وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

سوريا: محادثات سلام جنيف 1 و جنيف 2 (2012 – 2014)

محادثات سلام جنيف 2 مظاهرة
متظاهرون أمام مبنى الأمم المتحدة في جنيف يطالبون بالعدالة في سوريا (Photo HH)

المقدمة

مؤتمر “جنيف 2” للسلام في الشرق الأوسط هو سلسلة جولات من مفاوضات دولية تدعمها الأمم المتحدة بهدف معالجة وإنهاء الأزمة السورية المستمرة منذ اندلاع شرارة الثورة ضد نظام حكم الأسد في سوريا في بداية العام 2011. وتركّز آلية “جنيف 2” على جمع فريقي النظام والمعارضة السوريين حول طاولة واحدة لإيجاد حلّ سلمي للأزمة السورية وإمكانية تشكيل حكومة انتقالية تدير البلاد إلى حين إجراء انتخابات حرّة وتشكيل الجمهورية السورية الجديدة.

الأهداف

تم عقد الجولة الأولى من محادثات “جنيف 2” الساعية لمعالجة الأزمة السورية في مونترو في 22 كانون الثاني/يناير 2014 وفي جنيف في 23-31 كانون الثاني/يناير 2014. ثم عقدت جولة ثانية من 10 الى  15 شباط/فبراير في جنيف. ويمثّل “جنيف 2” حصيلة تفاهم ودولي تمّ التوصّل إليه في “جنيف 1″، ويتلخص في اعتماد الحلّ السلمي لا العسكري للأزمة السورية، ووقف أعمال العنف، وبدأ العمل حول تأسيس الجمهورية السورية الجديدة، وتنفيذ “بيان جنيف” الصادر عن “مجموعة العمل من أجل سوريا” في 30 حزيران/يونيو 2012، والذي أعلن أن أي تسوية سياسية للأزمة السورية يجب أن تتضمن مرحلة انتقالية من خصائصها.

"جنيف 1"

بعد أكثر من عام على بدء الأزمة السورية، في 30 حزيران/يونيو 2012، استضاف مكتب الأمم المتحدة في جنيف اجتماعاً، عُرف لاحقاً بـ”جنيف 1″، لـ”مجموعة العمل من أجل سوريا”، برئاسة المبعوث الخاص المشترك للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية لسوريا، والذي ضمّ كلا من الأمين العام للأمم المتحدة والأمين العام لجامعة الدول العربية ووزراء خارجية الاتحاد الروسي وتركيا والصين والعراق(رئيس مؤتمر قمة جامعة الدول العربية آنذاك) وفرنسا وقطر (رئيسة لجنة جامعة الدول العربية لمتابعة الوضع في سوريا آنذاك) والكويت (رئيسة مجلس وزراء الخارجية التابع لجامعة الدول العربية) والمملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وأيرلندا الشمالية والولايات المتحدة الأميركية وممثلة الاتحاد الأوروبي السامية للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية. ونصّ البيان الختامي للمؤتمر على:

– توفير مستقبل يمكن أن يشارك فيه كل السوريين.
– تحديد خطوات واضحة وفق جدول زمني حاسم باتجاه تحقيق ذلك المستقبل.
– أن تكون هذه التسوية قابلة للتحقق في مناخ من الأمن والهدوء والاستقرار للجميع.
– أن يتم التوصل لهذه المرحلة الانتقالية بسرعة دون مزيد من إراقة الدماء والعنف.

وحدد البيان الخطوات الرئيسية في المرحلة الانتقالية وهي:

– تأسيس هيئة حكم انتقالي بسلطات تنفيذية كاملة تتضمن أعضاء من الحكومة السورية والمعارضة ويتم تشكيلها على أساس القبول المتبادل من الطرفين.
– مشاركة جميع عناصر وأطياف المجتمع السوري في عملية حوار وطني هادف.
– مراجعة النظام الدستوري والقانوني في سوريا.
– إجراء انتخابات حرة ونزيهة وتعددية لشغل المؤسسات والمناصب الجديدة التي يتم تأسيسها.
– تمثيل كامل للمرأة في كافة جوانب المرحلة الانتقالية.

من هنا، كان لا بد من الضغط على فريقي النزاع الرئيسيين في سوريا، أي النظام والمعارضة، للجلوس إلى طاولة الحوار. وفي كانون الأول/ديسمبر 2013، أعلن المبعوث الدولي للامم المتحدة الأخضر الابراهيمي قائمة الدول المشاركة في مباحثات “جنيف 2”. واعترضت الولايات المتحدة الاميركية والجيش السوري الحر ّعلى أي مشاركة لإيران في مباحثات “جنيف 2” ما اضطرّ الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إلى سحب دعوة إيران لحضور المؤتمر، خاصة وأنّ الأخيرة  لم تكن تدعم الاتفاق الذي تم التوصل إليه في “جنيف 1” حول الانتقال السياسي السلمي في سوريا.

الخلافات

حظي “جنيف 2″ بمشاركة من قبل كل من النظام السوري و”الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية“، وهو مظلّة سياسية تجمع أهم مكونات المعارضة السورية، وذلك برغم انسحاب “المجلس الوطني السوري”، أكبر كتل الائتلاف، من الائتلاف احتجاجاً على استمرار النظام بممارسة سياسة العنف في سوريا بموازاة المفاوضات المزمعة.وكان الائتلاف قد رفض سابقاً المشاركة في “جنيف 2” من دون ضمانات باستبعاد الأسد من أي حكم مستقبلي في سوريا، لكنه عدل عن رفضه تحت ضغوط من دولية وعربية. وقاطع نحو ثلث أعضاء الائتلاف التصويت الذي جرى في اسطنبول لحضور المؤتمر لاعتقادهم بأن نشطاء المعارضة والمقاتلين داخل سوريا يرفضون تفويض الائتلاف بالمشاركة في “جنيف 2”. أما رئيس الائتلاف أحمد الجربا فقال إن مشاركة الائتلاف في “جنيف 2” لا تعني بأي كل أنه سيساوم على أي من أهدافه “وأولها تنحية القاتل عن السلطة”.

فضلاً عن “المجلس الوطني السوري”، رفضت “لجنة التنسيق الوطنية”، وهي من قوى المعارضة في الداخل، المشاركة في “جنيف 2″، فيما أعلنت القوى الكردية رغبتها في إرسال وفد للمشاركة في جنيف على ألا يكون جزءا من وفد الائتلاف المعارض. ميدانياً، أعلن المجلس العسكري الأعلى للجيش السوري الحرّ رفضه المشاركة في “جنيف 2” لغياب أي ضمانات بتنحي الأسد عن السلطة. من جانبها حذرت “الجبهة الإسلامية السورية”، وهي تحالف قوي من الجماعات الاسلامية المقاتلة، أنها ستعتبر المشاركة في جنيف بمثابة “خيانة”.

خلال محادثات “جنيف 2″، طرح كل من الأطراف وجهة نظره لجدول أعمال المؤتمر، وأدى الابراهيمي دوراً بارزاً في تدوير زوايا الخلاف. وفيما اتجهت المفاوضات في بدايتها إلى بحث نقتطين أساسيتين، هما “الإرهاب” والحكومة الإنتقالية، اختلف الطرفان حول عدد من النقاط، منها أن النظام السوري أعلن أنه لن يقوم “بتسليم السلطة لأي طرف”. وجاء في بيان صدر عن وزارة الخارجية السورية إن الرئيس السوري بشار الأسد أرسل ممثليه إلى جنيف “لتحقيق مطالب الشعب السوري وأولها القضاء على الإرهاب”، وذلك في غمزٍ من مصداقية النشاط الميداني للمعارضة. وانتقد البيان موقف كل من بريطانيا وفرنسا لإعلانهما أن الأسد ليس له دور في مستقبل سوريا. وكان الأسد قال خلال مقابلة أجراها قبل ثلاثة أيام من انعقاد “جنيف 2″، إن هناك احتمالا كبيرا لترشحه لفترة رئاسية ثالثة في الانتخابات المقبلة، مستبعداً فكرة تقاسم السلطة مع المعارضة.

النتائج

انتهت جولات المفاوضات من دون التوصل الى أي اتفاق أو بيان مشترك، فعلقت جلسات الحوار وتقدّم الابراهيمي بـ”اعتذار” من الشعب السوري كان بمثابة إعلان رسمي لفشل “جنيف 2”. أكثر من ذلك، نشرت تقارير عن منظمات حقوقية وإنسانية دولية أظهرت أن أعمال العنف في سوريا أسفرت عن مقتل قرابة ألفي شخص خلال أيام انعقاد المؤتمر، ما ضاعف من فشله بالنسبة للشعب السوري والرأي العام العالمي.

وبحسب رأي مراقبين، تتمثّل أهم أسباب فشل “جنيف 2” بعدم نضج أيّ تسوية إقليميّة ودوليّة خاصة بالملفّ السوري، واستمرار الدعم الدولي للفريقين المُتواجهين بما يلزم من سلاح وعتاد وخبرات، فضلاً عن اقتناع النظام السوري بأنّ صموده بوجه الهجمة الأمنيّة عليه طوال ثلاث سنوات حسم مسألة إسقاطه بالقوة بشكل نهائي. وهو ما انعكس في تصريحات الوفد السوري في سويسرا.

وأمام مُطالبة المعارضة السورية بتنحّي الرئيس الأسد وبتشكيل هيئة حكم إنتقالية كمخرج وحيد للأزمة الدموية في سوريا، وردّ النظام بأنّ هذه الدعوات هي عبارة عن أوهام بالتزامن مع المطالبة بإجراءات دولية شاملة لمواجهة “الإرهاب”، وفي ظلّ غياب أيّ دور دولي ضاغط بشكل جدّي لفرض التسوية على الجميع، ضاعت فرصة مؤتمر “جنيف 2″، وفُتح الباب أمام جولات جديدة من العنف في الداخل السوري. وتمثّل أفضل ما خرج به المُجتمعون بإدخال بعض المساعدات الإنسانية إلى عدد من البلدات والمدن المحاصرة، وفي إطلاق مجموعة من المعتقلين والسجناء.

وتأثراً بالنتائج السلبية التي آلت إليها المفاوضات، اتسعت رقعة المواجهة في الداخل السوري وازدادت وتيرة العنف المتمثلة باستعمال النظام للطيران الحربي والمدفعية الثقيلة والبراميل المتفجرة ضد المدن والأحياء السكنية، وارتفاع عدد القتلى والجرحى، إضافة إلى تنفيذ هجمات عنيفة من قبل قوات النظام وحلفائه من “حزب الله” و”لواء أبو فضل العباس” وغيرهما على محاور القتال في القلمون وحمص وحلب وحماة وريف دمشق ودرعا وغيرها.

وخلق هذا التطور تصوراً لدى البعض بأن النظام بات يمسك بيده الخيوط الأساسية لإدارة المعركة وربما لحسمها لصالحه. وبرغم اعتبار الدول الكبرى بما فيها الولايات المتحدة أن مباحثات “جنيف 2” تمثّل “أفضل فرصة للمعارضة السورية لكي تحقق أهداف الشعب السوري وثورته”، إلا أن تحقيق تقدم ملموس أمر غاية في الصعوبة. ويرجع ذلك إلى أن الطرفين الرئيسيين لديهما أهداف متناقضة تماماً، فالحكومة السورية أكدت مرارا أن مسألة رحيل الأسد عن السلطة ليست محلا للتفاوض، بينما يؤكد ائتلاف المعارضة أنه لا يجب أن يكون للأسد أي دور في هيئة الحكم الانتقالي التي نص عليها بيان جنيف واحد.

وكان وزير المصالحة الوطنية السوري، علي حيدر، قال قبل أيام من “انعقاد جنيف 2”: “لا تتوقعوا شيئا من جنيف 2، فلن يحل جنيف 2 أو جنيف 3 أو 4 الأزمة السورية. الحل بدأ وسيستمر عبر الانتصار العسكري للدولة”.

ومن المزمع عقد جولة ثالثة من “مؤتمر 2” في موعد غير محدّد بعد. غير أنّ حظوظ انعقاد جولة كهذه لا تبقى ضئيلة بحسب المعطيات الحالية، إذ سيكون من الصعب تطبيق أي تسوية سياسية على الأرض بغياب إرادة جدية للنظام السوري، خاصة وأن معظم الفصائل الرئيسية المقاتلة في سوريا تبقى غير راضية عن “جنيف 2” كما أنها لا تمتثل لقرارات الائتلاف السوري الذي يمثّل المعارضة السورية في محادثات السلام.

Advertisement
Fanack Water Palestine