نشر موقع “The Conversation” مقالة سلطت الضوء على الوضع المعقّد الذي يواجهه اللاجئون السوريون من أطفالٍ ونساء ومثليي الجنس في تركيا بين مطرقة البقاء في هذه الدولة وسندان الخطر المحدق بهم على مستوى ترحيلهم إلى سوريا. وترى صاحبة المقالة دينا عبد القادر، أستاذة العلوم السياسية المشاركة بجامعة ماساتشوستس لوويل، أن الحكومات تتجاهل في أغلب الأحيان ما يحيط بالأقليات من مخاطر لدى التعامل مع الهجرة الجماعية، مشيرةً إلى ما تتعرض له النساء في المخيمات من حالات اغتصابٍ وعنصرية وتمييز وزواج قُصر. كما تعرّج عبد القادر في مقالتها على الإشكاليات الكثيرة التي يتعرض لها مثليو الجنس من اللاجئين السوريين في تركيا.
وبحسب عبد القادر، فإن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان لم يقصر أهداف هجومه الأخير على سوريا بمواجهة القوات الكردية التي تدير المنطقة الشمالية من البلاد فحسب، بل قال في الوقت نفسه إن نحو 3.6 مليون لاجئ سوري في تركيا قد يعودون “إلى ديارهم” بمجرّد الاستحواذ على شمال سوريا الخاضع للسيطرة الكردية.
لكن ذلك قد يكون تهديداً فارغاً. فبعد ثماني سنوات من الترحيب بالفارين من الحرب الأهلية في سوريا، بدأ الجمهور التركي بالانقلاب على اللاجئين السوريين. وعلى هذا النحو، قد يرى إردوغان الخطاب المعادي للاجئين وسيلةً لتعزيز شعبيته المتراجعة نتيجة الركود الحاصل في تركيا وفترة الاستيلاء على السلطة لسنوات بطرقٍ مثيرة للجدل.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن ترحيل الرئيس التركي للاجئين السوريين لا يعني إرسالهم إلى “منطقةٍ آمنة” كما وعد. بالأحرى، فإن إردوغان سيرحّل هؤلاء المستضعفين إلى خطوط القتال في منطقةٍ غنيّة بالنفط ويجري النزاع عليها.
النصف المنسي: اللاجئات السوريات
ترى عبد القادر من واقع خبرتها البحثية في أوضاع الأقليات المعرّضة للخطر في الشرق الأوسط أن الحكومات التي تتعامل مع الهجرة الجماعية غالباً ما تتجاهل ما يواجه أضعف اللاجئين وهم النساء والأطفال ومثليي الجنس من تحدياتٍ خاصة.
صحيح أن غالبية اللاجئين السوريين في تركيا من المسلمين السنّة، وهي الطائفة السائدة في تركيا وسوريا، إلا أن السوريين مختلفون عرقياً ولغوياً عن الأتراك.
كما يختلف اللاجئون السوريون عن الجمهور التركي والسوري الأوسع بطريقةٍ أخرى، إذ يشكل النساء والأطفال حوالي ٧٥٪ من إجمالي اللاجئين السوريين الموجودين في تركيا بحسب المعهد العالمي غير الربحي لسياسات الهجرة. وشهدت الفترة الممتدة بين عامي 2011 و2017 ولادة ما يزيد عن 224 ألف طفل في تركيا لعائلات اللاجئين السوريين. وهنا، لا بد من الإشارة إلى أن هؤلاء الأطفال باتوا الآن عديمي الجنسية لأنهم لم يُمنحوا الجنسية التركية ولا السورية عند الولادة.
ويظهر أحد الأبحاث أن اللاجئات السوريات يعانين من التمييز والعنصرية في تركيا أكثر من نظرائهن الذكور.
ويُعزى هذا الأمر بصورةٍ جزئية إلى وجود فجوةٍ كبيرة في تعلم اللغة التركية. وبحسب بيانات مسح الأمم المتحدة لعام ٢٠١٦، فإن ٢٠٪ من اللاجئات السوريات يعانين من الإقصاء والتمييز بسبب افتقارهن إلى اللغة، علماً بأن هذه النسبة تنخفض لدى الرجال لتصل إلى 13%.
في المقابل، تظهر تقارير الأمم المتحدة أن 73% من اللاجئات السوريات يشعرن بالأمان في تركيا. وقد يعود ذلك إلى إعادة توطين تلك اللاجئات في عموم مدن وبلدات تركيا، لا سيّما إسطنبول حيث يعشن عادةً في أحياء فقيرة.
وبالتأكيد، فإن تلك المناطق تحظى بمستوياتٍ أعلى من الأمان مقارنة بسوريا التي مزقتها الحرب، وبالمقارنة أيضاً بمخيمات اللاجئين الموجودة على طول الحدود التركية السورية حيث رُصدت حالات اغتصاب واتجار بالبشر ودعارة وزواج أطفال بحسب مركز “OBC Transeuropa” البحثي الإيطالي.
وتجدر الإشارة إلى أن نصف اللاجئات السوريات لم يزد عمرهنّ عن ١٨ عاماً عندما هُجّرن من ديارهن بسبب الحرب إلى منطقة الحدود التركية.
مجتمع الميم بين اللاجئين السوريين: قصةٌ لم يتم سردها
قد يتعرض مجتمع اللاجئين السوريين في تركيا بالإضافة إلى مجموعات مهمشة أخرى من ضمنها المثليين والسحاقيات والمتحولين جنسياً لمخاطر استثنائية في حالة الترحيل إلى الوطن.
وبحسب جماعات حقوق الإنسان، فإن العدد الدقيق لهؤلاء من بين اللاجئين السوريين النازحين غير معروف. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن سوريا من المناطق الخطيرة على المثليين – شأنها في ذلك شأن معظم دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
فالمثلية الجنسية مجرّمة في سوريا، كما أن الحكومة والجماعات الإرهابية كتنظيم “الدولة الإسلامية” تقوم باضطهاد هذه الأقليات الجنسية، علماً بأن التقاليد الإسلامية تعارض المثلية من الناحية الثقافية.
وعلى الرغم من عدم تجريم تركيا للمثلية، إلا أن هذه الدولة لا تعتبر من الدول الآمنة على الدوام للمثليين من اللاجئين السوريين. وعانى المثليون السوريون من اعتداءاتٍ جسدية ولفظية، وهو ما لا تقابله بصورةٍ اعتيادية ردة فعلٍ تُذكر من قبل سلطات إنفاذ القانون أو الحكومة التركية.
وشهد شهر أغسطس من عام 2016 العثور على جثّة محمد وسام سنكري وهي مشوّهةٌ في إسطنبول بعد يومين من اختفائه. ووفقاً للتقارير، فقد أبلغ سنكري الشرطة أنه يخشى على حياته بعد اختطافه من قبل مهاجمين مجهولين وتعذيبه واغتصابه.
وشهدت حملة القمع الأخيرة التي نفذتها الشرطة التركية ضد مجتمعات اللاجئين السوريين احتجاز وترحيل الآلاف من اللاجئين السوريين ومن بينهم مثليين.
إلا أن الحكومة التركية نفت ترحيل اللاجئين قسراً إلى منطقة حرب، وهو ما يجرّمه القانون التركي والدولي.
ويمكن القول إن عودة المقليين السوريين إلى الوطن تعتبر بمثابة إصدار حكمٍ بالإعدام في حقّهم.
وأبلغت سيدة سورية متحولة جنسياً تحمل اسم ورد صحيفة الغارديان البريطانية في أغسطس 2019 أنها تخشى ترحيلها إلى الحدود التركية السورية خوفاً من أن تقتلها جبهة النصرة الإرهابية، وهي فرعٌ من تنظيم القاعدة يضم في صفوفه ما بين 500 إلى 10 آلاف مقاتل في غرب سوريا.
وبحسب تقرير الغارديان، فقد تم ترحيل ورد بعد أيام إلى سوريا، علماً بأنها ظهرت لآخر مرة في أواخر أغسطس وقد أجبرها مسلحون في سوريا على ركوب إحدى الشاحنات.
أضرار جانبية
يتمثل هدف إردوغان المعلن من غزو سوريا في دفع حزب العمال الكردستاني خارج شمال سوريا وإنشاء “منطقة عازلة” بين البلدين.
ويعتبر حزب العمال الكردستاني بمثابة شوكة في حلق تركيا طيلة 41 عاماً.
وسبق لزعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان تهديد الحكومة التركية بتمردٍ انفصالي قبل تولّي إردوغان للرئاسة بفترةٍ طويلة، وكان ذلك بدعمٍ من الحكومة السورية.
وهنا، لا بد من الإشارة إلى تصنيف الولايات المتحدة لحزب العمال الكردستاني كمنظمةٍ إرهابية، شأنها في ذلك شأن تركيا.
ومع ذلك، فقد حافظت الولايات المتحدة على تحالفها مع الجماعات السورية العلمانية والتقدّمية الأخرى حتى انسحابها العسكري الأخير من سوريا، وتعتبر قوات سوريا الديمقراطية من الأمثلة على هذه الجماعات.
ووجدت الكاتبة بعد ما أجرته من أبحاث أن الأقلية الكردية الموجودة في شمال سوريا تم استخدامها واستغلالها لفترةٍ طويلة من قبل ميليشيا أوجلان المسلحة من جهة، ومن قبل الحكومة التركية وزعمائها المستبدين من جهةٍ أخرى، وبصورةٍ مماثلة لما عليه الحال في العراق. كما أنه تم استغلال هذه الأقلية من قبل سياسيين يسعون إلى تعزيز أجندتهم الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط.
وعلى ذلك، تختم عبد القادر مقالتها بالتالي: “إعادة اللاجئين السوريين إلى ساحة المعركة سيجعلهم العازل الفاصل بين هذه القوات المتحاربة، وهو ما سيضعهم في موقع المتضررين ضرراً جانبياً من معركةٍ جيوسياسيةٍ أكبر بكثير من معركتهم على المستوى الشخصي”.
“الآراء الواردة في هذه المقالة تعبّر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر فنك”.