يعتبر فيلق القدس الإيراني واحداً من أقوى الأجهزة الأمنية في الشرق الأوسط. وعلى الرغم من أنه حظي باهتمام واسع النطاق من وسائل الإعلام، إلا أن القليل جداً يُعرف عن هذه المنظمة القوية والسرية.
فيلق القدس هو واحدٌ من خمس وحداتٍ تُشكل الحرس الثوري الإيراني، والمسؤول عن العمليات خارج الحدود الإقليمية. تشتمل أنشطته العالمية على إجراء الإتصالات الدبلوماسية السرية، وتوفير التدريب، وتزويد المنظمات بالأسلحة والدعم المالي، وجمع الاستخبارات التكتيكية، وتسهيل بعض الدعم الإنساني والاقتصادي الذي تقوم به إيران لدعم القضايا الإسلامية. ووفقاً لمسؤولٍ بريطاني، “يجمع الفيلق بين وظائف جهاز الاستخبارات البريطاني (MI6)، والقوة الجوية الخاصة البريطانية (SAS)، ووزارة التنمية الدولية البريطانية (DfID). إنه اليد الطولى لإيران- في كل مكان.”
تأسس فيلق القدس خلال الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988) للقيام بعملياتٍ سرية داخل العراق، واشتمل ذلك على تقديم الدعم للأكراد العراقيين الذين يقاتلون صدام حسين، غير أن الوحدة سرعان ما وسعت أنشطتها لتشمل بلدان أخرى ذات أولوية في مجال السياسة الخارجية. فقد تمثلت إحدى أولى المهمات الإقليمية ذات الأهمية بالمساعدة على إنشاء حزب الله في لبنان في عام 1982، بعد غزو إسرائيل. ومنذ ذلك الحين أصبح حزب الله أقوى منظمة سياسية وعسكرية إسلامية شيعية في لبنان وحليفاً قوياً لإيران.
وفي ثمانينات القرن الماضي، اندلعت الحرب في أفغانستان المجاورة، وكانت الولايات المتحدة وباكستان والسعودية تدعم القوات الجهادية متعددة الجنسيات والمجاهدين الأفغان ضد الاتحاد السوفياتي. وعلى الرغم من أن إيران كانت في خضم حربها مع العراق، إلا أن فيلق القدس دعم حزب الوحدة الإسلامي الشيعي، الذي لم يلعب، في نهاية المطاف، دوراً حاسماً في الصراع. وفي أعقاب ظهور حركة طالبان السُنية في أفغانستان، حوّل فيلق القدس دعمه إلى التحالف الشمالي، وهو ائتلافٌ من الميليشيات كان يسعى للإطاحة بحركة طالبان، في محاولةٍ لمنع طالبان من اكتساب المزيد من النفوذ. وفي السنوات الأخيرة، عمل فيلق القدس في بلدان مثل سوريا فضلاً عن عمله مع جهات فاعلة أخرى تابعة للدول مثل المتمردين الحوثيين في اليمن وحماس في فلسطين.
يقع مقر فيلق القدس في مدينة الأهواز في مقاطعة خوزستان، التي تقع على الحدود مع العراق والخليج العربي. كما أن لديه مكاتب في العديد من السفارات الإيرانية في جميع أنحاء العالم، والتي تعمل كأقسامٍ مغلقة. وفي أبريل 2010، اتهم تقريرٌ لوزارة الدفاع الأمريكية النظام الإيراني باستخدام فيلق القدس “لممارسة سلطةٍ عسكرية وسياسية واقتصادية سراً لتعزيز المصالح الوطنية الإيرانية في الخارج.”
ونظراً للطبيعة السرية للوحدة، لا يوجد سوى القليل من المعلومات حول العدد الدقيق للعناصر. ومع ذلك، في عام 2008، ورد أن المجلس الأعلى للأمن القومي زاد عدد عناصر القوة إلى 15,000.
يتولى اللواء قاسم سليماني قيادة الوحدة منذ عام 1998. وعلى الرغم من أنه يُشرف على العمليات العسكرية والسرية خارج البلاد، إلا أنه لا يخضع لمساءلة الحكومة أو وزارة الخارجية الإيرانية؛ بل هو مسؤولٌ أمام المرشد الأعلى. وقال جون ماغوير، وهو ضابطٌ سابق في المخابرات المركزية الأمريكية في العراق، لمجلة نيويوركر في عام 2013: “سليماني هو أقوى عميل سري منفرد في الشرق الأوسط اليوم، ولم يسمع عنه أحد قط.” ووفقاً لصحيفة الجارديان، فإن سليماني هو “محرّك الدمى في الشرق الأوسط.”
فقد لعب دوراً رئيسياً في إقناع روسيا بشن عمليتها العسكرية في سوريا في عام 2015، مما غيّر مسار الحرب. كما لعب دوراً حاسماً في بقاء الرئيس السوري بشار الأسد في السلطة، وفي حشد المقاتلين الشيعة من جميع أنحاء المنطقة للذهاب إلى سوريا للحفاظ على توازن القوى لصالح الأسد.
كما استخدم تكتيكاً مماثلاً في العراق، فمنذ بداية الغزو الأمريكي في عام 2003، ساعد فيلق القدس على تعبئة مختلف الجماعات السياسية والميليشيات الشيعية لتقليل النفوذ الأميركي وتعظيم الدور الإيراني في العراق. وفي وقتٍ ما، أرسل سليماني رسالة شخصية إلى الجنرال ديفيد بترايوس، رئيس الجيش الأمريكي في العراق آنذاك، التي قال فيها، “الجنرال بترايوس، يجب أن تعرف أني أنا، قاسم سليماني، أسيطر على سياسة إيران فيما يتعلق بالعراق، ولبنان، وغزة وأفغانستان. والسفير في بغداد عضوٌ في فيلق القدس. والشخص الذي سيحل محله عضوٌ في فيلق القدس.” فالسفير الإيراني الحالي في العراق هو العميد إيراج مسجدي، الذي عمل مستشاراً لسليماني.
وعلى الرغم من صعوبة تأكيد صحة الأمر، إلا أنه من المحتمل أن نفوذ فيلق القدس في العراق مبالغٌ به. ومع ذلك، فمن الواضح أنه منذ عام 2014، لعبت الوحدة دوراً محورياً في محاربة تنظيم الدولة “داعش،” وتحرير العديد من المدن التي كانت تخضع لسيطرة تنظيم الدولة، وزيادة نفوذ الوحدة بشكلٍ كبير في العراق. فقد ذكر مسؤولٌ عراقي رفيع المستوى أنه عند سقوط مدينة الموصل، كانت الاستجابة السريعة من جانب إيران، وليس القصف الأمريكي، ما حال دون انهيارٍ أكثر انتشاراً في العراق.
وفي أعقاب فتوى أصدرها رجل الدين العراقي، آية الله علي السيستاني، تطالب بالتعبئة على مستوى الوطن ضد داعش، تم تشكيل قوات الحشد الشعبي في 15 يونيو 2014. فالحشد الشعبي منظمة عراقية ترعاها الدولة وتتألف من نحو 40 من الميليشيات الشيعية، بشكلٍ أساسي، ولبعضها، مثل فيلق بدر، علاقاتٍ وثيقة مع فيلق القدس. ويعتبر فيلق القدس أيضاً أحد الرعاة الخارجيين الرئيسيين لقوات االحشد الشعبي، التي باتت تكتسب أهمية في كلٍ من العراق والمنطقة بشكلٍ أوسع.