مات ناشد
يتولى أمير دولة الكويت الجديد، الشيخ نواف الأحمد الصباح، مقاليد الحكم في واحدةٍ من أغنى دول العالم في إنتاج النفط. فقد أدى الأمير البالغ من العمر 83 عاماً اليمين الدستورية في 14 سبتمبر2020، بعد يومٍ واحد من وفاة أخيه غير الشقيق الشيخ صباح الأحمد الصباح في مستشفى مينيسوتا عن عمرٍ يناهز الـ91 عاماً.
خلّف الشيخ الصباح إرثاً منمقاً، فقد عمل بدايةً كدبلوماسي كويتي ليصبح بعدها أميراً للبلاد منذ عام 2006 وحتى وفاته. وطوال العقد الماضي، حاول تهدئة التوترات التي اشتعلت بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وإيران وقطر، كما أصلح علاقات بلاده مع العراق بعد أكثر من ثلاثين عاماً على غزو الديكتاتور السابق صدام حسين للكويت عام 1990.
وخلال الغزو، الذي شكلّ صدمةً وفرّق العالم العربي على حد سواء، خدم الشيخ نواف وزيراً للدفاع، كما شغل الأمير بعد ذلك، المتزوج وله أربعة أبناء وإبنه، منصب نائب رئيس الحرس الوطني الكويتي. وأخيراً، عُيّن ولياً للعهد، واليوم، بصفته أميراً للبلاد، يعد بمواصلة إرث أخيه غير الشقيق.
ومع ذلك، لا تزال خيارات الشيخ نواف السياسية تتسم بالغموض. وعلى عكس أسلافه، لم يشغل قط منصب رئيس الوزراء قبل توليه منصب الأمير، بيد أنه يواجه العديد من التحديات للحفاظ على دور الكويت التقليدي كصانع سلامٍ إقليمي.
أولاً وقبل كل شيء، تتعامل الكويت مع أعلى عجزٍ في الميزانية في تاريخها والذي نتج عن جائحة فيروس كورونا التي أضعفت أسعار النفط. حاولت الكويت التعامل مع الأزمة الاقتصادية بفرض إجراءاتٍ تقشفية، لكن التقشف أدى فقط إلى اندلاع أحداث عرضية من الاضطرابات الاجتماعية بسبب خفض وظائف القطاع العام والإعانات.
ونتيجةً لذلك، تتعامل الكويت مع أزمة سيولةٍ حادة، مما يترك الحكومة بلا خيار سوى الاقتراض من مؤسسات التمويل الدولية. لكن هذا الحل المحتمل تم رفضه بالتصوت في البرلمان. ويعتقد المعلقون اليوم أن السبيل الوحيد للتغلب على المأزق السياسي هو أن يقوم الشيخ نواف بمحاولة المصالحة الوطنية.
وعليه، يُحسب له محاولة القيام بذلك. وخلافاً لسلفه، التقى الشيخ نواف باثنين من السياسيين المخضرمين في المعارضة الكويتية، وسط دعواتٍ لقادة المعارضة المنفيين للعودة إلى الساحة السياسية. كما طرح الشيخ نواف إصلاحاتٍ واقتراحات اقتصادية من خصمين سياسيين آخرين.
تعدّ هذه المناورات غاية في الأهمية لإقناع البرلمان المقبل بالموافقة على قانون يخول الكويت اقتراض الأموال من المؤسسات المالية الدولية، إذ دون إجماعٍ في البرلمان، قد تكافح الكويت لمراوغة الضغوط السعودية والإماراتية. ففي نهاية المطاف، ستحرص كل من الرياض وأبو ظبي على تقديم المساعدة المالية للكويت من أجل وضع البلاد ضمن دائرة نفوذها.
علاوةً على ذلك، قد تحاول المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة أيضاً شق طريقهما من خلال الشيخ مشعل، ولي عهد الكويت الحالي. وكحال محمد بن سلمان ومحمد بن زايد، يشاركهما الشيخ مشعل بُغضاً تجاه الإسلاميين والإخوان المسلمين. ولكن على الرغم من تحيزاته، يعتقد خبراء الخليج أن الكويت لن تنقلب على قطر – الراعي الأساسي للإخوان المسلمين في المنطقة – لإرضاء جيرانها الأكبر حجماً.
وفي هذا الصدد، صرح جورجيو كافييرو، الرئيس التنفيذي لشركة جولف ستايت أناليتكس، وهي شركة استشارية مقرها واشنطن العاصمة، لفَنَك أن الكويت دولة ذات مؤسسات قوية مقارنةً بجيرانها الخليجيين. وأضاف أن هذه المؤسسات تحدّ من سلطة أي فرعٍ من فروع الحكومة أو الأفراد. كما أن للكويتيين رأياً حقيقياً في شؤون بلادهم، وقد عارض معظمهم منذ فترة طويلة أي شخصية تدعو إلى الهيمنة السعودية أو الإماراتية.
وشدد كافييرو على أنه “ينبغي لصناع القرار في السياسة الخارجية أخذ الرأي العام في الاعتبار في الكويت،” وتابع القول “وبما أن سياسة صباح الخارجية لا تزال تحظى بشعبيةٍ كبيرة بين الكويتيين، أعتقد أنه يمكننا توقع استمرارها.”
من جهته، لا يدعو هاني صبرا، الخبير في الشؤون الخليجية ومؤسس شركة أليف الإستشارية، إلى نفس القدر من التفاؤل، إذ قال لفَنَك إن الرأي العام وحده يمكنه منع قادة الكويت المستقبليين من التمحور نحو فلك الرياض، “أعتقد أن [الرأي العام] مهم، لكنه ليس عاملاً حاسماً،” على حد تعبير صبرا.
في الوقت الراهن، يتوقف مستقبل الكويت على عاملين: نتيجة الانتخابات البرلمانية المقبلة والمرشح الذي سيختاره الشيخ نواف ولياً للعهد. ومن الجدير بالذكر أن البرلمان المكوّن من 50 عضواً منتخباً، مكلف بالموافقة على مرشح ولي عهد الأمير، كما يتمتع بنفوذ تمرير أو حظر التشريعات. ومع ذلك، لا يزال الأمير يحتفظ بسلطة حل البرلمان واستخدام حق النقض ضد التشريعات التي يوافق عليها البرلمان.
من جهتها تتوقع كورتني فرير، زميلة غير مقيمة في معهد بروكينغز، من أن الأمير الجديد سيعين إما الشيخ ناصر صباح الأحمد الصباح أو الشيخ ناصر محمد أحمد الجابر الصباح.
الشيخ السابق الذكر هو ابن الأمير الراحل ويبلغ من العمر 72 عاماً ومن أشد المؤيدين لـ”رؤية الكويت 2035،” والتي تهدف إلى تنويع الاقتصاد وفطم البلاد عن النفط. ومع ذلك، أقيل من الحكومة 2019بعد اتهامه رئيس الوزراء بالفشل في قمع الفساد. أما المرشح الثاني، 79 عاماً، هو رئيس الوزراء الأسبق وابن شقيق الشيخ نواف، الذي استقال في عام 2011 في ظل الاضطرابات الشعبية التي اندلعت بسبب مزاعم بالفساد.
أياً كان من سيتم إختياره- على إفتراض موافقة البرلمان على مرشح الشيخ نواف- سيساعد في تشكيل السياسة الداخلية والخارجية للكويت. ولكن، بفضل المؤسسات القائمة، تعتقد فرير أن شخصيةً قمعيةً مثل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لن يتقلّد السلطة في الكويت.
علاوةً على ذلك، ستلعب الانتخابات الأمريكية في نوفمير 2020 أيضاً دوراً في تحديد مسار السياسة الكويتية والمنطقة الأوسع. وفي حال فوز جو بايدن، فمن المحتمل دعوة الكويت للتوسط في محادثات بناء الثقة بين واشنطن والرياض وأبو ظبي وطهران. ومع ذلك، من الصعب التنبؤ بدور الكويت في النزاعات المستقبلية حيث أن لا أحد يعرف الشكل الذي ستتخذه هذه الخلافات. كل ما هو مؤكد هو أن الكويتيين يفضلون أن تحتفظ قيادتها بدور صانع السلام المحايد في المنطقة.