وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

حلم نتنياهو بالعظمة: كابوس لإسرائيل وفلسطين

تبددت آمال الفلسطينيين في المستقبل بعدما منعهم نتنياهو من تأسيس دولتهم. يضاف إلى ذلك سياسة "فرّق تسد" المتواصلة وافتقار الشعب الفلسطيني للأمن والمساواة في الفرص الاقتصادية والسياسية. وبطبيعة الحال، فقد أدى كلّ ذلك إلى الوضع المأساوي الذي نعيشه اليوم في غزة، وكذلك في الضفة الغربية.

حلم نتنياهو بالعظمة
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على هامش مؤتمر صحفي عقده في قاعدة كيريا العسكرية بتل أبيب يوم 28 أكتوبر 2023. المصدر: Abir SULTAN / POOL / AFP.

نينو أورتو

لطالما حلم بنيامين نتنياهو بأن يترك بصمة لا تُمحى في تاريخ إسرائيل. بيد أن الأرث السياسي الذي أمضى نتنياهو عمره للوصول إليه لن يكون كما يتمناه. ولفشل رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي أسباب بطبيعة الحال.

ويأتي على رأس تلك الأسباب الهجوم الذي شنّته حركة المقاومة الإسلامية حماس في السابع من أكتوبر 2023، وهو الأكثر دموية منذ تأسيس إسرائيل. كما يمكن القول إن هذا الهجوم جاء نتيجةً لتغيّر الظروف منذ أن تولّى نتنياهو رئاسة الحكومة بعد انتخابات نوفمبر 2022.

سياسات نتنياهو المختلّة

خلال السنوات الخمس عشرة التي قضاها رئيساً لوزراء إسرائيل، وبصفته السياسي الأطول خدمة في البلاد، تمكّن نتنياهو أكثر من غيره في زيادة حدّة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني والانقسامات الداخلية.

وبينما كان يشكّل الائتلاف اليميني الأكثر تطرفاً في تاريخ إسرائيل الذي شتت البلاد بحملته للسيطرة على القضاء الإسرائيلي وتوسعة رقعة الاحتلال في الضفة الغربية، تسبّب نتنياهو وحكومته في تدهور الجاهزية العسكرية، ما أدّى إلى خلو المستوطنات الجنوبية المتاخمة لقطاع غزة من الجنود.

وكما ذكرت صحيفة الغارديان، فقد وصف رئيس الوزراء الأسبق إيهود باراك الهجوم بأنه “أشد ضربة تلقتها إسرائيل منذ تأسيسها حتى الآن”. وأعرب باراك عن “شكّه في ثقة الشعب بقيادة نتنياهو، لا سيما في خضم هذا الحدث الكارثي الذي وقع في عهده”.

ورغم ألّا أحد يستطيع أن يقول إن نتنياهو يتحمل المسؤولية الأخلاقية عن هجوم حماس في اليوم الذي يُشار إليه الآن باسم “السبت الأسود”، فإنّ هناك عوامل سهلت حدوثه.

ائتلاف اليمين المتطرف وحكومة المستوطنين

على مدى العقد الماضي، نجح المستوطنون الإسرائيليون في ترسيخ هيمنتهم على السياسة والتعليم والثقافة والمجتمع. وفي أعقاب الفوز بانتخابات نوفمبر الماضي، قرر نتنياهو تعيين حليفيه الرئيسيين في الائتلاف في منصبين وزاريين كبيرين، إذ تولى إيتمار بن غفير وزارة الأمن القومي، فيما بات بتسلئيل سموتريش وزيراً للمالية. ولم يتسبب هذا القرار بإدخال البلاد في دوامةٍ غير مسبوقة من العنف ضد الفلسطينيين فحسب، بل أنه تسبّب أيضاً في تشكيل صدعٍ عميق في بنية المجتمع الإسرائيلي.

ومنذ انتخابات نوفمبر 2022، شرعت مجموعات المستوطنين المتطرفة، بدعم من سلطة نتنياهو السياسية، في تفتيت أراضي الضفة الغربية بلا هوادة. ومنذ ذلك الحين، فإن تلك السياسة أدت إلى تنامي وتراكم شعور الفلسطينيين بالإحباط.

وتبددت آمال الفلسطينيين في المستقبل بعدما منعهم نتنياهو من تأسيس دولتهم. يضاف إلى ذلك افتقار الشعب الفلسطيني للأمن والمساواة في الفرص الاقتصادية والسياسية، وكذلك سياسة “فرّق تسد” المتواصلة التي ينتهجها نتنياهو حيال السلطة الفلسطينية في رام الله وحماس في غزة. وبطبيعة الحال، فقد أدى كلّ ذلك إلى الوضع المأساوي الذي نعيشه اليوم في غزة، وكذلك في الضفة الغربية.

الاعتداء على النظام القضائي والفشل في التفاوض مع السلطة الفلسطينية

كان هجوم نتنياهو على المحكمة العليا، وهي إحدى أكثر المؤسسات احتراماً في إسرائيل، سبباً في تعميق الانقسامات داخل المجتمع الإسرائيلي وإضعاف الديمقراطية في البلاد. وأصبح إصلاح النظام القضائي موضوعاً مركزياً في الحملة الانتخابية الأخيرة لبنيامين نتنياهو لتجنب المثول أمام المحكمة بتهمة الفساد. ونتيجةً لخطاباته الاستفزازية، فقد تحوّل تركيز التمويل الاقتصادي الأساسي والجهود السياسية إلى هذه المسألة الشخصية.

وتسببت معركة نتنياهو الشخصية في إضعاف الأجهزة الأمنية وتهديد المؤسسات السياسية الإسرائيلية. وأُسندت الأدوار المهمة في المسائل الحساسة مثل القضية الفلسطينية وغيرها من القضايا الجيوسياسية إلى شخصيات غير بارزة. ورغم تحذيرات قادة الدفاع والقادة السابقين لوكالات الاستخبارات الإسرائيلية، واصل نتنياهو استراتيجياته الخلافية، ما أدى إلى تدهور الوحدة داخل الأجهزة الأمنية.

ووفقاً لمارتن إنديك، المبعوث الأمريكي الخاص للمفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية في عهد أوباما، فإنّ هذه الانقسامات الداخلية الناجمة عن التغييرات القانونية ساهمت في الهجوم المفاجئ على الإسرائيليين.

غموض يحيط بحماس

حلم نتنياهو بالعظمة
نتنياهو في انتظار بدء اجتماع وزارة الحرب الإسرائيلية الذي حضره أيضاً الرئيس الأمريكي جو بايدن بتل أبيب يوم 18 أكتوبر 2023. المصدر: Brendan Smialowski / AFP.

اتسم موقف نتنياهو من حماس بالغموض منذ عام 2008، وذلك رغم انتقاده العلني الثابت وتعهّده “بالإطاحة بحكم حماس الإرهابي”. بيد أنّ تصرفات نتنياهو كانت على النقيض من ذلك.

ويمكن القول إن أسلوبه الناعم في التعامل مع حماس، التي تحكم قطاع غزة منذ 2006، كشف عن سعيه لعرقلة جهود الفلسطينيين في إقامة دولتهم. واستند نتنياهو في مساعيه تلك على التفرقة بين الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية. كما أنّه عمل بصورةٍ ممنهجة لإضعاف السلطة الفلسطينية في رام الله.

واستشهدت صحيفة هآرتس الإسرائيلية بتصريحات نتنياهو خلال اجتماع لحزب الليكود في مارس 2019 للدلالة على مضيّه قدماً بتلك السياسية. وقال نتنياهو حينذاك: “أولئك الذين يسعون إلى عرقلة إقامة الدولة الفلسطينية يجب أن يؤيدوا تعزيز قوة حماس وتمويلها”.

كما أن قرار نتنياهو الصامت بالتغاضي عن ضخ قطر لعشرات الملايين من الدولارات في قطاع غزة على سبيل “الدعم الإغاثيّ” ساعده على الحصول على دعم مختلف أطياف المجتمع والسياسة الإسرائيلية، سيّما وأن تلك الأطياف تنظر إلى وجود حماس في غزة كتهديد كبير لإسرائيل.

وللعلم، فإن ذلك التمويل ساعد حماس على تعزيز قوتها وقدراتها التسليحية، وهو ما أكّده نتنياهو في حوار أجراه مع مجلة تايم عام 2019 – وهو ينمّ عن فهم استراتيجي خاطئ للنيّات الحقيقية لحماس.

خطاب الأمم المتحدة وأجندة سياسية فاشلة

في أواخر سبتمبر 2023، ألقى نتنياهو خطاباً أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة أكّد فيه على إنجازاته وإنجازات حكومته في الشرق الأوسط. وقال نتنياهو في هذا الخطاب: “سيتحدد مصير الناس وفق اختياراتهم بين النِعم واللعنات. ونحن نواجه هذا الاختيار اليوم”.

وبدا رئيس الوزراء الإسرائيلي خلال خطابه أمام زعماء العالم وكأنه فاجأ القادة السعوديين عندما كشف عن خططٍ ما تزال سريّة بعد وأعلن عن مبادرات دبلوماسية بدعم من الولايات المتحدة وحلفائها.

وبينما كشف عن الجهود الدبلوماسية الجارية لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية وعقد اتفاقيات سلام مع عدة أنظمة عربية، أكد نتنياهو مجدداً على أن ارتباط القضية الفلسطينية باتفاقيات السلام مع الدول العربية أصبح فكرة “من الماضي”. وصرّح نتنياهو بأن الفلسطينيين لم يُستشاروا أو يُؤخذوا في الاعتبار في أيّ مفاوضات سلام مع الدول العربية.

وأشار عديدٌ من المراقبين إلى أن خطابه الذي يجمع بين الغطرسة والجرأة كان من الممكن أن تعدّه كلٌّ من حماس وإيران تهديداً وجودياً، مما قد يؤثر على توقيت الهجوم خلال مرحلة حرجة في التوازن الجيوسياسي في المنطقة.

دولة دون قيادة

وبينما أكّد قادة سياسيون آخرون ورؤساء المؤسسة الأمنية علانيةً مسؤوليتهم عن الهجوم، فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي لم يتحمل بعد المسؤولية الكاملة عن الفشل السياسي في منع مقتل مئات الإسرائيليين. وليس من الغريب أن تبقى استراتيجية الحكومة الإسرائيلية تجاه غزة وحربها ضد حماس غامضة بينما يطالب كثيرون في إسرائيل باستقالة نتنياهو.

وفي الوقت نفسه، يشهد حزب الليكود الذي يتزعمه نتنياهو تغيراً عميقاً وسريعاً داخل صفوفه وتحولاً من الدعم الكامل لزعيمه إلى انتقادات متزايدة لقدراته كقائد سياسي.

ونقلت صحيفة هآرتس على لسان أحد وزراء حزب الليكود التالي: “كلّ قرار اتخذه نتنياهو في العامين الأخيرين كان خطأً، بما في ذلك الإصلاح القضائي. فإمّا أنه لم يتخذ قراراً، وإما أنه اتخذ قرارات خطأ”. وبطبيعة الحال، فإنّ أوساط السياسة في إسرائيل وخارجها تردّ هجوم حماس إلى وجود خطأ في سياسات نتنياهو وخياراته.

وهنا، فإننا نقصد تحالف نتنياهو مع الأحزاب السياسية المتطرفة على الرغم مما تحمله تلك الأحزاب من أجندات، فضلاً عن الافتقار التام إلى وجود أيّ استراتيجية مجدية للتعامل مع الفلسطينيين. ويضاف إلى ذلك الإصلاح القضائي الذي من شأنه أن يغيّر جوهر نظام الضوابط والتوازنات الإسرائيلي إلى الأبد. وعلى ما يبدو، فإنّه لم يعد هناك أي مفر لنتنياهو من الأزمة التي وقع فيها بعد هذه الأحداث.

وبطبيعة الحال، فإنّ أثر الأحداث الأخيرة لم يضع نتنياهو في نقطة اللاعودة فحسب، بل أيضاً إسرائيل كلّها.

ملاحظة

الأفكار الواردة في هذه التدوينة هي آراء المدوّن الخاص بنا ولا تعبّر بالضرورة عن آراء أو وجهات نظر فنك أو مجلس تحريرها.