وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

انتخابات لبنان 2018: القادمون الجدد يتطلعون إلى عزل الحرس القديم

انتخابات لبنان 2018
صورة التقطت للوحة إعلانية كبيرة لحركة أمل ذات الأغلبية الشيعية، والتي تحمل عبارة “صوتك أمل للحدود،” على الطريق السريع في مدينة صور الساحلية، جنوب لبنان. Photo AFP

يستعد الناخبون اللبنانيون لانتخاب برلمانٍ جديد لأول مرة منذ تسع سنوات، في ظل قانونٍ إنتخابي ودوائر إنتخابية جديدة تم تبنيها عام 2017.

فقد أثارت الانتخابات البرلمانية، التي من المزمع عقدها في 6 مايو 2018، الآمال لدى بعض – لا سيما الشباب اللبناني الذي أصبح نشطاً في حركات الاحتجاج وحملات المجتمع المدني في السنوات الأخيرة – بأن التغيير في الوضع السياسي القائم منذ فترةٍ طويلة قد يكون قريباً. كما ألهمت الانتخابات صعود أحزاب سياسية جديدة وعدت بالإصلاح.

وبالرغم من ذلك، لا يزال آخرون تتملكهم السخرية، إذ يؤمنون أن صناع القرار الحاليين قد صاغوا القوانين الحالية بما يضمن سيطرتهم على السلطة. بينما لا يزال آخرون أيضاً ينظرون إلى الآفاق المستقبلية للانتخابات بعين القلق، إذ يخشون أن تؤدي إلى زعزعة ميزان القوى الحساس الذي منع لبنان من الإنزلاق مرةً أخرى إلى الحرب الأهلية، على الرغم من الصراع المرير الذي دام سبع سنواتٍ في سوريا المجاورة.

فقد أجريت آخر انتخاباتٍ برلمانية في عام 2009، قبل إندلاع الحرب السورية، التي جلبت أكثر من مليون لاجىء إلى لبنان وقسمت المجتمع اللبناني والسياسة إلى من يدعمون نظام الأسد ومن يعارضونه. وكان من المفترض إجراء الإنتخابات التالية في عام 2013، إلا أنه تم تأجيلها– بدايةً حتى عام 2014 ليتم بعدها تأجيلها مرةً أخرى حتى عام 2017- حيث إدعى البرلمان ضرورة التمديد خوفاً من الآثار التي قد تسبب زعزعة الاستقرار في ظل استمرار الحرب في سوريا. وعليه، حصل تأجيلٌ آخر في عام 2017، وسط نقاشٍ حول قانونٍ إنتخابي جديد، وفي نهاية المطاف، تم تبني قانون الانتخابات في يونيو 2017 وحدد موعد إجراء انتخاباتٍ جديدة في مايو 2018.

ويحول القانون الجديد الإنتخابات، جزئياً، إلى نظام التمثيل النسبي عوضاً عن النظام السابق الذي يستأثر به الفائز بالإنتخابات بكل شيء. كما ستجري الإنتخابات ضمن دوائر جديدة، التي غالباً ما تتمتع بأغلبية طائفية أكثر من وضوحاً من الدوائر السابقة. فعلى سبيل المثال، يوجد في بيروت دائرتين إنتخابيتين، واحدة مسيحية بشلٍ أساسي ويُمثلها 8 أعضاء في البرلمان، والأخرى، مسلمة بالدرجة الأولى ولديها 11 ممثلاً في البرلمان.

فنظام الحكم في لبنان لا يزال مقسماً وفقاً للحصص الطائفية. فعلى سبيل المثال، سيكون لدائرة بيروت الأولى ثلاثة مقاعد مخصصة لطائفة الأرمن الأرثوذكس، ومقعد لكلٍ من الأرمن الكاثوليك، والموارنة، والروم الكاثوليك، والروم الأرثوذكس، وممثلي الأقليات المسيحية. أما الدائرة الثانية فستخصص ستة مقاعد للممثلين السُنّة، واثنان للشيعة ومقعد لكلٍ من ممثلي الدروز والأرثوذكس والإنجيليون.

ينقسم المرشحون في كل دائرة إلى قوائم حسب الحزب، مع تصويت الناخبين لقائمتهم المفضلة والمرشح المفضل لديهم ضمن القائمة. يحدد التصويت للقوائم عدد المقاعد التي ستحظى بها كل قائمة، والمرشحون الذين حصلوا على أكبر عددٍ من الأصوات داخل القائمة يحصلون على المقاعد وفقاً لعدد المقاعد المخصصة. ومما يزيد من تعقيد هذا النظام حقيقة أن لكل طائفة حصة (كوتا)، لذلك بمجرد أن يتم شغل حصة طائفة ما، يتم اقصاء المرشحين المتبقين من تلك الطائفة.

وقال أنطوني غصين، وهو محامٍ مقيم في بيروت كتب تحليلاً للقانون الجديد لمركز كارنيغي للشرق الأوسط، أن التمثيل النسبي “هو على الأرجح أكثر إشراكاً من النظام الأكثري الذي يستخدمه لبنان منذ استقلاله في العام 1943.”

ومع ذلك، أضاف “أن إعادة توزيع الدوائر الانتخابية قد يجعل السياسة المذهبية أكثر تجذّراً، كما أن الإجراءات التقنية تتسبب بتقويض التمثيل النسبي عبر تمييع المنافع التي يمكن أن يحققها للمجتمع.”

وعليه، سجل عدد كبير من المرشحين للتنافس على المقاعد البرلمانية البالغ عددها 128 مقعداً. ولم ينجح المدافعون عن حقوق المرأة، كما كانوا يأملون، بتحديد كوتا للنساء في القانون الجديد. ومع ذلك، في تطورٍ قد يبعث على التفاؤل، يوجد 111 إمرأة من بين المرشحين الـ976. وبالرغم من أن هذا لا يشكل سوى 11% من مجموع المرشحين، إلا أنه يمثل زيادة كبيرة عن الإنتخابات البرلمانية الأخيرة التي أجريت عام 2009، عندما ترشحت 12 إمرأة فحسب. وفي الوقت الراهن، يوجد 4 نساء فقط في البرلمان، فضلاً عن كون وزير شؤون المرأة في البلاد، رجل.

وكما هو معتادٌ في لبنان، تضم قوائم المرشحين أبناء وبنات بعض القادة الحاليين والسابقين في البلاد. ومن بينهم تيمور جنبلاط، ابن الزعيم السياسي الدرزي وليد جنبلاط، الذي تنحى للسماح لإبنه بالترشح؛ وطوني فرنجية، نجل النائب الحالي سليمان فرنجية وحفيد الزعيم السياسي وزعيم ميليشيا المردة طوني فرنجية والحفيد الأكبر للرئيس السابق سليمان فرنجية؛ وميشيل تويني ابنة السياسي ورئيس مجلس إدارة صحيفة النهار الذي تعرض للاغتيال، جبران تويني.

إلا أن هذه الفرصة السياسية تتيح أيضاً للأحزاب السياسية فرصة كسر سيطرة هذه السلالات السياسية. فقد انبثقت بعض هذه الأحزاب عن حراك “طِلعت ريحتكم” الذي ظهر أثناء أزمة النفايات التي اجتاحات بيروت عام 2015. كما تم تشكيل تحالف مستقل حمل اسم “تحالف وطني،” الذي سيكون له لوائح من المرشحين في مختلف الدوائر في البلاد، وتتمحور فكرته حول تقديم منصة موحدة لتجنب تقسيم أصوات الأحزاب المستقلة بتنافسها ضد بعضها البعض.

ويضم التحالف مجموعاتٍ تركز على الانتخابات في مناطق جغرافية محددة، مثل حزب لِبَلَدي، الذي يضم سبعة مرشحين في بيروت، ثلاثة منهم من النساء. ووضح الحزب أن هدفه يتمثل في تحقيق “تمثيل برلماني مدني يعيد لمفهوم المواطنية معناها ويكسر احتكار الطبقة السياسية الحاكمة المبنية على الزبائنية والمحاصصة الطائفية للمؤسسات الدستورية.”

ويتضمن البرنامج الإنتخابي للحزب إلغاء معيار التوزيع الطائفي في المؤسسات الدستورية والإدارات العامة من خلال تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية وإنشاء مجلس شيوخ تتمثل فيه الطوائف بالتساوي؛ والعمل على إقرار قانون مدني اختياري يكرّس حرية الأفراد في اختيار كيفية تنظيم شؤونه الأسرية، التي تحكمها في الوقت الحالي وبشكلٍ حصري السلطات الدينية لمختلف الطوائف؛ والتصدي للإرتباطات والولاءات الخارجية التي حولّت الأطراف اللبنانية إلى وكلاء يغلّبون المصالح الخارجية على حساب المصلحة الوطنية. (في النقطة الأخيرة إشارة واضحة إلى تأثير إيران والمملكة العربية السعودية على الفصائل السياسية في لبنان).

ومن الأحزاب الأخرى المشاركة في التحالف تجمع أبناء بعلبك (وهي مدينة بالقرب من الحدود الشرقية)، الذي خرج من الجماعة السياسية المحلية بعلبك مدينتي، التي تحدت الهيمنة التقليدية لحزب الله في المدينة، وحصدت ما نسبته 46% من الأصوات في الإنتخابات البلدية التي أجريت عام 2016.

ومن بين الأحزاب الجديدة الأخرى، حزب سبعة، الذي تأسس عام 2016، والذي يصف نفسه باعتباره “المنصة الحقيقيّة الوحيدة الوطنية والعابرة للطوائف، لتنظيم مشاركة المواطنين في الشأن العام وخلق قيادات جديدة،” والذي يضم المرشحة البارزة، بولا يعقوبيان، الشخصية التلفزيونية السابقة في قناة المستقبل.

وإلى جانب ظهور لاعبين جدد والسؤال المطروح حول مدى التأثير الذي قد يُحدثوه في المؤسسة السياسية، يرى بعض المحللين أن الانتخابات بمثابة اختبارٍ لرئيس الوزراء سعد الحريري.

فقد كان الحريري يعاني من تراجع شعبيته بين جمهور أنصاره من السُنّة، الذين رأوا أنه يسترضي حزب الله، فضلاً عن منافسة وزير العدل السابق، أشرف ريفي له. بيد أن شعبية الحريري ارتفعت بشكلٍ غير متوقع بعد الملحمة الغريبة التي اندلعت في نوفمبر 2017، عندما بدا أنه أجبر على تقديم استقالته من قِبل المملكة العربية السعودية أثناء زيارته للمملكة ومنع بعدها من المغادرة. وقد أدت ضغوطاتٌ دولية بقيادة فرنسا إلى إطلاق سراح الحريري وعودته أخيراً إلى لبنان، حيث عدل عن استقالته. واعتبر اللبنانيون من مختلف الأطياف السياسية والطائفية الخطوة السعودية إهانةً لسيادة لبنان والتفوا جميعاً حول رئيس الوزراء.

كما أن هناك سؤالٌ آخرٌ مطروح حول ما إذا كانت هذه الإنتخابات البرلمانية ستقلص أم تعزز سلطة حزب الله في الحكومة اللبنانية. وسيؤثر هذا بالتأكيد على المسار الذي سيسلكه لبنان في تعامله المستقبلي مع النظام السوري، الذي لطالما كان حزب الله من أشد مؤيديه، فضلاً عن أماكن أخرى في المنطقة. وبالتالي، سيكون تأثير انتخابات مايو ملموساً بشكلٍ واضح خارج حدود هذا البلد الصغير ومن قِبل العديد من الأشخاص بما يتجاوز الـ6 ملايين نسمة تقريباً الذين يعيشون داخل البلاد.