وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

مع تزايد حظر كتبهم، الكتّاب في مصر تحت التهديد

Egypt- Book market egypt
بائع يرتب كتباً في سوق الكتب التاريخي، سور الأزبكية، في وسط القاهرة في 16 يناير 2019. Photo AFP

يزداد وضع الكتّاب المصريين صعوبة، حيث أن الكثيرين منهم في المنفى أو حتى يواجهون عقوبة السجن في الديار. أصبح التعبير عن الآراء النقدية أو المتعارضة حول السياسة أو الأخلاق أو الدين خطاً أحمر، واليوم، يخشى كثيرٌ من الكتاب نشر أي شيءٍ على الإطلاق.

فقد تمت مقاضاة الروائي المصري علاء الأسواني في مارس 2019 في محكمةٍ عسكرية بتهمة إهانة الرئيس والجيش والقضاء والتحريض على النظام. ويبدو أن السبب المباشر للدعوى هو أحد مقالاتٍ الأسواني الأسبوعية للمنفذ الألماني دويتشه فيله، حيث انتقد بشدة انخراط الجيش المصري في السياسة.

كمت يبدو أن رواية الأسواني الأخيرة “جمهورية كأن ،” لعبت دوراً. ووصف مقدم البرامج التلفزيوني نشأت الديهي الرواية في برنامجه بأنها “غير مهذبة” وتعارض “أخلاق الناس” وقال إنها أدت إلى توجيه اتهاماتٍ ضد المؤلف. تم حظر الكتاب في مصر وطبعه في النهاية ناشر لبناني. وبحسب ما قاله الأسواني لنا في فَنَك، “شعر ناشري المصري بخوفٍ كبير.”

وأضاف “تعرضت للهجوم في وسائل الإعلام بسبب الرواية ،” وتابع “تدور أحداثها أثناء الثورة [وتتحدث] حول الأشخاص الذين قتلهم السلطات وفحوصات العذرية.” كما تحدث أعضاء البرلمان ضد الرواية، قائلين إنها تتبع “أجندة غربية.”

يُقيم الأسواني الآن في الولايات المتحدة، حيث يقول إن العمل أصبح مستحيلاً بالنسبة له في مصر. وبصرف النظر عن روايته، تم حظر ندوة شهرية اعتاد تقديمها في عام 2015، إذ قال “لا أعتقد أنني سأعود إلى مصر في أي وقتٍ قريب.” وأضاف “يمكن تعديل قرار محكمة عسكرية من قبل الرئيس ووزارة الدفاع ، لذلك لا توجد عملية قضائية حقيقية يمكن الفوز بها.”

الأسواني ليس استثناءً عندما يتعلق الأمر بالكتاب المعرضين للتهديد في مصر. يعيش أحمد ناجي أيضاً في المنفى اختياري فرض عليه في الولايات المتحدة. ففي عام 2016، حُكم عليه بالسجن لمدة عامين بسبب انتهاكه الحياء العام بعد نشر مقطعٍ مثير في إحدى رواياته في مجلة ثقافية.

فقد قال لنا ناجي، “يخشى العديد من الكتاب النشر [في مصر]. أعرف كتّاباً يحاولون اليوم نشر كتبهم في لبنان وحتى الخليج.”

الحملة الحكومية على الكتب أوسع من مجرد عددٍ قليل من الكتاب المحددين. فقد تمت مداهمة سلسلة مكتبات الكرامة في عام 2016 وتم إغلاقها فيما بعد.كما تمت مداهمة دار ميريت للنشر في عام 2015 ومرةً أخرى في أواخر عام 2017. كما أجبرت مكتبة البلد على الإغلاق في عام 2017.

وعلاوةً على ذلك، تمت مداهمة العديد من فروع مكتبة ألف بسبب علاقات المالك المزعومة مع جماعة الإخوان المسلمين، وبحسب ما قاله ناجي، “ألف الآن تحت سيطرة صحيفة الأخبار الحكومية. كان لديها في السابق 20 فرعاً والآن لديها فقط خمسة أو ستة. كل شهر يتم إغلاق أحد الفروع.”

كما ينبغي على كتّاب القصص غير الخيالية أيضاً توخي الحذر. ففي أكتوبر 2018، تم احتجاز الخبير الاقتصادي عبد الخالق فاروق، مؤلف كتاب “هل مصر بلد فقير حقاً” وناشره بتهمة نشر أخبارٍ كاذبة. ويقول الكتاب أن الفقر في مصر يرجع إلى سياسات الحكومة السيئة والفساد. تم إطلاق سراح فاروق وناشره بعد أيامٍ قليلة؛ ومع ذلك لم نتمكن من التواصل معه للتعليق على ما إذا كانت القضية لا تزال قائمةً وما إذا كان كتابه قد تم حظره رسمياً.

وبصرف النظر عن السياسة والأخلاق، يمكن أن يكون المساس بالدين حقل ألغامٍ آخر للكتاب. فقد تلقى كرم صابر عقوبة بالسجن لمدة خمس سنوات في عام 2013 بتهمة ازدراء الدين والتشهير بسبب روايته “أين الله،” التي يروي فيها حياة المزارعين الفقراء في صعيد مصر.

وبغض النظر عن الحكم الصادر بحقه بالسجن، يعتقد ناجي أن هذه الحملة المنهجية على عالم الكتابة لم تبدأ إلا في عام 2018. “وقبل ذلك، كان يتم النظر إلى كل حالة على حدتها،” على حد قوله.

وبحسب ناجي، اتخذت الأمور منحى أسوأ خلال حفل توقيع كتاب الشاعر جلال البحيري في معرض القاهرة للكتاب في عام 2018 لمجموعةٍ من قصائده تحمل عنواناً ساخراً للجيش. كانت المجموعة تحمل عنوان “خير نسوان الأرض،” في إشارةٍ واضحة إلى وصف للجيش المصري الموجود في أحد الأحاديث أو الأقوال المنسوبة إلى النبي محمد على أنهم “خير أجناد الأرض.” حكم على البحيري بالسجن ثلاث سنوات أمام محكمةٍ عسكرية في يوليو 2018.

ويقول ناجي، “منذ ذلك الحين، تم حظر العديد من الكتب.” وأوضح، “قبل ذلك، كان يمكنك بسهولة طلب الترقيم الدولي الموحد للكتب (ISBN ). أما الآن فأنت بحاجة إلى شهادة مفادها أن الكتاب لا يتضمن أي شيءٍ ضد مؤسسات الدولة، وكذلك جميع التفاصيل عن الكاتب. بعد الحصول على الترقيم الدولي الموحد للكتب، يحتاجون إلى نسخ من الكتاب لإرسالها إلى المخابرات العامة والأمن القومي.”

وعلاوةً على ذلك، نظمت نسخة معرض القاهرة الدولي للكتاب لعام 2019 في ضاحية التجمع الخامس البعيدة “ليكون بمقدورهم السيطرة عليه،” كما يعتقد ناجي. وأضاف أنه طُلب من الناشرين أن يرسلوا مسبقاً العناوين التي يريدون عرضها.

وقال ناجي: “لا يخاف السيسي من [الظروف] الاقتصادية أو الإرهاب، بل من الكتب.” وتابع القول، “[الرئيس السابق] مبارك سمح برواية أخرى [معارضة لرواية الدولة المهيمنة] وهم [الحكومة الحالية] لا يريدون أن تندلع [الثورة] مرةً أخرى. لذا الآن يريدون السيطرة على جميع وسائل الإعلام والمحادثات والتلفزيون والصحف والكتب. هم يريدون السيطرة على من له تأثيرٌ على الجمهور ومن لا يملك ذلك. والكتب تتمتع بالقوة. يمكنها تغيير الرأي العام.”

وبالنسبة إلى ناجي، فإن تقليد الأدبي المصري الذي أدى إلى ظهور كتّاب أسطوريين – مثل نجيب محفوظ الحائز على جائزة نوبل وبهاء طاهر- من بين العديد من الآخرين- قد تلاشى إلى حدٍ كبير اليوم.

ولكن لا يتفق الجميع مع ذلك. لا يزال هناك العديد من الكتّاب الشباب الطموحين الذين يعملون على ظهورهم لأول مرة داخل مصر. “حتى في ظل النازيين، وستالين والأسد نجح الروائيون في صنع أعمالٍ خلاقة للغاية. لذا، يمكنك أن تفعل ذلك في ظل السيسي أيضاً،” هذا ما قاله كاتبٌ ناشط طلب عدم الكشف عن هويته.

ومع ذلك، فهو يعترف بالتحديات، وكما يقول، “لدى جميع الكتاب الجدد شيء واحد مشترك: يحاولون تجنب التحدث عن أي شيء سياسي بشكلٍ صريح. وسأفعل نفس الشيء.” كما إنه حذرٌ أيضاً بشأن المحتوى الجنسي، إذ قال “أكتب مشاهد جنسية بحرية [في المسودة الأولى]، لكن ربما بعد التحرير سأعيد التفكير في مشاهد معينة.”

وقال الكاتب الشاب إن بعض الكتاب يتمتعون حالياً بنجاحٍ كبير في مصر، مثل يوسف زيدان وأحمد مراد، لكنهم “من أشد مؤيدي السيسي.” وكلاهما معروف بدعمه العلني للنظام والرئيس السيسي، بل إن زيدان قدم حجةً على شاشة التلفزيون لعدم كتابته عن السياسة. وبحسب ناجي “[الدولة] تريد السيطرة على ما يصبح أكثر الكتب مبيعاً وما هو غير ذلك.”

ومع ذلك، يأبى الكاتب الشاب أن يفقد الأمل. “يمكنني الكتابة، بغض النظر عن الوضع السياسي. تمت كتابة كتبٍ من السجن.” بحسب قوله، “ككتاب نتحلى بالمرونة، خاصة عندما يتعلق الأمر بالخيال.”