفيف عبء الديون الضخمة ( عام 2005 كان يبلغ ضعف إجمالي الناتج المحلي تقريباً، وفي عام 2009 كان لا يزال 150% منه)، وإنعاش اقتصادها. وفي هذا الخصوص لم يكن التقدم اللبناني يترك انطباعاً قوياً لدى الدول المانحة، والتي أكدت أن النمو الاقتصادي اللبناني كان راكداً منذ عام 2000، وأن الإنفاق الحكومي ما زال يتجاوز الإيرادات.

حرب الـ 33 يوماً

استمرت إسرائيل وحزب الله بالقيام بعمليات في أراضي بعضهما البعض، وكل طرف يشن غارات انتقامية رداً على ضربات الآخر. في تموز/يوليو 2006، أسر حزب الله جنديين إسرائيليين وقتل ثمانية آخرين. وردَّت إسرائيل بقصف مطار بيروت والموانئ اللبنانية والطرق الرئيسية وغيرها من مرافق البنية التحتية، فضلاً عن معاقل حزب الله – وأغلبها مناطق مدنية ذات كثافة سكانية عالية – في الجنوب اللبناني ووادي البقاع وجنوب بيروت. وأطلق حزب الله صواريخ على حيفا وطبرية والعفولة وحتى الناصرة.

وأدى هذا التصعيد إلى نشوب ما يعرف بحرب الثلاثة وثلاثين يوماً ( ويطلق عليها أحياناً حرب الأربعة وتاثلاثين يوماً). أسفرت تلك الحرب عن مصرع 1,191 شخصاً في لبنان وبضعة آلاف من الجرحى ونحو مليون مشرد. وأصيبت البنية التحتية (من طرق وجسور ومحطات توليد الطاقة) ونحو 15,000 منزل بأضرار أو دُمّرت، فضلاً عن مئات المصانع والأسواق والمزارع والمكاتب والمحال التجارية. أما في إسرائيل فقد قُتل 43 مدنياً وتم تشريد عشرات الآلاف. ووفقاً لوثائق الأمم المتحدة، قُدّرت الخسائر الاقتصادية بـ 12 مليار دولار أمريكي في لبنان، و 4,8 مليار دولار أمريكي في إسرائيل. انتهت الحرب بموجب قرار الأمم المتحدة رقم 1701، والذي طالب بنزع سلاح حزب الله مرة أخرى و “الاحترام الكامل للخط الأزرق من جانب كلا الطرفين”، والخط الأزرق هو خط ترسيم الحدود في جنوب لبنان، كما تم تحديده عام 2000، والذي ينبغي عدم تجاوزه من قبل القوات الإسرائيلية وحزب الله أو القوات السورية.

كما دعا القرار بإنهاء التنازع على الحدود، مشيراً بالتحديد إلى مزارع شبعا. السبب الآخر الذي يراه حزب الله لعدم نزع سلاحه هو أنه يعتبر نفسه القوة الوحيدة القادرة على الدفاع عن لبنان – وعلى وجه الخصوص سكانها الشيعة في الجنوب، أكثر بكثير من القوات المسلحة اللبنانية. ومع ذلك، ينص القرار رقم 1701 على “وجوب انتشار القوات المسلحة اللبنانية في جميع أرجاء الجنوب، بالإضافة إلى طول الخط الأزرق”، لحماية الحدود والأراضي اللبنانية داخلها، وتعاونها في ذلك قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان التي ازداد عددها ليصبح 15,000 جندياً. عرقل هذا التطور – نشر القوات المسلحة اللبنانية وقوات الأمم المتحدة المؤقتة في مناطق حزب الله – عمليات حزب الله العسكرية، الذي ادّعى النصر على إسرائيل واكتسب الكثير من الشعبية.

تدهور الوضع

منذ ذلك الحين فصاعداً، تدهور الوضع السياسي في لبنان. تزايد الخلاف بين حزب الله وباقي الحكومة، وانتهى به الأمر إلى سحب وزرائه. واتهمت حركة 14 آذار حزب الله بإثارة حرب غير ضرورية وباهظة التكاليف ضد إسرائيل، وفي المقابل اتهم حزب الله قادة حركة 14 آذار ببيع الوطن. وكان من القضايا الرئيسية المثيرة للنزاع المحكمة الخاصة المكلفة بالتحقيق في اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري. في بادئ الأمر، عارض حزب الله بشدة تلك المحكمة المعينة من قبل الأمم المتحدة، نظراً لأنها كانت تشير بأصابع الاتهام إلى سوريا، التي كانت ولا تزال تدعم، مع إيران، حزب الله وتمده بالسلاح. ومن ناحية أخرى، خرج حزب الله من حرب 2006 بقناعة بأن عدوه الرئيسي هو الولايات المتحدة، كما إسرائيل.

ومن جهة أخرى، كانت حكومة فؤاد السنيورة ذات توجه غربي، وتحت ضغوطات كثيرة لتبقى كذلك، على الأقل لأسباب اقتصادية. وبدا وكأن كل التوترات الدولية القائمة – بين الولايات المتحدة من ناحية وإيران وسوريا من ناحية أخرى، وبين الأنظمة العربية السنية المؤيدة للغرب والمليشيا الشيعية، وبين إسرائيل من جانب وسوريا والفلسطينيين من جانب آخر – قد ظهرت مجتمعة في لبنان. بسبب تفاقم اختلال التوازن الدولي اتسع الصدع بين الطوائف الدينية، الذي لم يلتئم تماماً بعد الحرب الأهلية، مرة أخرى، مما أصاب الحكومة بالشلل. وأدى هذا إلى قيام مظاهرات ضخمة من كل جانب. وتحول العنف الخطابي إلى عنف جسدي. واغتيل اثنان من أبرز أعضاء البرلمان التابعين لتحالف 14 آذار.

الصراع الداخلي

كانت القضية المتبقية والمثيرة للنزاع هي نزع سلاح حزب الله. ولطالما قال حزب الله أن سلاحه سوف يستخدم ضد إسرائيل وليس ضد اللبنانيين. ولكن في أيار/مايو 2008، الحزبان الشيعيان – حزب الله وحركة أمل – “استخدما سلاحهما للدفاع عن أسلحتهما”، على حد تعبيرهما. وازدادت حدة التوتر بين حزب الله والحكومة، بعد أن أعلنت الأخيرة أنها تريد تفكيك شبكة الاتصالات السلكية واللاسلكية الخاصة بحزب الله. ومما زاد في الطين بلة، تم فصل مدير أمن المطار من عمله – والذي من المفترض أنه كان مقرّباً من حزب الله، وقيل أنه جاسوس له. فما لبث حزب الله وحركة أمل أن استوليا على بيروت الغربية (السنية)، ثم قاتلا الدروز في منطقة نفوذهم بجبال الشوف.

ووقع العشرات من القتلى في حين أصيب المئات بجروح. كما ضرب المهاجمون وسائل الإعلام، وخاصة تلك العائدة لمجموعة المستقبل التابعة للحريري. وقام مسلحو حزب الله بحصار قناة المستقبل الإخبارية وتوقيف بثها، وإضرام النيران في الأرشيف والمكاتب التابعة لجريدة المستقبل اليومية (التي تصدر 15,000 نسخة يومياً) وإذاعة الشرق. لوضع حد لهذا العنف، دعا أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني القادة السياسيين إلى مؤتمر في الدوحة، بحضور ممثلين آخرين من جامعة الدول العربية. وأعلن اتفاق الدوحة الذي تم التوقيع عليه في 21 آذار/مايو ليس فقط حظر السلاح، وإنما أيضاً – بعد عدة أشهر من التأخير – الإعلان عن انتخاب رئيس جديد، الجنرال السابق ميشيل سليمان، الذي يتمتع باحترام كبير من جانب جميع الأحزاب. وعلاوة على ذلك، انطوت الاتفاقية على قواعد إضافية لتشكيل الوزارات، والتي تشمل الآن ليس فقط جميع المجموعات الطائفية وإنما أيضاً تحقيق التوازن بين قوات تحالفي 14 آذار/مارس و 8 آذار/مارس.

المزيد من العنف

ما زال القدر يخبئ للبنان المزيد من العنف. ففي وقت لاحق من عام 2008، كانت طرابلس مسرحاً لاشتباكات دموية بين السنة وخصومهم من الطائفة العلوية الموالية لحركة حزب الله الشيعية. وأسفر ذلك عن مقتل 23 شخصاً. وفي أيلول/سبتمبر وقع مسؤولون رفيعو المستوى من كلا الطرفين اتفاقية يتم بموجبها تسليم أمن طرابلس إلى الجيش اللبناني لضمان السلام المدني.

كما كانت المعسكرات الفلسطينية بشكل منتظم مسرحاً للاشتباكات بين الطوائف المختلفة، ومع الجيش اللبناني. عام 2007، وقعت سلسلة من الحوادث العنيفة انتهت بحرب واسعة النطاق في مخيم نهر البارد الشمالي، قرب طرابلس. وبدأت بتبادل إطلاق نار بين مجموعة من حركة فتح الإسلام السلفية والجيش اللبناني. وسرعان ما أصبح نهر البارد ساحة المواجهة المركزية، والتي استمرت أكثر من ثلاثة أشهر. وفي وقت لاحق، تم إغلاق هذا المخيم جزئياً للتجديد. كما شهد مخيم عين الحلوة للاجئين في جنوب لبنان، الأكبر في البلاد، اشتباكات دموية داخلية متكررة بين فصائل متناحرة، ولاسيما بين الفصائل الإسلامية، مثل عصبة الأنصار السلفية، وفتح.

Advertisement
Fanack Water Palestine