تميّز عام 2016 بوحشية كبيرة شهدتها الحرب السورية، سيما عندما حاصرت القوات الموالية للحكومة المناطق الشرقية من حلب، التي يُسيطر عليها الثوار، في الأشهر الأخيرة من السنة. فقد كثف النظام وحلفائه حملاته لاستعادة السيطرة على المدينة من خلال انتهاج سياسة لا هوادة فيها من القصف الجوي الذي شهد أيضاً إلقاء أسلحة حارقة مثل القنابل الخارقة للتحصينات وقنابل الفوسفور. وبعد أشهرٍ من الاقتتال، اختتم الفصل الأخير من معركة شرق حلب بإجلاء أكثر من 40 ألف مدني وحوالي 4 آلاف مقاتل من الثوار من الجانب من المدينة الذي بات الآن تحت سيطرة النظام منذ 22 ديسمبر 2016. وقال الجيش السوري في بيانٍ رسمي نشرته وكالة الانباء السورية (سانا) أنه “حرر” حلب تماماً وأعاد “الأمن والاستقرار” إلى المدينة.
لم يكن إجلاء المدنيين والمقاتلين ممكناً إلا من خلال اتفاقٍ توسطت فيه روسيا وتركيا في 13 ديسمبر 2016، بالرغم من التحديات التي واجهت العملية عدة مراتٍ في الأيام التي تلت ذلك، من قِبل كلٍ من النظام والميليشيات الطائفية المتحالفة معه من جهة، وفصائل الثوار من جهةٍ أخرى. ومع ذلك، وفي محاولةٍ لتجنب المزيد من المعاناة داخل حلب، أجرت فرنسا وروسيا مشاوراتٍ مغلقة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وتم الإتفاق في 18 ديسمبر 2016 على مشروعٍ قرارٍ للأمم المتحدة بإرسال 100 مراقب دولي إلى شرق حلب لضمان الإخلاء الآمن والإيصال الفوري للمساعدات الإنسانية.
فقد كانت خسارة شرقي حلب، المعقل الحضري الرئيسي للثوار منذ عام 2012، بمثابة هزيمةٍ استراتيجية لما بات اليوم معارضةً ضعيفة. وعلى الرغم من سيطرتهم القائمة حتى الآن على محافظة إدلب المجاورة ومناطق واسعة من جنوب البلاد، إلا أن هزيمة الثوار في شرق حلب عززت موقف النظام وقدرته على البقاء في السُلطة حتى الإنتهاء من أعمال مفاوضات العملية السياسية، على الأقل.
وبعد إنتهاء عملية استعادة السيطرة على شرق حلب، أعلن الرئيس السوري بشار الأسد خلال لقائه مع وفدٍ إيراني أنّ الانتصارات الميدانية “خطوة أساسية في طريق القضاء على الإرهاب في كامل الأراضي السورية وتوفير الظروف الملائمة لإيجاد حلٍ ينهي الحرب.” ومع ذلك، تخشى الأمم المتحدة، فضلاً عن غيرها من الدول الغربية، أنّ الذين تم إجلاؤهم، والذين اختار غالبيتهم الإنتقال إلى محافظة إدلب المجاورة (التي تقع تحت سيطرة الجماعات الإسلامية)، قد يواجهوا وضعاً مماثلاً من الحرمان: دون غذاء، والقليل من الكهرباء والماء، وفي ظروف فصل الشتاء المتجمد. ومن المتوقع أنّ يكون هدف الأسد التالي في حملته هذه استعادة الأراضي التي خسرها في السابق.
وفي 23 ديسمبر2016، سلط المبعوث الخاص للأمم المتحدة في سوريا، ستيفان دي ميستورا، الضوء على ضرورة وقف الأعمال العدائية في جميع أنحاء سوريا من أجل تجنب حربٍ دموية أخرى مماثلة لمعركة حلب. وتحدث دي ميستورا في جنيف حول الأشخاص الذين تم إجلاؤهم، قائلاً “ذهب كثيرون منهم إلى إدلب التي يمكن أن تصبح حلب التالية.”
وفي تغيّرٍ سريعٍ للأحداث، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوم الخميس الموافق 29 ديسمبر 2016، في لقاءٍ تلفزيوني مع وزراء خارجية ودفاع روسيا، أن اتفاقاً قد تم التوصل إليه سيضع حداً للقتال بين قوات النظام السوري والثوار. ووفقاً لوكالة الأنباء الحكومية الرئيسية في روسيا (تاس)، قال بوتين أن الجانبين اتفقا أيضاً على الدخول في محادثات سلام، والتي ستعقد في كازاخستان لإنهاء الصراع المستعر منذ ما يقرب من ست سنوات. ووضح بوتين، متحدثاً قبل بدء الهدنة، أن وقف إطلاق النار هش وقال أن الأمر “يتطلب الكثير من الاهتمام.” ومن هنا، تم التوقيع على ثلاث وثائق: اتفاق وقف اطلاق النار بين الحكومة السورية والمعارضة المسلحة؛ وقائمة من تدابير الرقابة لضمان فعالية وقف إطلاق النار؛ وبيان حسن نية للبدء بمفاوضاتٍ بنهايةٍ سياسية للصراع.
ونتيجةً لذلك، دخل وقف إطلاق النار– وهي المحاولة الثالثة للهدنة هذا العام- حيز النفاذ في منتصف ليل الخميس (الساعة 10 مساءً بتوقيت غرينتش)، يوم الـ29 من ديسمبر2016. فقد كانت سوريا تختبر اليوم الأول من وقف إطلاق النار على مستوى البلاد بأكملها. وفي يوم الجمعة الموافق 30 ديسمبر، ذكرت وكالة الأنباء الرسمية (سانا) أن الجيش السوري قد أوقف عملياته ما عدا العمليات ضد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” والجماعات الإرهابية الأخرى مثل جبهة فتح الشام، والتي كانت تمثل في السابق جناح تنظيم القاعدة في سوريا، قبل أن تقطع علناً علاقاتها مع الشبكة الإرهابية العالمية العام الماضي.
وبعد عدةٍ ساعاتٍ من المفاوضات في أنقرة، وقعت الجماعات الاسلامية المتمردة، حركة أحرار الشام الاسلامية، وجيش الإسلام الذي يتخذ غالبية عناصره من دمشق مقراً له، على الاتفاق. وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان، ومقره لندن، عدة انتهاكاتٍ من كلا الجانبين في محافظات حماة وإدلب، ولكن الهدوء ساد في اليوم التالي في الأراضي المدرجة في الاتفاق. ومع ذلك، وفي وقتٍ لاحق، ذكر كلا الجانبين وقوع المزيد من الانتهاكات.
فهناك بعض الإلتباس حول أي جماعات من الثوار وقعت على إتفاق الهدنة، إلا أن كلا الجانبين اللذان توسطا في الإتفاق يأملان صمود الهدنة إلى حين عقد محدثات السلام المخطط لها في أستانا، عاصمة كازاخستان. ولم يتم الإعلان بعد عن تاريخ محادثات السلام، التي يؤمل عقدها منتصف يناير.
وأعرب إبراهيم كالين، ﺍﻟﺴﻜﺮﺗﻴﺮ ﺍﻟﺼﺤﻔﻲ للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، عن أمله في أن يلعب وقف إطلاق النار دوراً مهماً في إيصال “المساعدات الإنسانية دون إنقطاع،” في سوريا و”إعادة إحياء جهود الحل السلمي لإنهاء الأزمة السورية.” وأضاف وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، أن كلاً من الروس والأتراك يدعمان الإتفاقية بالكامل، باعتبارهما الجهات الضامنة. وقال رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدريم، أيضاً أنّ الجماعات المُدرجة على قائمة المنظمات الإرهابية لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، مثل تنظيم الدولة الإسلامية “داعش،” مستثناة من هذا الإتفاق.
وأضاف وزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو أن أي من الجماعات المسلحة الموجودة في سورية، والتي لم تراع الهدنة، ستعتبر جماعة “إرهابية.”
وأخيراً، أصدر الكرملين بياناً يُفيد فيه أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والرئيس السوري بشار الأسد، ناقشا الإتفاقية في إتصالٍ هاتفي. وذكر البيان على وجه التحديد أنّ الأسد وافق على الإمتثال للإتفاقية ذلك أنه رأى فيها خطوة أساسية للتوصل إلى حلٍ نهائي للأزمة.
ومع ذلك، كان الغياب الدبلوماسي الأبرز من الوساطة في الإتفاقية للولايات المتحدة الأمريكية. فبسبب السياسة الخارجية للرئيس أوباما، الأقل انخراطاً في الاضطرابات السورية، يبدو أنّ الولايات المتحدة غيبت نفسها عن المشهد في الأشهر الأخيرة، سيما مع تزايد التدخل العسكري والدبلوماسي لموسكو في سوريا. كما غابت كلٌ من إيران والمملكة العربية السعودية أيضاً، إلا أن إيران ستشارك في محادثات السلام في كازاخستان، مع احتمالية انضمام المملكة العربية السعودية في مرحلةٍ لاحقة.
ويوم السبت الموافق 31 ديسمبر 2016، أيدّ مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بالإجماع وقف إطلاق النار ساري المفعول في سوريا، فضلاً عن خطة محادثات السلام التي ستعقد في العاصمة الكازاخستانية. ودعا قرار مجلس الأمن رقم (2336) إلى إيصالٍ “سريعٍ وآمن دون عوائق” للمساعدات الإنسانية في جميع أنحاء البلاد. وقال مبعوث الأمم المتحدة الخاص لسوريا أنه ينوي جمع ممثلي الأحزاب المتنافسة في الصراع لإجراء محادثاتٍ في جنيف بعد محادثات السلام، في 8 فبراير 2017.
وفي الثاني من يناير 2017، أصدرت 13 منظمة من منظمات المجتمع المدني السورية بياناً حول اتفاق وقف إطلاق النار وقرار مجلس الأمن الدولي رقم (2336). والذي رحبت فيه “بأي اتفاقٍ جدي وذي مصداقية لوقف إطلاق النار لما يُجنب شعبنا السوري الصامد المزيد من الدم والقتل والدمار.” ومع ذلك، وبما أن تفاصيل الإتفاق التركي الروسي لا تزال غامضة وسرية، طالبت منظمات المجتمع المدني بنشر المزيد من التفاصيل، بالإضافة إلى “نشر وتوضيح دور الجهات الضامنة (روسيا الإتحادية وتركيا) وآليات الإلزام والمحاسبة لأي خرق.”