بات يُقدم للركاب الذين يمرون عبر محطة الشهداء (التي أعيدت تسميتها من محطة مبارك بعد ثورة 2011)، الأكثر ازدحاماً في العاصمة القاهرة، خدمة جديدة: فتاوى مجانية من الأزهر الشريف.
فقد افتتح الأزهر، أعلى مرجعية سُنية وأهم سلطة دينية في مصر، الكشك لتقديم المشورة الدينية الفورية (الفتاوى) في يوليو 2017. وعندما زرنا في فَنَك الكشك المذكور، كان هناك ثلاثة رجال يصطفون في انتظار دورهم للتحدث إلى إمامين. لم يرغب الإمامان اللذان كانا يرتديان الزي التقليدي، في الرد على أسئلةٍ صحفية.
فالشائع لدى المسلمين استشارة أحد الشيوخ في أمور الحياة اليومية أو المعضلات الدينية، وذلك من أجل الحصول على المشورة للتعامل مع القضية المرجوة بطريقة إسلامية سليمة.
تنبع الفكرة من وراء كشك الفتاوى من جهود الأزهر تعزيز “الإسلام المعتدل.” ففي عام 2015، دعا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى إحداث “ثورة في الخطاب الديني،” لمحاربة الفكر المتطرف. ومن خلال هذه الأكشاك، يأمل الأزهر توسيع نطاق وصوله للعامة ومنع الناس من الانجذاب إلى الأفكار المتطرفة. ولا يزال هذا الكشك تحت التجربة، ومن المفترض افتتاح أكشاك أخرى في محطات المترو الأخرى.
فمنذ تولي السيسي منصب رئيس البلاد بعد الإطاحة بمحمد مرسي من جماعة الإخوان المسلمين في عام 2013، واجهت البلاد تمرداً مستمراً من التنظيمات التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية وغيرها من الجماعات الإسلامية الأصغر حجماً.ويشتد الصراع على وجه الخصوص في شمال سيناء، حيث يشن تنظيم داعش المحلي هجمات أسبوعية تقريباً على قوات الأمن. وفي أبريل ومايو 2017، استهدف انتحاريون المجتمع المسيحي القبطي في البلاد.
كانت ردود الفعل على كشك الفتاوى متباينة، إذ قال بعض الركاب انهم سعداء لوجود الكشك، ذلك أنه يوفر وسيلة سهلة الوصول للحصول على الفتاوى. بينما يرى فيه البعض الآخر مؤشراً على ازدياد التدين ومحاولةً من الأزهر فرض القيم الدينية على العامة. وكتب النائب محمد أبو حامد على تويتر أن الكشك يثبت أن الأزهر “منفصل عن واقع المجتمع،” بينما علق الناشط المصري لحقوق الإنسان هشام قاسم قائلاً: “الدين لله والمترو للجمهور.”
وبشكلٍ عام، يخضع دور الأزهر في مصر للجدل. ففي أعقاب الهجمات على الكنائس القبطية في طنطا والاسكندرية في أحد الشعانين، انتقد البعض الأزهر لعدم تكفيره متطرفي الدولة الإسلامية. أحد النقاد الصريحين هو المذيع التلفزيوني إسلام البحيري، الذي صرح أن على الأزهر نبذ بعض التعاليم الإسلامية التاريخية كتلك التي تحرض على العنف ضد غير المسلمين وتُستخدم كمصدر فكري للدولة الإسلامية. أدى انتقاد البحيري إلى توجيه تهمٍ إليه بالتجديف والحكم عليه بالسجن لمدة عام. كما وصف آخرون جامعة الأزهر، وهي مركز مهم للدراسات الإسلامية للطلاب من جميع أنحاء العالم، بالأرض الخصبة للجهاديين.
ويعتقد الدكتور إتش إيه هيلير، وهو زميل بارز في مجلس الأطلسي في الولايات المتحدة وخبير في الدراسات الإسلامية، أن هذا النوع من النقد إشكالي، إذ قال لفَنَك: “سأشعر بالقلق إذا بدأ الأزهر، بكل حرية، تقرير من مسلم ومن غير ذلك،” مضيفاً أنه من المعتاد تكفير داعش للمسلمين الآخرين.
وأوضح، يمكنك على سبيل المثال القيام بأمور تتعارض مع الإسلام، وأن تبقى مسلماً وفقاً للتقاليد الإسلامية. وتابع قوله: “إن عدم تكفير الأزهر لداعش لا يعني تعاطفه معهم؛ إذ لا يزال يعتبرهم مجرمين تتعارض أفعالهم مع الإسلام.” وأضاف إن تكفير داعش على أساس ارتكاب المعاصي سيكون “وضعاً خطيراً.” فعلى سبيل المثال، يتعارض احتساء الكحول مع الإسلام إلا أن العديد من المسلمين يحتسونها، وهذا لا يجعلهم مرتدين.
ووفقاً لهيلير، المشكلة مع الأزهر جزءٌ من قضية أوسع بكثير في مصر: سوء التعليم، إذ قال في هذا الشأن “الأزهر منظمة ضخمة وفوضوية، ولا يشجع النظام التعليمي الأكاديميين المختصين على الذهاب إلى الأزهر. وهذا يعني أن المعلمين السيئين يمكن أن يتسللوا بسهولة، فضلاً عن الطلاب السيئيين، مما يجعل العديد سريعي التأثر.”
ويعتقد هيلير أنه يمكن لمصر والعالم الإسلامي بشكلٍ عام الاستفادة من السلطة الدينية للأزهر، ذلك أنه يمكن أن يدحض القاعدة الإيديولوجية للدولة الإسلامية، على الرغم من أنه أعرب عن قلقه بشأن فعالية المنظمة. فهو لا يرى في إزالة بعض التعاليم الإسلامية من المنهاج الدراسي حلاً. وأضاف “لا ينبغي أن تزيل مفهوم الجهاد من المناهج الدراسية، بل عليك وضعه في سياقه التاريخي الصحيح، وبالتالي تُبيّن أنه لا يمكن أن يبرر أفعال المتطرفين.”
ويُفضل هيلير أن يصف الأزهر، بدلاً من “متطرف،” بالمؤسسه المحافظة التى لا تفضل التدخل الخارجي فيما تعتبره مجالها الحصري، ألا وهو الدين. وهذا يفسر ردها القوي على انتقادات من أشخاص مثل البحيري.
وفي مثالٍ آخر، رفض الأزهر اقتراحاً من السيسي يُقيّد قانونياً “الطلاق الشفوي،” وهو مفهومٌ في الشريعة الإسلامية يسمح للرجل بتطليق زوجته بالتفوه بعبارة الطلاق ثلاث مرات. وقال هيلير في هذا الصدد “قد يوجد فعلاً أساس إسلامي يُقيد الطلاق الشفوي، إلا أن الأزهر لن يدعمه ذلك أنه يرى في اقتراح السيسي تدخلاً في مجاله.”
يُشكل الجدل العام حول دور الأزهر في التعامل مع التطرف الخلفية التي تم بموجبها افتتاح كشك الفتاوى. وعليه، يمكن أن يُنظر إلى المبادرة باعتبارها وسيلة من وسائل الأزهر ليس لمحاربة التطرف فحسب، بل أيضاً للتأكيد على مكانته باعتباره السلطة الإسلامية الرئيسية في البلاد وتثبيت وجوده قدر المستطاع بين عامة الجمهور.