عند تواتر الأخبار في الخامس من يونيو 2017 بفرض المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر والبحرين، حصاراً على قطر لدعمها المزعوم للإرهاب، سارعت تركيا إلى التقدم كوسيطٍ محتمل. ومع ذلك، انتقلت في غضون أيامٍ من كونها وسيطاً محتملاً إلى مؤيدٍ قوي لقطر.
وفي الوقت الذي فرض فيه جيران قطر حصاراً بحرياً وبرياً وجوياً، هرعت تركيا بإصدارٍ تشريعاتٍ لإرسال قواتٍ إلى الإمارة وحلقت طائراتها المحملة بأكثر من 100 حمولة طائرة من المواد الغذائية المستعجلة، التي تمس الحاجة إليها.
وسرعان ما شوهدت الدبابات التركية تجوب شوارع العاصمة القطرية، الدوحة (الأمر الذي اعتبره البعض تصعيداً عسكرياً). وقد يصل عدد القوات التركية في قطر، في نهاية المطاف، إلى ألف جندي، فضلاً عن وحدة من القوات الجوية.
ففي 25 يونيو، أي بعد يومين من قيام اللجنة الرباعية بقيادة السعودية بإصدار قائمة مطالب من 13 بنداً إلى قطر، باعتبارها الثمن المطلوب لرفع الحصار، وصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المطالب التي تشمل إغلاق قناة الجزيرة التي تمولها الدولة، وقطع العلاقات مع جماعة الإخوان المسلمين وإغلاق القاعدة العسكرية التركية، بأنها تمثل “عدم احترامٍ لتركيا” ومخالفة للقانون الدولي.
وقال أردوغان لصحفيين فرنسيين أنه لن يغلق القاعدة العسكرية ما لم تطلب منه قطر ذلك، مؤكداً، للمرة الثانية، على التزامه تجاه الإمارة المحاصرة. كما تساءل أيضاً عن سبب عدم إدراج إغلاق القواعد الفرنسية والأمريكية في البلاد على قائمة المطالب.
وعلى الرغم من رفضه للامتثال، لطالما كان أردوغان حريصاً على الحفاظ على علاقاتٍ طيبة مع طرفيّ النزاع. ومن المتوقع أن توقع تركيا اتفاقاً لبيع سفنٍ حربية من طراز كورفيت للسعودية فى المستقبل القريب. وإذا ما تم عقد هذه الصفقة، ستكون أكبر صفقة تصديرية في تركيا حتى الآن ونعمةً كبيرة ذلك، أنها تسعى لزيادة مبيعاتها الدولية للأسلحة.
كما ترى تركيا أيضاً في قطر سوقاً مستدامة لشركاتها الدفاعية. ومع ذلك، فإن مصالحها في الإمارة أبعد من ذلك بكثير، إذ تسعى شركات تعهدات البناء الرئيسية في تركيا، التي تدفع النمو الاقتصادي، إلى الحصول على عقودٍ مربحة من الدولة الغنية بالنفط، كما أن تركيا حريصة على جذب المزيد من الاستثمارات القطرية لتمويل المشاريع المحلية والأعمال التجارية. ومع امتنان القطريين لمثل هذه المكافأة المحتملة، فلربما لم يكن دعم أردوغان مفاجىءً.
أما على المستوى السياسي، تمتلك أنقرة والدوحة وجهات نظرٍ متشابهة حول مجموعة من القضايا الإقليمية؛ وهي محاباةٌ تقدرها تركيا. ففي سوريا ومصر وليبيا وغزة والمنطقة الكردية في العراق، تفضل الدولتان نفس الإسلاميين السنة. ومع رغبتهما المشتركة في الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، كانت تركيا وقطر من الداعمين الرئيسيين للجماعات المتمردة المعارضة، بما في ذلك جماعات الإسلاميين المتشددين، التي اجتذبت انتقادات إقليمية ودولية.
وبالمثل، كان موقف دولة قطر المعتدل تجاه إيران عاملاً رئيسياً في الأزمة الدبلوماسية. فالمملكة العربية السعودية، التي تعتبر إيران منافستها الرئيسية للهيمنة الإقليمية، ما فتئت تشعر بالقلق إزاء طموحات قطر وضع سياسة خارجية مستقلة عن جيرانها، وهي سياسة تخدم مصالحها بشكلٍ صريح. ومثل قطر، استفادت تركيا أيضاً من اتباع نهجٍ أكثر ليونة تجاه طهران لتحقيق مكاسب وطنية، واقتصادية على وجه الخصوص، ورفضت التوافق مع سياسة الخيار الواحد للمملكة العربية السعودية.
وفي تصريحاتٍ له في 13 يونيو 2017، وصف أردوغان الحصار على قطر بـ”اللاإنساني والمعارض للقيم الإسلامية،” في محاولةٍ لمراعاةٍ الهوية الدينية المشتركة لجميع الأطراف. ويتفق هذا الخطاب الديني مع رغبة تركيا في اعتبارها الحَكَم على القيادة الإسلامية في المنطقة، فضلاً عن سعيها لتحقيق نفوذٍ إقليمي ودولي أكبر.
في الواقع، وفي ظل حكم حزب أردوغان، حزب العدالة والتنمية، تدل سياسة تركيا في التعامل مع الإسلاميين السنة في أرجاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على اهتمامها بتماسك السنة على نطاق أوسع، وليس تحالفها مع قطر وحدها فحسب.
وفي هذا الصدد، بدا أن الربيع العربي خلط الأوراق لمصلحة تركيا، حيث وصل الإسلاميون إلى السلطة في تونس ومصر. ولكن بعد ست سنوات، ومع الإطاحة بجماعة الإخوان المسلمين في مصر ونأي حزب النهضة التونسي بنفسه عن الإسلام السياسي، لم يتبق سوى القليل من أحلام تركيا. وفي الوقت الراهن، لم يتبق لتركيا سوى قطر كصديقٍ مقرب وحليف.