وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

خطة بايدن لإحياء المحادثات الإيرانية قد تُهدئ المنطقة..لكنه يتفق مع ترامب إلى حد كبير فيما يتعلق بإسرائيل

 Joe Biden
وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل (الثاني إلى اليمين) يرحب بنائب الرئيس الأمريكي جو بايدن (وسط) في قاعدة الرياض الجوية في 27 أكتوبر 2011. Photo: STR / AFP

نشر موقع “The Conversation” مقالة سلطت الضوء على ما يمكن أن يحمله انتخاب جو بايدن رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية من تغيير على مستوى السياسة الخارجية الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط. ويقوم صاحب المقالة مقتدر خان، أستاذ الشؤون العالمية والإسلامية بجامعة ديلاوير الأمريكية، بتحليل نقاط الاختلاف التي قد تميّز سياسات بايدن عن الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب في التعامل مع إيران. كما يتناول خان في المقال ضعف الآمال التي يمكن أن يلقي بها الفلسطينيون على مرشح الحزب الديمقراطي لتحقيق سلام عادل مع إسرائيل في حال انتخابه.

ويبدأ خان مقالته بالإشارة إلى إمكانية حمل الانتخابات الأمريكية المقبلة لتداعياتٍ كبيرة في طياتها على منطقة الشرق الأوسط وعلى الأمن القومي الأمريكي، مستشهداً بذلك على تصريح حركة “طالبان” الأخير الذي أعربت فيه عن أملها في إعادة انتخاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لولاية ثانية لأنه سيسحب القوات الأميركية من أفغانستان.

ولا تحتلّ السياسة الخارجية أهمية كبيرة في أجندة الانتخابات الأمريكية لهذا العام، سيّما وأن السباق الحالي تسيطر عليه أجواء جائحة كورونا، والمصاعب الاقتصادية، والعنصرية الممنهجة.

ورغم هذا، فإن الدور الأمريكي على المستوى الدولي حاضرٌ في الانتخابات المزمع إجراؤها في نوفمبر المقبل. ويتبنى ترامب رؤية “أمريكا أولاً”، التي يتعامل فيها مع مكانة الولايات المتحدة كأولويةٍ أكثر أهمية من المساهمة في الحفاظ على النظام العالمي. في المقابل، يرغب جو بايدن باستعادة المكانة الدولية للولايات المتحدة الأمريكية، خاصةً وأنّ خبراته على مستوى السياسية الخارجية تشمل رئاسة لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ.

ويرى خان أن فوز بايدن في الانتخابات سيغيّر ملامح السياسة الخارجية الأمريكية بشكلٍ كبير. ويشير بحثٌ أجراه خان حول السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط إلى أن التدخل الأميركي الحقيقي هناك قد يشهد تغيرات شكلية فقط.

سياسة ترامب في الشرق الأوسط

أتى ترامب إلى الحكم واعداً بترويض إيران، والقضاء على تنظيم “الدولة الإسلامية“، وعقد “صفقة القرن” بين إسرائيل والفلسطينيين. لكنه لم ينفذ أي إستراتيجية كبيرة في الشرق الأوسط.

واليوم، ازدادت جرأة إيران، ولا يوجد سلام إسرائيلي-فلسطيني، ولا يزال تنظيم “الدولة الإسلامية” موجوداً رغم مزاعم ترامب. وقام ترامب بسحب الولايات المتحدة من الاتفاق العالمي لعام 2015، وهو الاتفاق الذي يفرض قيوداً على برنامج إيران النووي مقابل رفع العقوبات عنها. بيد أنّ إعادة فرض العقوبات لم يحد من النفوذ الإقليمي للنظام الإيراني، كما لم يسفر عن تغيير النظام هناك قسرياً.

وعلى سبيل المثال، فإن العقوبات الجديدة المفروضة مؤخراً على النظام المصرفي الإيراني لا تساهم غالباً إلا في جعل حياة الإيرانيين العاديين أكثر صعوبةً في ظل جائحة كورونا عبر تقليص قيمة العملة الإيرانية.

وتعتبر إسرائيل العامل الوحيد المتسق والثابت في سياسة ترامب في الشرق الأوسط، إذ يدعم ترامب على الدوام معارضة تل أبيب المتصاعدة لإيران، فضلاً عن سياساتها العدوانية في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة. كما تخلى ترامب عن السياسة الأمريكية الثابتة تجاه ما وصفه خان بـ”عاصمة إسرائيل القدس” – وهي مدينة مقدسة بالنسبة للمسلمين ويطالب بها الفلسطينيون أيضاً عاصمةً لهم – عبر نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس. وأثار هذا التحول غضب الدول الإسلامية عبر الشرق الأوسط وفي مناطق أخرى، وقتل تماماً أيّة آمال لعقد اتفاق سلام مع إسرائيل.

وبحسب خان، فإن البيت الأبيض بزعامة ترامب تمكن من تحقيق “نصر دبلوماسي وحيد” في المنطقة عبر تطبيع العلاقات بين إسرائيل ودولتين عربيتين، هما الإمارات والبحرين.

ومن حيث العدد، فإن هذا يتوافق مع ما أحرزه الرئيسان الأمريكيان السابقان بيل كلينتون وجيمي كارتر في الشرق الأوسط: إذ تمكن كارتر من تطبيع العلاقات بين إسرائيل ومصر، في حين نجح كلينتون بتحقيق ذلك مع الأردن. ويرى معارضون أن إمكانية تحقيق سلام حقيقي مع العرب ليست ممكنة دون وجود حل عادل يلبي مطالب الفلسطينيين بإقامة دولة لهم.

وعلى أي حال، فإن ترامب غيّر دون أدنى شك الخريطة الجيوسياسية في الشرق الأوسط عبر تنحية القضية الفلسطينية-الإسرائيلية عن التعامل معها باعتبارها الصراعٍ الرئيسي في المنطقة. وتكمن الأولوية الرئيسية الحالية لكلٍّ من الولايات المتحدة الأمريكية والدول العربية الرئيسية في منع إيران من تطوير أسلحة نووية وتقليص الهجمات الإيرانية على المصالح الأمريكية وحلفائها.

تحديات بايدن

إذا فاز بايدن في الانتخابات الرئاسية، فإنه سيضطر إلى التعامل مع العلاقات الأميركية – الإيرانية، التي باتت أكثر عدائية مما كانت عليه خلال فترة رئاسة باراك أوباما وقبل تولي ترامب الحكم في عام 2016.

وفي مقال رأي كتبه لشبكة CNN الأمريكية وتعهد فيه بمعاودة الانضمام للاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، فقد أعرب بايدن عن إيمانه بإمكانية تحقيق السلام مع إيران عبر تعزيز التعاون معها. كما أن معاودة الانضمام إلى الاتفاق النووي – الذي وقعت عليه الولايات المتحدة، والصين، وروسيا، والعديد من الدول الأوروبية – سيؤدي إلى تحسين العلاقات المتوترة بين الولايات المتحدة وهذه الدول أيضاً.

وهنا، يرى خان أن تعزيز التعاون مع إيران سيضر بالعلاقات الأمريكية – السعودية، التي ازدادت قرباً تحت رعاية جاريد كوشنر، مستشار ترامب لشؤون الشرق الأوسط وزوج ابنته. وتخوض السعودية نزاعاً للهيمنة على منطقة الخليج مع إيران وترى أن نتيجته لا بدّ وأن تسفر عن رابح وخاسر. وينظر السعوديون إلى الضغط الأمريكي على إيران كأداة حيوية في استراتيجيتهم الرامية لاحتواء النفوذ الإيراني.

وأشار بايدن أيضاً إلى أن الولايات المتحدة لن تدعم بعد الآن التدخل السعودي المدمر في الحرب الأهلية اليمنية.

وتعيش دول العراق، وسوريا، على وقع الحروب الأهلية والصراعات، ويجب على بايدن – الذي يعتقد أن هناك التزامات على الولايات المتحدة لقيادة أزمات المنطقة – اتخاذ قرار بكيفية التعامل مع هذه الملفات.

وسيواجه بايدن أيضاً تطوراً جديداً في الشرق الأوسط ألا وهو تركيا التي باتت تحظى بتواجدٍ عسكري في سوريا، والعراق، وقطر، وليبيا. وكان ترامب قد استوعب إلى حد كبير تنامي النفوذ التركي في المنطقة.

إسرائيل – فلسطين

يختلف خطاب بايدن حول إسرائيل عن خطاب ترامب. ففي مايو الماضي، أعلن بايدن عن معارضته لخطة إسرائيل الرامية إلى ضم الضفة الغربية – وهي خطةٌ مثيرة للتوتر وربما عارضتها إدارة ترامب معارضةً خفيفة دون أن تجنح إلى إدانتها. وأوقفت إسرائيل هذه الخطة منذ ذلك الحين كجزء من اتفاق التطبيع الموقع مع الإمارات.

ومع ذلك، لا توجد مؤشرات على احتمال تغيير سياسات الولايات المتحدة تجاه إسرائيل بشكلٍ كبير تحت رئاسة بايدن. فقط صرحت حملته الانتخابية مراراً عن دعم “لا هوادة فيه” لإسرائيل، مُدينةً أيّ جهود ترمي إلى مقاطعتها أو سحب المساعدات عنها لإجبارها على تغيير سياساتها. وشهد عام ٢٠١٦، وهو العام الذي كان بايدن ما يزال يشغل فيه منصب نائب الرئيس الأمريكي، منح إسرائيل أكبر حزمة مساعدات أمريكية على الإطلاق بقيمة بـ 38 مليار دولار أمريكي. وأعلن بايدن بالفعل أنه لن يعيد السفارة الأمريكية إلى تل أبيب إذا اُنتخِبَ.

وتعتبر الولايات المتحدة أقوى حلفاء إسرائيل. وقام كلّ رئيس أمريكي تولّى سدّة الحكم في البيت الأبيض منذ عام 1973، بتقديم مساعدات أجنبية كبيرة وتكنولوجيا عسكرية لإسرائيل، وكان ذلك بالتزامن مع توفير الحماية لها من أي إدانة دولية حول سياساتها تجاه الفلسطينيين.

ويختم خان مقالته بالتالي: “بكل تأكيد، لن يستعيد الفلسطينيون أرضهم في ظل حكم بايدن. لكنهم قد يحصلون على المزيد من الأموال والدعم السياسي. ووعد بايدن باستعادة جزءٍ من حزمة المساعدات الأمريكية المقدرة بنحو 600 مليون دولار والمقدمة للسلطة الفلسطينية، ولوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين “الأونروا“، وغيرها من الوكالات. وكان ترامب قد ألغى هذا التمويل في العام الماضي ضمن جهودٍ غير مثمرة لإجبار الفلسطينيين على قبول اتفاق السلام. في المقابل، أظهر أوباما بعض النوايا الحسنة في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما قد يساعد بايدن في مهمته. لكن المنطقة تفرض تحديات مُعيقة للرؤساء الأمريكيين، الديمقراطيين منهم والجمهوريين”.

“الآراء الواردة في هذه المقالة تعبّر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر فنك”.