بدأت العلاقة بين الولايات المتحدة والعرب والإسلام مع اكتشاف النفط في دول الخليج، ومن ثم نمت تدريجياً بشكلٍ أكثر تعقيداً مع الصراع العربي الاسرائيلي، وأحداث الحادي عشر من سبتمبر، وغزو العراق عام 2003، وعواقب الربيع العربي عام 2011.
فالشرق الأوسط، الذي لم يشهد استقراراً قط، يبدو أنه يتحرك نحو مستوياتٍ متزايدة من العنف والفوضى. ويمكن أن تعزى المسؤولية عن ذلك لسلسلة طويلة من الجهات الفاعلة، بدءاً من السلاطين العثمانيين والقوى الاستعمارية، وصولاً إلى الرؤساء الأمريكيين المتعاقبين، بما في ذلك جورج دبليو بوش وبارك أوباما.
يُلقي بعض العرب المحبطين باللائمة على السياسة الخارجية التي تفتقر لإطارٍ محدد والمتناقضة غالباً لأوباما، والتي أدت إلى انخفاضٍ ملحوظٍ في النفوذ الأمريكي في المنطقة، والقلق المتزايد حول مصداقية الولايات المتحدة كشريك.
فلطالما اعتمد جوهر السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط، تاريخياً، على مبدأين: أولاً، ضمان أن نفط المنطقة يتدفق بسلاسة إلى العالم الصناعي وعدم نشوء هيمنة إقليمية من شأنها تعطيل سلسلة توريد النفط. ثانياً، التخفيف من حدّة تصعيد الصراع بين إسرائيل وجيرانها العرب، قدر المستطاع، مع الحفاظ على دعمٍ قوي لدولة إسرائيل.
فقد انضمت الإدارات الأمريكية المتعاقبة لهذه الأهداف المزدوجة، سواء من حيث المبدأ أو الإجراءات. فقد عُكس غزو صدام حسين للكويت في عام 1990 بنجاحٍ من قبل ائتلاف دولٍ تحت القيادة الأميركية. كما رُفضت المحاولات الإيرانية لإظهار قوتها العسكرية في الخليج، مراراً وتكراراً، بسبب الوجود العسكري الأمريكي هناك. وبالإضافة إلى ذلك، كانت الضمانات الأمنية الأميركية وتوافر أسلحةٍ أمريكية متقدمة حجر الأساس لاجهزة الامن السعودية والإماراتية.
وعلاوة على ذلك، فإن الصراع بين اسرائيل وجيرانها العرب، والذي أشعل فتيل أربعة حروبٍ بين عامي 1948 و1973، خفت حدّة تصاعده تدريجياً ولكن بشكلٍ ملحوظ. وبرعايةٍ أميركية، وقعت إسرائيل معاهدات سلامٍ مع مصر والأردن في عام 1979 ومرةً أخرى في عام 1994. كما تم التوصل إلى هدنةٍ بحكم الأمر الواقع، بين إسرائيل وسوريا.
اعتمدت الولايات المتحدة الأمريكية، على مر التاريخ، على استراتيجيتين أساسيتين لتنفيذ أهداف سياستها الخارجية. تمثلت الأولى في الحفاظ على محور القاهرة- القدس- عمّان بدعمٍ من الولايات المتحدة، والذي عمل على تحقيق الاستقرار على الحدود الشرقية والغربية لإسرائيل، فضلاً عن عزل سوريا، وتفادي استئناف حربٍ أخرى في منطقة الشرق الأوسط.
فيما تمثلت الاستراتيجية الأساسية الثانية في التحالف مع المملكة العربية السعودية وحلفائها من دول الخليج. بدايةً، تم استحداث تحالفٍ مع آل سعود لحماية منتجي النفط في الخليج من التهديدات السوفيتية أو تلك من وكلائهم، مثل العراق. ولكن منذ عام 2003، تحولت هذه الاستراتيجية إلى التركيز على احتواء التوسع الإيراني ومحاولاتٍ مزعومة لزعزعة استقرار جيرانها العرب في الخليج.
واليوم، تضررت مصداقية السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط بشكلٍ كبير من قِبل البيت الأبيض الذي يُنظر إلى استراتيجيته داخل الشرق الأوسط باعتبارها غير واضحة، وغير متسقة، وتفتقر إلى المتابعة.
فعلى سبيل المثال، في يوليو 2013 أطاح ضباطٌ من الجيش المصري بأول رئيسٍ منتخبٍ ديمقرطياً في البلاد، محمد مرسي، من السُلطة، وعلقوا الدستور، وأقاموا حكومة مؤقتة برئاسة قاضٍ كبير. عزز الجنرالات العسكريون حجتهم للتدخل من خلال سلسلةٍ منسقةٍ بعناية من المناورات، واصفين تحركاتهم بجهود “المصالحة الوطنية،” ورافضين تسيمة استيلائهم على السُلطة بالإنقلاب. ومن ثم ظهر الجنرال عبد الفتاح السيسي في مؤتمرٍ صحفي نقلته شاشات التلفزيون قائلاً أن الجيش ليس له أي مصلحةٍ بالسياسة وأن الإطاحة بمرسي جاءت بسبب فشله في تحقيق “الأمل في توافقٍ وطني.”
وفي البيت الأبيض، حثّ الرئيس أوباما الجيش على التحرك بسرعة لإعادة مصر إلى حكومةٍ منتخبة ديمقراطياً، قائلاً: “نحن نشعر بقلق عميق إزاء قرار القوات المسلحة المصرية الاطاحة بالرئيس مرسي وتعليق الدستور المصري.” وفي أكتوبر، أعلنت إدارة أوباما تعليق دفعة كبيرة من المساعدات العسكرية إلى مصر خلال الحملة الدامية ضد جماعة الإخوان المسلمين. جاء ذلك نتيجة دعوة الولايات المتحدة الجيش المصري لضبط النفس، الذي استجاب له القادة العسكريون عن طريق زيادة تضييق الخناق على أنصار مرسي وجماعة الإخوان المسلمين. وفي وقتٍ لاحق، أعلن أوباما إلغاء تدريباتٍ عسكرية بين البلدين وإعادة النظر في جميع المساعدات الأمريكية لمصر. كما أوقفت الولايات المتحدة الأمريكية مساعداتٍ اقتصادية نقدية لمصر بقيمة 260 مليون دولار وعلقت أنظمة عسكرية واسعة النطاق، مثل طائرات إف-16، وقطع غيار دبابات وصواريخ مضادة للسفن ومروحيات أباتشي.
وعلى الرغم من كل هذا، أصبح في مايو 2014، عبد الفتاح السيسي رئيساً من خلال صناديق الاقتراع وبدأ حملته على جماعة الإخوان المسلمين، والنشطاء الشباب، والمجتمع المدني.
ومع ذلك، ومع خروج الوضع في ليبيا عن السيطرة وتهديده بنشر العنف إلى الدول المجاورة، بالإضافة إلى تنامي ظهور الجماعات الإسلامية التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية في سيناء، تحركت الولايات المتحدة اليوم لاستئناف المساعدات العسكرية والعلاقات رفيعة المستوى بين الحكومتين الأمريكية والمصرية. ومع ذلك، فتحت العلاقة المتآكلة مع مصر الأبواب على مصراعيها أمام روسيا في محاولةٍ لممارسة المزيد من النفوذ هناك. ومن غير المستغرب، فسرعان ما قفز الكرملين والسيسي لاستغلال فرصة تعزيز العلاقات بينهما.
كما يُنظر إلى سجل إدارة أوباما في سوريا، من قِبل الشرق الأوسط، بعدم الانسجام كذلك. فبدايةً، أدان البيت الأبيض حكومة الأسد على وحشيتها وأصرّ على ضرورة إسقاط الأسد. فقد كان الرئيس واضحاً عندما قال أنه في حال استخدام دمشق للأسلحة الكيماوية ضد سكانها المدنيين، سيكون هذا بمثابة “خطٍ أحمر،” وسيكون هناك “تداعيات.” ولكن عندما أغرق الأسد مواطنيه بالأسلحة الكيماوية، لم تتخذ إدارة أوباما في نهاية المطاف أي أجراءات.
وفي وقتٍ لاحق، مع تزايد الأدلة على أن الحملة الجوية ضد الدولة الإسلامية في سوريا فشلت في احتواء التنظيم وتدميره كما وعد أوباما، بدأ وزير الخارجية جون كيري التلميح بأن البيت الأبيض قد يكون قادراً على العيش مع استمرار الأسد في السلطة. أطلق هذا صافرات الإنذار داخل المملكة العربية السعودية، التي تسعى الآن إلى الاضطلاع بدورٍ قيادي في العالم العربي، وبالتالي تتزايد مشاعر مضطربة تجاه سياسة إدارة أوباما داخل المخيم ذو الاغلبية السُنيّة برئاسة المملكة.
عزز هذا من دور روسيا لاستغلال فرصة التدخل في الحرب الأهلية السورية، فقد نشرت روسيا سربين من مقاتلات سوخوي المتقدمة فضلاً عن سفنٍ حربية تابعة للبحرية لدعم هجومٍ بري للجيش السوري ضد الجماعات المتمردة المدعومة من قبل الولايات المتحدة. واصلت روسيا وقوات النظام خططها لاستعادة العديد من البلدات والمدن الاستراتيجية بالإضافة إلى إمالة ميزان القوى بوضوحٍ لصالح النظام في حربه ضد الجماعات المتمردة والمتطرفة، مما يمنح الأسد اليد العليا في أي اتفاقٍ سياسي قد يتم التوصل إليه في المستقبل.
أما بالنسبة للبيت الأبيض في عهد أوباما، فقد تُوّجت إنجازات سياسته الخارجية بالانفتاح الدبلوماسي مع إيران، الذي من شأنه أن ينهي نحو 35 عاماً من العداء الإيراني الأمريكي. أسفر هذا عن اتفاقٍ نووي الذي علقت إيران بموجبه محاولاتها المفترضة تطوير أسلحةٍ نووية مقابل رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على طهران وقبول المجتمع الدولي للحكومة الإيرانية.
ومع ذلك، كانت مكاسب إيران من هذا الاتفاق أكبر من ذلك بكثير. فقد حصلت تقريباً على كل ما طلبته مقابل إبطاء أو تأجيل أجزاء من برنامجها النووي على مدى العقد المقبل. ولكن العالم العربي، بقيادة السعوديين، يعتقد أنّ الاتفاق مع إيران يشكل تهديداً لأن الأموال التي حصلت عليها من رفع العقوبات ساعدت إيران على تكثيف برنامجها الصاروخي، ومواصلة جهودها لشراء المواد النووية بطريقةٍ غير مشروعة، وتوسيع رقعة تمويلها للميليشيات الطائفية مثل حزب الله والحشد الشعبي في أرجاء الشرق الأوسط.
ومن ناحيةٍ أخرى، في مارس 2015، تدخلت السعودية في اليمن لوقف المتمردين الحوثيين المدعومين من قِبل إيران من السيطرة على البلاد. وفي وقتٍ لاحق، دعمت إدارة أوباما هذا الجهد، ولو على مضض، من خلال تقديم المعلومات الاستخباراتية والمعدات العسكرية. تتواصل الحرب وأعداد القتلى من المدنيين في تزايدٍ مستمر، وتبدو آفاق التسوية السياسية مُبهمة. فقد واجهت المملكة العربية السعودية وحلفائها تصاعد الضغوط الدولية لوقف حملة القصف في اليمن، في حين أن البلدان (حتى العربية منها) التي لا تؤيد الحرب السعودية على اليمن، بدأت تشكك بشكلٍ متزايد بدعم إدارة أوباما العسكري للحملة الجوية.
جهود إدارة أوباما لتشجيع حلفائها العرب تحمّل عبء أكبر في تعزيز السلام في الشرق الأوسط، لم يضخ دماء جديدة لدى حلفائها بفهمٍ جديدٍ بالهدف المشترك والتعاون، بدلاً من ذلك، شعر الشركاء التقليديين بالتخلي عنهم. وربما كانت سياسات أوباما الانعزالية تهدف إلى تعزيز توازنٍ إقليمي جديد من خلال اجبار الفاعلين المحليين لعب أدوارٍ أكبر في ضمان السلام والاستقرار، ولكن عوضاً عن ذلك، خلقت السياسة فراغاً خطيراً لم تشغله روسيا وإيران فحسب، ولكن شغله أيضاً شركاء خائفون مثل السعوديين، الذين قد يسعون بشكلٍ متزايد إلى معالجة معضلة الأمن من خلال أعمال الحفاظ على الذات.