وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الخصام الملكي الأردني يكشف النقاب عن سخطٍ شديد

الخصام الملكي الأردني: الملك الأردني عبد الله الثاني
نساء يمشين أمام ملصق للملك الأردني عبد الله الثاني في أحد شوارع العاصمة عمان ، في 6 أبريل 2021 ، بعد حملة أمنية كشفت عن توترات في النظام الملكي. المصدر Khalil MAZRAAWI / AFP

مات ناشد

يحتاج الأردن إلى لقبٍ جديد، إذ لم يعد اللقب المتعارف عليه بـ”مملكة الملل الهاشمية” ساري المفعول بعد اليوم وذلك بعد أن بلغ الخلاف الملكي بين الملك عبد الله الثاني وأخيه غير الشقيق حمزة بن الحسين ذروته في الثالث من أبريل 2021.

شهدت أحداث ذلك اليوم وضع الأمير حمزة قيد الإقامة الجبرية واتُهم بقيادة “مؤامرة مدعومة من الخارج” تستهدف أمن واستقرار الأمة. وعليه، اعتقلت المملكة 18 شخصية بارزة أخرى لتورطهم في المؤامرة المفترضة، إذ كان من بينهم باسم عوض الله، الذي شغل سابقاً منصب مدير مكتب الملك ورئيساً للديوان الملكي، ويُعرف اليوم بعمله مستشاراً لولي العهد السعودي محمد بن سلمان.

ومع ذلك، لم يفهم غالبية الأردنيين ولا مراقبي الشأن الأردني العلاقة بين الأمير حمزة وعوض الله، إذ يُعرف الأمير حمزة بعلاقاته المتينة التي تربطه بالعشائر الأردنية في الضفة الشرقية، الذين احتج العديد منهم على تراجع نفوذهم في السنوات الأخيرة. وعليه، تنظر هذه العشائر إلى الملك عبد الله باعتباره جزءاً من المشكلة، فمن وجهة نظرهم، يجسد الملك نخبة الأردنيين من أصولٍ فلسطينية الذين أضعفوا دور العشائر التقليدي في المملكة.

وباعتقال باسم عوض الله، بدا أن الأردن يوجه أصابع الاتهام إلى المملكة العربية السعودية باعتبارها “القوة الأجنبية” التي تحرّض على عدم الاستقرار في المملكة الهاشمية، بيد أن أي تدخلٍ من محمد بن سلمان سيكون ضرباً من الحماقة، حتى بحسب معاييره، إذ ما يزال ولي العهد السعودي ملتزماً بالقاعدة الضمنية التي تدعم العلاقة بين الأنظمة الملكية العربية: إياك أن تُشعل الاضطرابات الشعبية ضد حاكم استبدادي آخر إن كنت لا تريده أن يستغل السخط في بلدك؛ وهو القانون الذي يحكم بشكلٍ عام العلاقة بين جميع الطغاة في العالم العربي.

وإحقاقاً للحق، نفى الأمير حمزة محاولته زعزعة استقرار البلاد، سواء كان ذلك بمساعدةٍ خارجية أو من دونها. وفي أعقاب اعتقاله، نشر مقطعي فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي قال فيهما إنه يرفض أن يُسكته الجيش، ثم اتهم المملكة باختلاس الأموال العامة منذ تولي الملك عبد الله الثاني العرش بعد وفاة والد حمزة، الملك الحسين بن طلال.

انتشرت مقاطع الفيديو كالنار في الهشيم مما دفع العديد من الأردنيين إلى الاستنتاج أن الدولة لم تحرك ساكن لوقف الانقلاب المزعوم، بل يعتقد الكثيرون أن الملك سعى فقط إلى فرض سطوته على الأمير حمزة بسبب تزايد شعبيته.

يرجع هذا التزاحم بين الأمير والملك إلى عام 2004 عندما أعفى الملك عبد الله الأمير حمزة من ولاية العهد ونصبّ نجله الأمير الحسن بدلاً منه. ومنذ ذلك الحين، صقل الأمير حمزة صورته بالاستفادة من المظالم التي وصلت حدّ الغليان في أوساط شريحة كبيرة من السكان.

من جهته، يُقدم برنامج الرينبو الإذاعي صورةً واضحة عن معاناة الأردنيين، إذ غالباً ما تصدح أصوات المتصلين على البرنامج الإذاعي الذي يُبث في الساعة الثالثة عصراً من العاصمة عمّان، وهم يشكون من الصعوبات الاقتصادية الناشئة في ظل جائحة كورونا. وفي الأسابيع الأخيرة، ألقى المزيد من المتصلين باللوم على الملك عبد الله على وجه التحديد لتسببه في المحنة التي تعاني منها البلاد.

وعلى حد تعبير محمد العرسان، مُقدّم البرنامج، “يقول الناس اليوم أن الملك هو المسؤول عن جميع المحسوبية والفساد.” وأضاف “يعبرون عن ذلك صراحةً سواء عبر أثير الإذاعات وحتى في المظاهرات.”

رد الملك على تنامي السخط الشعبي بفرض المزيد من الرقابة والترهيب، ففي عام 2019، اعتقلت الحكومة العشرات من الأعضاء البارزين في نقابة المعلمين الأردنيين قبل صدور قرارٍ بحلها. وعليه، تظاهر المعلمون للمطالبة بوفاء الحكومة بوعدها بزيادة رواتبهم بنسبة 50%.

وعلى مدى السنوات العديدة الماضية، تراجع تصنيف الأردن أيضاً من المرتبة 45 إلى 60 على مؤشر مدركات الفساد الذي تنشره منظمة الشفافية الدولية سنوياً. بل الأكثر دلالة على ذلك تغيير منظمة فريدوم هاوس، وهي منظمة أمريكية غير ربحية تدافع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، تصنيف الأردن من بلدٍ “حر جزئياً” إلى بلدٍ “غير حُر.”

علاوةً على ذلك، أدى سوء إدارة الأردن للوباء إلى تفاقم المظالم، فإلى الآن، توفي حوالي 7600 شخص بسبب الوباء بينما أصيب أكثر من 633 ألف شخص – وهو عدد كبير نسبياً مقارنةً بعدد سكان المملكة البالغ عشرة ملايين فقط. كما ارتفعت معدلات الفقر بنسبة 39% خلال 2020، بينما يعاني نصف الشباب في البلاد من البطالة بسبب تأثير الوباء على القطاع السياحي.

من جانبه، عبّر الأمير حمزة عن السخط الشعبي على أعلى المستويات. وسواء كان صادقاً أم له مآرب أخرى، فهذا ليس بيت القصيد في الوقت الراهن، بل من الواضح أن مكانته الملكية لم تكن طوق نجاته لتخطيه الحدود في الرابع عشر من مارس.

في ذلك اليوم، زار الأمير حمزة مدينة السلط لتقديم واجب العزاء لأقارب تسعة مصابين بفيروس كورونا والذي قضوا نحبهم بعد نفاد الأكسجين في المستشفى. أثار الإهمال الطبي موجةً من الاحتجاجات في البلاد، في حين تطلع الأمير حمزة إلى استغلال الحادثة على المستوى السياسي، وبحسب ثمانية مسؤولين تحدثوا لرويترز، اعتُبرت هذه البادرة تقويضاً لشرعية الملك وولي العهد.

وبما أن الأردن بات محل أنظار العالم، تضررت سمعة البلاد باعتبارها واحةً للاستقرار. ولمعالجة هذه الصورة، ظهر الأمير حمزة برفقة الملك عبد الله أمام العامة في 11 أبريل 2021، حيث تلا الرجلان آيات من القرآن في محاولةٍ لإثبات وحدتهما. ومع ذلك، لم تنطلي الحيلة على العديد من المراقبين لإقناعهم بأن العائلة المالكة على خير ما يرام.

وعلى وجه الخصوص، لا ينبغي لواشنطن أخذ استقرار المملكة باعتباره من المسلمات، ذلك أن علاقتها المستقبلية مع الأردن وتعاونها الأمني الوثيق رهن قدرة الملك عبد الله على استعادة الثقة الشعبية. وعليه، يمكن للولايات المتحدة مد يد العون من خلال تشجيع الملك على القضاء على المحسوبية، التي تقوض دور وهدف وزارات ومؤسسات الدولة.

بدايةً وقبل كل شيء، يحتاج الأردن إلى برلمانٍ يعكس بصدق آراء شعبه ويستفيد من مناخ حرية التعبير. بهذه الطريقة، يمكن سماع النقد ومناقشته وليس إسكاته.

كما ينبغي أن تصاحب هذه الإصلاحات الليبرالية تغييراتٍ تدريجية في الاقتصاد، ونقصد بالتدريجي هنا أن ينأى صندوق النقد الدولي بنفسه عن ممارسة الضغط على الأردن لاعتماد تدابير تقشف سريعة من شأنها أن تثير الاضطرابات في المملكة شديدة الحساسية، فالأردنيون يعانون بما فيه الكفاية.

العبرة الأساسية من قضية الأمير حمزة هي أن شرعية الملك يقوضها فشله في تحسين حياة الأردنيين. ومع ذلك، لا يعدّ تقلّد الأمير حمزة للعرش الحل المنشود، إذ يُمثل التحول الديمقراطي السبيل الوحيد للمضي قُدماً للمملكة الهاشمية وشعبها.