وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

عامل ترامب وسياسات إيران الداخلية

International Affairs- Donald Trump
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حذر في 13 أكتوبر 2017 من أن الولايات المتحدة الأمريكية قد تنسحب من الإتفاق النووي الإيراني “في أي وقت.” Photo AFP

منذ الأيام الأولى لجمهورية إيران الإسلامية، لعبت الولايات المتحدة الأمريكية دوراً مميزاً في أيديولوجية حُكم ما بعد الثورة. فقد باتت معاداة الأمريكيين سمة ثابتة للسياسية الخارجية الإيرانية منذ أربعة عقود. وعلى الرغم من تبني حكومات مختلفة لأساليب متعددة تجاه واشنطن، إلا أن الوقوف في وجه الولايات المتحدة كان المبدأ الذي أيده كلٌ من المرشد الأعلى، الخميني وخامنئي، على حد سواء منذ عام 1979. ونظراً للدور الإشكالي للولايات المتحدة في الخطاب السياسي السائد في إيران، كان لأي تغييرٍ يطرأ على الحكومة في واشنطن تداعياتٍ داخلية ذات أهمية على النظام في طهران.

فخلال الولاية الثانية للرئيس الأمريكي باراك أوباما، اتسعت الفجوة بين المتشددين والمعتدلين عندما أظهرت الولايات المتحدة اهتماماً، وإن كان بسيطاً، بالمصالحة. وفي عام 2013، رأى الرئيس الإيراني حسن روحاني في ذلك فرصةً لحل القضية النووية المُلحة، في حين أعرب المتشددون عن قلقهم من خيانة المبادىء الثورية. وعلى الرغم من أن خامنئي منح ضمنياً الرئيس روحاني الضوء الأخضر للتوصل إلى تفاهمٍ مع الولايات المتحدة الأمريكية والقوى الغربية الأخرى، بيد أن المتشددين اتهموه علناً بالإنحراف عن الأهداف الثورية. فقد كان الاتفاق النووي الذي تم التوقيع عليه في يوليو 2015 انتصاراً سياسياً واقتصادياً كبيراً لروحاني، إلا أنه ساهم في تأجيج التوترات بين الفصائل السياسية الإيرانية. ومع وجود ترامب اليوم في البيت الأبيض، تغير الوضع في إيران مرةً أخرى.

وبالرغم من محدودية خبرته في الشؤون الدولية، إلا أن ترامب جعل من إيران سمةً من سمات جميع مناقشاته، تقريباً، حول السياسة الخارجية خلال حملته الرئاسية. وبعد انتخابه، شكل فريقاً للسياسة الخارجية والأمن القومي يشاركه تأويل كون إيران مركز المشاكل التي يُعتقد أنها تقوّض المنطقة وتهدد المصالح الأمريكية. وفي المراحل الأولى، أصبح “احتواء” إيران أولويةً من أولويات السياسية الخارجية للإدارة. ولكن في الأشهر الأخيرة، قلّص العداء المتزايد الصادر عن واشنطن الفجوة بين الفصائل المتنافسة في السياسة الإيرانية. وعلى عكس ما كان عليه الحال خلال ولاية أوباما الثانية، بات هناك اليوم توافق آراءٍ على نطاقٍ واسع بين النخبة السياسية والمجتمع المدني في إيران حول التهديد الذي تشكله الولايات المتحدة الأمريكية.

وفي 10 أكتوبر 2017، نشرت العديد من الصحف الإيرانية البارزة نفس الصورة على صفحتها الأولى: وزير الخارجية المعتدل جواد ظريف يعانق اللواء محمد علي جعفري، قائد قوات الحرس الثورى الإيراني، في استعراضٍ رمزي للوحدة بين الحكومة والجيش. وقال جعفري للصحفيين “لدينا موقف مماثل إلا أننا نختلف بطريقة التعبير عنه.” فقبل عامٍ واحدٍ فقط، كان هذا التقارب بين ظريف والحرس الثوري الإيراني أمراً لا يمكن تصوره. وعلى الرغم من أن الحكومة لا تزال تعاني من مشاكل رئيسية مع النفوذ الاقتصادي للحرس الثوري الإيراني، إلا أنها تبدو متزامنة على غير عادة مع المتشددين فيما يتعلق بالسياسية الخارجية.

وفي نفس الشهر، ألمح ترامب أنه ينوي تصنيف الحرس الثوري الإيراني ضمن قائمة المنظمات الإرهابية وفرض عقوباتٍ جديدة عليه. وفي المقابل تعهد الحرس بالفعل بإدراج الجيش الأمريكي أيضاً على قائمة المنظمات الإرهابية، كما حذر أنه في حال استمرار العِداء الأمريكي، فإن إيران ستحسم القضايا الإقليمية بوسائل أخرى بعيدة كل البعد عن طاولة المفاوضات.

وفي مايو 2017، أعيد انتخاب روحاني لولايةٍ ثانية. وعلى الرغم من تمتعه بتفويضٍ ديمقراطي لتجاوز الحدود السائدة للسياسة الخارجية الإيرانية، إلا أن “عامل ترامب،” الذي قد يؤدي إلى مزيدٍ من تسنيد أصول الاقتصاد والمجتمع الإيراني، يحدّ بشكلٍ متزايد من خياراته.

ولن يُسهم هذا سوى بتعميق خيبة الأمل لدى الناخبين الإيرانيين الذين صوتوا لروحاني بناءً على وعوده بالتغيير، والإصلاح الاقتصادي والإزدهار. وبعبارةٍ أخرى، سيمكّن “التهديد الخارجي” من الولايات المتحدة الحرس الثوري الإيراني بشكلٍ أكبر، مما سيمنع الحكومة من إجراء الإصلاحات التي تبرز الحاجة إليها بشدة.

كما أن “حظر السفر” الذي فرضه ترامب والذي يهدف إلى منع المواطنين من سبعٍ دولٍ ذات أغلبية مسلمة، بما فيها إيران، إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ساهم أيضاً في تكالب المواقف الجماعية السريع ضد البلاد. وعلاوةً على ذلك، اعتبر الكثيرون رفض ترامب في 13 أكتوبر 2017 المصادقة على الاتفاق النووي واستخدامه مصطلح “الخليج العربي” للإشارة إلى المسطح المائي الذي يُعرف تاريخياً بالخليج الفارسي، إهانةً متعمدة. كما يتم تشويه صورة أمريكا بين المنظمات الشعبية الإيرانية فضلاً عن الرأي العام تجاه الولايات المتحدة الأمريكية، الذي يماثل بشكلٍ متزايد الموقف الرسمي تجاه واشنطن.

في الواقع، يمنح عامل ترامب المتشددين منبراً مثالياً لفرض الآراء المناهضة للأمريكيين التي أيدوها منذ أربعة عقود. وحتى إن لم تؤدِ التوترات الحالية بين البلدين إلى مواجهةٍ عسكرية، إلا أن من المرجح أن تترتب على الديناميات السياسية المتقلبة والمواقف الاجتماعية التي أحدثها ترامب، عواقب على مدى السنوات القادمة.