وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

إرث باراك أوباما: أين أصاب وأين أخفق؟

إرث اوباما
الرئيس باراك أوباما يرأس اجتماعاً لمجلس الأمن القومي الأمريكي للتشاور حول تنظيم الدولة الإسلامية وسوريا في مقر وزارة الخارجية في واشنطن، 25 فبراير 2016. يظهر في الصورة من اليسار، رئيس هيئة الأركان المشتركة الاميركية الجنرال جوزيف دانفورد، ووزير الدفاع آشتون كارتر، ووزير الخارجية جون كيري، والرئيس أوباما، ومستشارة الأمن القومي في البيت الأبيض سوزان رايس، والنائب العام لوريتا لينش.

تأرجحت شعبية الرئيس باراك أوباما في عام 2015، في عامه السابع في منصبه، حول ما نسبته 46,2%. فقد شكل هذا تحسناً ملحوظاً من معدل 42,6% عام 2014، والذي يعدّ المعدل الأدنى في رئاسته حتى تاريخه. وكما يُقال، ساهمت الأخبار الاقتصادية الأفضل، وبخاصة انخفاض أسعار الغاز هذا العام، بدعم شعبيته في عامه السابع، كما أنّ الثقة الاقتصادية الأمريكية في عام 2015، كانت أيضاً أعلى مما كانت عليه في أي وقتٍ آخر خلال إدارة أوباما. وعلى الرغم من أن هجمات باريس وسان بيرناردينو أعادت تسليط الأضواء مجدداً على الإرهاب، إلا أنّ الولايات المتحدة الأمريكية واجهت توتراتٍ أقل على الساحة الدولية مما كانت عليه الأمور في العام السابق.

عموماً، يمكن لأوباما أنّ يشعر بالفخر بسجله الحافل بالإنجازات، على الرغم من طبيعتها الباهتة. ومن المرجح أنّ يُقيّم مؤرخوا المستقبل فترته الرئاسية بالكفاءة العالية، ومن المحتمل أن يُشيروا إلى أنّ فترة إدارته كانت، بما يبعث السرور إلى النفس، خاليةً من الفضائح، وبأنه لم يتخذ أي قراراتٍ متسرعة تُعطي نتائج عكسية. كما سيحظى بالثناء لإصلاحه نظام الرعاية الصحية المثير للجدل، وإنقاذه البلاد من وقوعها في براثن كسادٍ كبيرٍ آخر. وبالنظر إلى مدى قتامة الأمور عند توليه منصبه عام 2009، تعتبر هذه إنجازات عظيمة، سيما في ضوء معارضة الجمهوريين الشرسة التي هددت مرراً بإغلاق الحكومة الاتحادية بأكملها.

بل إنّ سجله فيما يخص الشؤون الخارجية أكثر تفاوتاً، إذ يمكنه أنّ يدعي بعض الانتصارات الواضحة: فقد باتت صورة الولايات المتحدة في معظم دول العالم أكثر إيجابية عما كانت عليه عند توليه منصبه؛ كما أنّ العلاقات مع الصين كانت في معظمها ودية؛ فضلاً على أنّ الاتفاق النووي مع إيران يعتبر حتى الآن نجاحاً مستحقاً. ويمكن منح أوباما أيضاً الفضل في إنهاء جهود أمريكا الطويلة والتي أثمرت بنتائج عكسية، لعزل كوبا.

أما بالنسبة للحرب على الإرهاب، فقد ذكرت التقارير أنّ القوات الأمريكية دمرّت تنظيم القاعدة وقتلت أسامة بن لادن. كما استكمل أوباما الانسحاب الأمريكي من العراق على النحو المتفق عليه بين مجلس الوزراء العراقي وحكومة جورج بوش. ومع ذلك، ربما ما اختار أوباما عدم القيام به أكثر أهمية مما قام به، فقد رفض شنّ حربٍ ضد الرئيس السوري بشار الأسد حتى بعد تخطيه ما يُسمى بخطوط أوباما الحمراء واستخدامه الأسلحة الكيمياوية ضد شعبه. كما فضل أوباما أيضاً عدم إرسال أعداد كبيرة من القوات البرية لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، حيث فضل حلاً عسكرياً بتكاليف ومخاطر أقل على حياة الأمريكيين، وبالتحديد، خيار الضربات الجوية.

وفي مقابلةٍ له في 16 مارس مع جيفري غولدبرغ من مجلة ذي أتلاتنك الأسبوعية، ذكر أوباما “أنه يعتقد أن الخطاب التشيرشلي، والأهم، التفكير التشيرشلي، هو الذي أخذ سلفه الرئيس الأمريكي جورج بوش نحو الحرب المدمرة في العراق.” وأضاف غولدبرغ “أوباما كان مهتماً بانتصاراتٍ واعدة في صراعات اعتقد أنها غير قابلة للربح.” كما قرر التراجع عن “الخط الأحمر” الذي وضعه في حال استخدم النظام السوري أسلحة كيمياوية في 2013، قائلاً “أن إسقاط القنابل على شخص ما لأنك تريد إثبات أنك تريد إسقاط القنابل على شخص ما، هو أسوأ سبب لاستخدام القوة.

انتقاد السياسة الخارجية لأوباما

على الرغم من كل هذا، كانت السياسة الخارجية للرئيس موضوع انتقاداتٍ لاذعة محلياً، بما في ذلك من الديمقراطيين، وذلك نظراً لتدهور العلاقات مع حلفاء أقوياء للولايات المتحدة الأمريكية.

ووفقاً للمحللين، يتضمن سجل أوباما للسياسة الخارجية عدداً كبيراً من الاخفاقات، بدءاً من أفغانستان، التي سببت العديد من التوترات لأوباما خلال السنة الأولى لتوليه منصبه قبل أن يرسل في نهاية المطاف حوالي 60,000 جندي إضافي إلى البلاد. فقد وعدّ أن هذه “الزيادة” المؤقتة ستقلب ميزان الأمور أمام طالبان وستمّكن الولايات المتحدة من الخروج من أفغانستان بشرف. ومع ذلك، في عام 2016، تمكنت طالبان من السيطرة على المزيد من الأراضي أكثر من أي وقتٍ مضى منذ عام 2001، ولا تزال الولايات المتحدة الأمريكية تقاتل على هذه الجبهة دون أي نهايةٍ تلوح في الأفق.

وفي الوقت نفسه، كانت عواقب التقاعس الملموس للولايات المتحدة الأمريكية، أو بعبارة أخرى الإجراء غير الملائم، في الشرق الأوسط تماثل في سوئها عواقب تورطها في أفغانستان والعراق في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر. ويرى العديد من المحاربين القدامى في إدارة أوباما أنّ رفضه دعم المعارضة المسلحة في سوريا أعطى تنظيم الدولة الإسلامية “داعش،” الفرصة لتأسيس دولته قبل أن يلاحظ البيت الأبيض ذلك عام 2014. وكتبت المسؤولة السابقة بوزارة الخارجية تمارا ويتس “خاف أوباما من الانزلاق إلى حرب ضد بشار الأسد – لكن الحرب ضد “داعش” هي المنزلق الأخطر.”

وبعد أن اجتاح عناصر “داعش” شمال العراق في عام 2014، وهددوا بقتل آلاف اليزيديين الذين لجأوا إلى الجبل، شن أوباما ضرباتٍ جوية ضد التنظيم وأرسل وحدة صغيرة من المستشارين العسكريين الأمريكيين لدعم القوات العراقية. ومع ذلك، كان التقدم بطيئاً وقال قادة عسكريون من قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة أنّ هزيمة “داعش” قد تستغرق قرابة الخمس سنوات. والآن، ومع انتشار التنظيم خارج حدود سوريا والعراق وتوسيع نطاق حربه لتشمل أوروبا بآثارها المدمرة، يبدو الجدول الزمني المحصور بالخمس سنوات أقل واقعية.

تقاعس الولايات المتحدة في المنطقة يفاقم التوترات مع الحلفاء

كانت إستراتيجية أوباما بتجنب التدخل العسكري المباشر في الصراعات في الشرق الأوسط خروجاً عن سياسة سلفه، الذي يرى الكثيرون أن غزوه للعراق في عام 2003 أدى بشكلٍ مباشر إلى ولادة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش.” بدلاً من ذلك، شجع الرئيس حلفائه في الشرق الأوسط على أخذ زمام المبادرة في “خوض معاركهم” ضد الإرهابيين في سوريا والعراق واليمن وأماكن أخرى بدلاً من “تلقينهم” المساعدة العكسرية التي اعتادوا عليها. فضلاً عن ذلك، حث حلفائه، وخاصة المملكة العربية السعودية، على حل التوترات مع جيرانهم دون الحاجة إلى التدخل العسكري الأمريكي المباشر.

وفي إشارةٍ إلى التنافس السعودي – الإيراني، حث أوباما على وجه التحديد المملكة العربية السعودية على “إيجاد وسيلة فعالة لتبادل الجوار وإقامة نوع من السلام البارد مع إيران في المنطقة.” وأضاف أنّ دعم حلفاء الولايات المتحدة ضد إيران “سيعني أننا سنتدخل وسنبدأ باستخدام قوتنا العسكرية للتهدئة، وهذا لن يكون بصالح الولايات المتحدة ولا الشرق الأوسط.”

ويرى منتقدوا أوباما أيضاً أنّ الصراع الفلسطيني الاسرائيلي فشلٌ آخر للسياسة الخارجية الأمريكية. فعندما تم تنصيبه في يناير 2009، وضع أوباما هذه القضية على رأس قائمة أولوياته لإصلاح الضرر الذي لحق بمكانة الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط خلال فترة رئاسة بوش. ووفقاً لذلك، عيّن جورج ميتشل مبعوثاً خاصاً له إلى الشرق الأوسط من أجل الضغط على إسرائيل لتجميد كافة الأنشطة الاستيطانية، ومع ذلك، لم يتم إحراز أي تقدمٍ حقيقي. فلأكثر من سبع سنوات، استمرت المستوطنات الاسرائيلية بالتوسع؛ وواصلت إسرائيل ضرباتها وحصارها على غزة؛ وفقد ما يُسمى بالفلسطينيين المعتدلين مصداقيتهم؛ وازدادت قوة حماس؛ كما أنّ حل الدولتين الذي نادى به كل من بيل كلينتون وجورج دبليو بوش وأوباما نفسه، بات في عداد الموتى (إن لم يكن قد أصبح اليوم من الماضي).

Advertisement
Fanack Water Palestine