وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الجزائر: المحطة التالية للربيع العربي؟

مظاهرة لرجال الشرطة الجزائرية للمطالبة بتحسين ظروف العمل أمام القصر الرئاسي في العاصمة الجزائر, 15 تشرين الأول/أكتوبر 2014 / Photo Imago Stock & People GmbH
مظاهرة لرجال الشرطة الجزائرية للمطالبة بتحسين ظروف العمل أمام القصر الرئاسي في العاصمة الجزائر, 15 تشرين الأول/أكتوبر 2014 / Photo Imago Stock & People GmbH

كان يُنظر إلى الجزائر، لفترة قصيرة من الزمن، باعتبارها البلد المستقر الوحيد في المغرب العربي. شهد عام 2011 اندلاع الثورات في كل من تونس ومصر، في حين تفجرت حرب أهلية في ليبيا، بينما هدد تحرّك الشارع المغربي عرش ملك المغرب. ومع ذلك، تمكنت الجزائر من تخطي هذه الإضطرابات بسلاسة وبدا أنها تتمتع بالقوة والسيادة بين نظيراتها وليس هناك حاجة إلى إصلاحات هيكلية.

بعد ثلاث سنوات، تجاوزت تونس المرحلة الإنتقالية الحرجة، في حين توقف الزمن في مصر في ظل نظام استبدادي جديد وأمست أكثر هدوءاً، في الوقت الراهن. بينما نجح المغرب في الحفاظ على موازين الأمور وتهدئة الشارع. من ناحية أخرى، فشلت ليبيا تقريباً فشلاً ذريعاً في تأسيس دولة من جديد، ولم تكن الأمور في الجزائر أيضاً تسير على مايرام.

يمكن وصف الأوضاع السياسية والإقتصادية للبلاد بالهدوء الذي يسبق العاصفة.

الأزمة الداخلية

انتخب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لولاية رابعة في أبريل 2014. وبعد أنّ تعرّض لعدة وعكات صحيّة، أصبح بالكاد يتمتع بالقدرة على إدارة البلاد، مما أدى إلى اشتداد عود فرقة دمى السياسة من حوله الذين يحركهم شقيقه سعيد. أدى هذا إلى تصاعد حدّة الصراع على السلطة خلف الكواليس.

سيدخل أولئك الذين يسعون إلى خلافة بوتفلقة في صراع ضمني، في حال تعرّض للمساءلة، وبشكلٍ أساسي سيتعرض للطعن من دائرته المقربة. أحد الخلفاء المحتملين هو عبدالعزيز بلخادم، رئيس الوزراء الأسبق والذراع الأيمن للرئيس بوتفليقة، الذي تمت تنحيته من العمل في أجهزة الدولة خلال هذه المعركة الشرسة في أغسطس الماضي. ويبدو أنّ الرجل الثالث في الدولة، عمار سعيداني، رئيس جبهة التحرير الوطني (الحزب السياسي الأكثر أهمية في الجزائر)، قاب قوسين أو أدنى من الإطاحة به أيضاً. ومن الواضح في الوقت الحالي، أنّ أحمد أويحي، مدير مكتب رئيس الجمهورية، صاحب اليد العُليا في هذا السباق- ولكن إلى متى؟

جبهة التحرير الوطني نفسها تكافح ضد أولئك الذين عارضوا ترشيح بوتفليقة في وقت سابق من هذا العام، وخاصة الجنرال توفيق محمد مدين، رئيس المخابرات الجزائرية (إدارة الإستخبارات والأمن أو الاستخبارات العسكرية)، والتنسيقية من أجل الحريات والإنتقال الديمقراطي، وهو ائتلاف من الأحزاب السياسية ونشطاء المجتمع المدني والسياسيين المشهورين، بما في ذلك رئيس وزراء بوتفليقة السابق علي بن فليس.

يمتلك توفيق شبكة من الجنود وضباط المخابرات، في حين يحظى الائتلاف بدعم السياسيين ورجال الأعمال. ومع ذلك، يجري تحجيم نفوذ مدين تدريجياً من قبل رجالات بوتفليقة المقربين، بينما يعتبر الائتلاف معزولاً وضعيفاً.

وصلت الأزمة داخل النظام ذروتها مع “تمرد الشرطة” في أكتوبر 2014. تظاهرت قوات الأمن من المنطقة المتمردة غرداية ، داعين الى رفع الأجور وحق إنشاء نقابة لهم تتيح لهم رفع مطالبهم وتنظيم حراكهم الاجتماعي، ولكن ربط خبراء في الجزائر هذه الأحداث بالصراع بين سماسرة السلطة في الجزائر. لم يكن هذا الأمر شائعاً في الجزائر، وأعقب تمرد الشرطة موجة من الاحتجاجات لقوات الشرطة في مدن أخرى. أكبر تلك الاحتجاجات وأكثرها تأثيراً اجتاح العاصمة الجزائر، وانتهى أمام القصر الرئاسي.

التدهور الاقتصادي

بالرغم من أنّ اقتصاد البلاد لا يزال بحالٍ جيدة، إلا أنه معرّض للخطر. بقي الشعب الجزائري في دائرة الأمان بفضل الدعم الذي تقدمه الدولة للمواطنين وإعادة توزيع الثروة، وهي سياسة أصبحت ممكنة بفضل إيرادات الدولة من النفط والغاز، ولكن تشهد أسعار النفط في الوقت الراهن تراجعاً بسبب مجموعة من العوامل، والجزائر التي تعتمد بشكلٍ أساسي على مواردها الهيدروكربونية تواجه مستقبلاً غامضاً في حال استمر هذا التطور. وعلاوة على ذلك، وبسبب ارتفاع معدل الاستهلاك، بدأت احتياطات النفط بالتناقص، مما يعرّض اقتصاد البلاد لخطر الإنهيار التام.

ومن المتوقع أن ترتفع نسب البطالة، التي تصل معدلاتها حالياً إلى قرابة 30%. فضلاً عن ذلك، تخرّج الجامعات الجزائرية حوالي 300,000 طالب سنوياً، إلا أنه لا توجد فرص عمل متاحة لهم. يُعدّ هؤولاء قنبلة موقوتة، إذ أنّ تزايد أعدادهم سنوياً، سيكون شرارة الثورة تماماً كما حصل في دول شمال إفريقيا الأخرى، حيث شكل الخريجون العاطلون عن العمل وقود الثورة، إلى جانب أنهم هدف سهل للتجنيد من قِبل الجهاديين السلفيين.

التمرد الجهادي والمعارضة الشعبية

يواصل الجهاديون التوسع في أجزاء مختلفة من البلاد، مستمرين في تمردهم منذ ربع قرنٍ من الزمان. وخلال العام، استهدفت عدة هجمات شنها الجهاديون القوات المسلحة والأمن في الجزائر، مما أسفر عن مقتل جندي ورجل شرطة، كما تم إحباط اعتداءات أخرى، فضلاً عن القاء القبض على العشرات من المتطرفين في كل شهر. في سبتمبر الماضي، تم خطف رعية فرنسي وقطع رأسه، حيث أعلنت جماعة “جند الخلافة”- جماعة تابعة لتنظيم “الدولة الإسلامية”- مسؤوليتها عن هذا الاعتداء.

انتفضت غرداية، واحة في المنطقة الوسطى في الجزائر، بسبب أعمال عنفِ وتخريب عرقية واجتماعية تشهدها المدينة منذ أكثر من عام. كما بدأت واحة أخرى، تقرت التي تبعد عشرات الكيلومترات شرق غرداية، تشهد مؤخراً حراكاً في الشارع، حيث اندلعت مواجهات بين السكان والشرطة. وفي كلتا المنطقتين، وقعت وفيات وإصابات، مما يعني أن الوضع لا زال هشاً وعرضة للتصعيد. ومن المتوقع أن تشهد مناطق أخرى في البلاد حركاً شعبياً.

الأحجية الأقليمية

ليبيا، جارة الجزائر واسعة المساحة إلى الشرق، تمزقها صراعات مختلفة، بما في ذلك عداً وليس حصراً، معارك على للإستيلاء على موارد البلاد، وحروب أهلية مصغرة، وحروب بالوكالة، فضلاً على أنها مرتعٌ خصب للجهاديين السلفيين. حاولت الجزائرتقديم مبادرات للحوار الوطني بين مختلف أصحاب المصلحة الليبية، إلا أنّها جميعاً باءت بالفشل.

أما تونس، الجارة الشرقية الأخرى للجزائر، بينما تنعم بالسلم والهدوء في الوقت الراهن، تشهد حدودها مع الجزائر اضطرابات بسبب تمرد الجهاديين. في حين أنّ مالي على الحدود الجنوبية الغربية، لم تهدأ منذ الإنقلاب في آذار 2012، كما أنها أيضاً معقل السلفيين الجهاديين في المنطقة. دفعت هذه التوترات المحيطة بالبلاد الحكومة إلى نشر أعداد كبيرة من أفراد الجيش الجزائري على طول الحدود.

ينخرط الجزائر في صراعٍ عمره عشرات السنين مع الجارة الغربية، المغرب. يمكن وصفها مجازاً بالحرب “الباردة” التي تشهد شداً وجذباً. وأخيراً، بعد أن ساد الهدوء فترةً من الزمن، اتخذت المغرب في أغسطس 2014 قراراً مفاجئاً بإرسال قواتها إلى الحدود الجزائرية ونشر قاذفات الصواريخ، التي تعتبر خطوة غير مبررة حتى الآن. وفي أكتوبر، فتح الجيش الجزائري نيرانه على مواطنين مغربين، ربما كانوا من المهربين، مما أدى إلى استئناف الخطاب الحربي بين الجارتين على المستويين السياسي والإعلامي.

إلى جانب ذلك، تعتبرالميزانية العسكرية الجزائرية الأعلى في إفريقيا، إذ تبلغ 10,4 مليار دولار، ويتوقع أنّ ترتفع للأسباب المذكورة أعلاه. يتطلب مثل هذا الجيش الضخم اقتصاداً قوياً ووحدة صف الشعب الجزائري، وكلاهما يشهدان وَهنَاً في الوقت الحاضر في الجزائر: يمكن أن يؤثر الاستياء بين قوات الأمن على كلٍ من الجنود وعامة الشعب.

في الختام، الوضع السياسي في الجزائر متصلب ويعزف عن أي تغيير، وليس هناك أي مجال للإصلاح أو نمو معارضة جديّة. الاستياء واضح بين عامة الشعب ولكنه أيضاً جليّ في العمود الفقري للنظام (الجيش والشرطة والسياسيين البيروقراطيين). يشابه نظام بوتفليقة، في هذا الصدد، نظاميّ بن علي في تونس ومبارك في مصر عام 2010، عندما أشتعلت أولى شرارات الربيع العربي.