“في الليل، يُرسل الحوثييون الحمير التي يربطون على رقابها مصابيح يدوية عبر الحدود، وعندها يبدأ السعوديون إطلاق النار على الحمير ومن ثم يقوم الحوثييون بمهاجمتهم من الجانب الآخر،” يضحك محمد، مُدّرس شاب كويتي وهو يروي القصة التي سمعها من صديقٍ آخر في المملكة العربية السعودية. “من غير الممكن فوزهم بهذه الحرب.”
ينتمي محمد للطائفة الشيعية ولا يتعاطف مع الحملة العسكرية السعودية التي تمتد منذ عشرة أشهر على اليمن والتي انطلقت منذ مارس 2015. ولكن سواء كان متحيزاً أم لا، وسواء كانت قصة الحمير صحيحة أم لا، إلا أنه قد يكون محقاً بشأن الفرص العسكرية للمملكة. فما قد أعلن عنه سابقاً بأنه عرضٌ عسكري يمتاز بالسرعة والحسم، تبيّن أنه عرضٌ يمتاز بالضعف.
لماذا؟ ليس لأن الجيش السعودي يعاني نقصاً بالتجهيزات العكسرية أو التمويل: ففي عام 2015 وحده، أنفقت المملكة العربية السعودية ما يقرب 50 مليار دولار على المعدات العسكرية، لتحتل إحدى المراتب الخمس الأولى بين أكثر الدول إنفاقاً من الناحية العكسرية في جميع أنحاء العالم. ومن غير المرجح التقليل من هذا الإنفاق، على الرغم من انخفاض أسعار النفط.
كما لا يتعلق الأمر بنقصٍ بأعداد القوات المسلحة، إذ يمتلك الجيش السعودي حوالي 250,000 فرد عسكري في الخدمة الفعلية، من أصل حوالي 20 مليون مواطن سعودي. وإذا ما قارنا المملكة على سبيل المثال بهولندا، التي يبلغ عدد سكانها حوالي 17 مليون نسمة، ففيها نحو 43,000 فقط من أفراد الجيش في الخدمة الفعلية.
تكمن المُشكلة، وفقاً لمحللين عسكريين أمثال نورفيل دي أتكين، في أن الجيوش العربية غير جيدة في الصراعات التقليدية. كما أشار إلى ثقافة عدم الثقة، والطبقية والانقسامات الطائفية، وجنون الشك والاضطهاد، وتجنب المنافسة، وعدم تبادل المعلومات، وعدم الرغبة، على جميع الأصعدة، بتحمّل مسؤولية الأخطاء والفشل.
وعلاوة على ذلك، عندما يتعلق الأمر على وجه التحديد بالجيش السعودي، فإنه بالكاد يملك أي خبرة قتالية. ففي المرات القليلة التي تعرض فيها للمواجهة، لم يكن أداؤه مؤثراً، إذ لم ينتج عن الحروب المتقطعة مع جماعة الحوثي بين عامي 2004 و2009، أي نجاح عسكري ملحوظ، كما كان أداء القوات السعودية في حرب الخليج عام 1991 دون المتوسط في أحسن الأحوال.
من ناحيةٍ أخرى، يُظهر التاريخ أن العرب جيدون في الحروب غير التقليدية. يقول دي أتكين “غالباً ما تمتاز حرب العصابات العربية بقيادة تشحذها المعارك فضلاً عن الخبرة التي تعزز الثقة لتحفز الآخرين على اتباعها، مقارنةً بقائد المجموعة التقليدي، الذي يتم على الأرجح، اختياره من قِبل النظام لأسبابٍ سياسية.”
قد يُفسر هذا إشكالية الوضع اليمني. فمن ناحية، هناك جيش تقليدي مجهز بشكل جيد إلا أنه غير فعّال فضلاً عن دوافعه التي تُثار حولها الشكوك. ومن ناحية أخرى، هناك مجموعة من الرعاع الذين يملكون حافزاً قوياً على الرغم من عدم امتلاكهم معدات جيدة إلا أنهم مدججين بالأسلحة، والذين يعرفون، حق معرفة، أزقة مدنهم والطرق الوعرة في جبالهم.
إن خوض معركة أمام جيش غير تقليدي بجيش تقليدي أمر صعب إن لم يكن مستحيلاً، حتى وإن كان ذلك بوجود جيش تقليدي مدرّب ومنظم على أكمل وجه، مما يُعيد إلى الأذهان هنا كل من حرب فيتنام وأفغانستان والعراق. وما يحاول السعوديون فعله هنا في اليمن أمر أكثر صعوبة، إذ يواجهون جيشاً غير تقليدي بجيش تقليدي قدراته دون المتوسط.
تبدو هذه مهمةً مستحيلة. وبدلاًمن أن يتسائل المرء كيف يمكن للسعودية كسب هذه الحرب، ينبغي للمرء أن يسأل لمَ بدأتها في الأصل. ولكن هذا أصبح من الماضي، ولنا في الحاضر الآن ولا سبيل للتراجع، إذ أن التراجع يعني فقدان ماء الوجه، داخل وخارج المملكة.
لذا، تواصل الرياض عرضها العكسري البائس من السماء، إذ تُلقي المقاتلات العسكرية، الواحدة تلو الأخرى، قنابلها فوق اليمن. ولا يبدو أنّ القوات البرية السعودية جزءٌ من الخطة.
“لا يريد السعوديون أن يُقتل جنديٌ واحد على يد الشيعة،” هذا ما قاله رئيس سابق لقوات الأمن الكويتية. بل إن غالبية العدد القليل من الجنود الذين أرسلوا بالفعل إلى الأراضي اليمنية كانوا إماراتيين وبحرينيين، وسودانيين، وحتى كولومبيين.
وربما لا يرغب الجنود السعوديون في الذهاب إلى اليمن، ولكن لا يمكنهم إيقاف وصول اليمنيين إليهم. فمنذ بداية الحرب، شنّ الحوثيون هجماتٍ عبر الحدود، لا سيما في محافظات جيزان ونجران الجنوبية. تشكّل هذه شوكة أخرى في حلق الجانب السعودي.
ويعترف رجل أعمال في جدة أن السُلطات تُجبر الشركات على إبقاء المحلات التجارية والمطاعم مفتوحة، وذلك من أجل تجنب إثارة الذعر ما بين السكان. “ولكن جدة مليئة بالفعل بسكان المناطق الجنوبية الذين فروا من القتال.” وعلاوة على ذلك، بالكاد يستشعر المرء أي ثقة بعد أن قررت جارة السعودية صغيرة الحجم، الكويت، أو بالأحرى كما طُلب منها بأدب، في ديسمبر 2015 إرسال قواتها لمساعدة المملكة العربية السعودية في الدفاع عن حدودها.
ففي العموم، يبدو الوضع العسكري بائساً، ويبدو التحالف السعودي ضعيفاً. هل تم تحقيق أي شيء على الإطلاق؟ حسناً، فقد تمكن التحالف من ضرب العديد من مستودعات الأسلحة والمعاقل الأخرى للحوثيين، كما تمت استعادة السيطرة، مرة أخرى، على مدينة عدن الجنوبية، واسترجاعها من الحوثيين. إلا أن هذا لم يجعل السعوديين أقرب إلى الهدف الرئيسي من العملية، ألا وهو استعادة الاستقرار في اليمن وعودة حكومة الرئيس هادي، المُعترف بها دولياً.
وفي يناير 2016، لا تزال العاصمة صنعاء تحت سيطرة الحوثيين، أما عدن، على الرغم من “تحريرها،” إلا أنها يدور رحاها في الوقت الراهن خارج نطاق السيطرة. فقد أصبحت شوارعها ساحة لمعارك الميليشيات الفوضوية، وذلك ما بين الفصائل المتنافسة للحراك الجنوبي التابع لتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية والجماعات التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية.
هل جعل هذا السعودية أقرب إلى تحقيق هدفها غير الرسمي من العملية، ألا وهو تلقين إيران درساً في المنطقة، والذي يُعتقد، على نطاقٍ واسع، السبب وراء ملاحقة الرياض للحوثيين؟ ولكن يبدو أن طهران لم تتأثر بهذا. ولعل هذا يُفسر عرض القوى الأخير من الرياض، فإن لم تستطع تحقيق غايتها من خلال الحوثيين، فمن الواضح أنها لجأت لذلك من خلال إعدام رجل الدين الشيعي، إذ لا يحتاج المرء جيشاً لذلك، على الأقل.