مع تحوّل الإنتفاضة السورية إلى حربٍ أهلية شاملة في أواخر عام 2011، بدأ نشر المعلومات والشائعات يُبث عبر الإنترنت. ساعد تدفق المعلومات الخاطئة، الذي شاركت فيه جميع الأطراف بدرجاتٍ مختلفة، على تشويه المكونات الأساسية للصراع.
ومع ذلك، ما كانت الدعاية ستزدهر لو لم يواجه الصحفيون تهديداتٍ متعددة. ففي عام 2012، تعرض الصحفيون لخطر الاختطاف والقتل على أيدي الجهاديين الذين سيطروا على الحدود التركية. بالنسبة للجزء الأكبر منهم، مُنع الصحفيون أيضاً من الدخول من قِبل النظام، الذي استهدف وقتل الصحفيين الأجانب مثل ماري كولفين وريمي أوشليك. ترك إنعدام وصولهم هذا المجال مفتوحاً أمام الصحافيين المشبوهيين والمتصيدين لملء الفجوة بنشر المعلومات والشائعات.
قبل الانتفاضة، كان النظام قد بنى بالفعل نظام اتصالاتٍ معقد يستهدف أنواعاً مختلفة من الجماهير الذين لديهم آراء مختلفة، إن لم تكن معارضة. تتوقف قوة النظام اليوم على قدرته على تقديم نفسه على أنه مقاومٌ للخطط الغربية لتغيير النظام وكحصنٍ ضد الإسلام المتطرف والإرهاب. فقد تمكن الرئيس بشار الأسد من تصوير نفسه كرجل عائلة علماني بمساعدة زوجته أسماء، حيث ساعدت لهجتها البريطانية وأنشطتها الخيرية – مع التركيز على حقوق المرأة والفتيات – في تحسين صورة النظام.
في الوقت نفسه، طور الأسد صورة الزعيم المتشدد بـ”معادته للإمبريالية” في سوريا والعالم العربي، حيث أكسبه هذا دعماً دولياً واسعاً ممن يصفون أنفسهم بالمعاديين للإمبريالية.
ففي المملكة المتحدة، على سبيل المثال، جعل الاستياء من الدور الذي لعبته بريطانيا في الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق عام 2003 العديد من جماعات المجتمع المدني معاديةً بشدة لتغيير النظام، مما جعلهم منفتحين أمام دعاية النظام السوري. يُعد تحالف “أوقفوا الحرب” من سمات هذه الظاهرة، إذ يُحسب من بين رعاته كمال ماجد، العضو المؤسس لجمعية ستالين، الذي صرح خلال اجتماعٍ للحزب الشيوعي الجديد في عام 2012 أن عائلة الأسد لديها تاريخٌ طويل في مقاومة الإمبريالية الغربية، وبالتالي يجب دعمها. وفي أغسطس 2014، أثار التحالف غضباً عندما نشر على موقعه على الإنترنت مقالاً ينفي حدوث أزمةً كبيرة في المجتمع الإيزيدي العِرقي من خلال وصفه بـ”الحصار الوهمي إلى حدٍ كبير” الذي استخدم “لتبرير حربٍ جديدة في العراق.” اليوم، المؤيدون السابقون لتحالف أوقفوا الحرب يتهمونه بـ”التجاهل المنهجي لجرائم الحرب التي ارتكبها نظام الأسد.”
والأهم من كل ذلك، انتقدهم العديد من النشطاء لغضهم الطرف عن أي شيءٍ آخر غير الإمبريالية الغربية المتصورة. ففي أبريل 2017، خلال الاجتماع العام لتحالف أوقفوا الحرب، لم يرد أي ذكرٍ لتدخل روسيا في سوريا أو في النظام السوري، بينما طالب الاقتراح الرابع بحملةٍ إعلامية “لإثبات أن عدد القتلى المدنيين في الموصل بالعراق بسبب القصف الغربي أصبح الآن وبحسب التقارير، أعلى من عدد قتلى قصف الأسد لحلب.”
بالإضافة إلى معاداة الإمبريالية، هناك سمة رئيسية أخرى من دعاية النظام تتمثل في تصوير نفسه على أنه العمود الفقري للتعايش الديني وحماية الأقليات الدينية، لا سيما الأقليات المسيحية، في بيئةٍ تتسم بتطرفٍ إسلامي متزايد. ففي فرنسا، تم تسليط الضوء على هذا الخطاب من قبل فئاتٍ من اليمين الكاثوليكي واليمين المتطرف مرددين الدور الاستعماري التاريخي للبلاد كحاميةٍ للأقليات المسيحية في بلاد الشام. وفي مارس 2016، التقى وفدٌ من 30 شخصية فرنسية معروفة – بما في ذلك خمسة سياسيين من حزب اليمين، الجمهوريون، وعدد من أنصار اليمين المتطرف- الأسد في دمشق بعد أن أعلن الجيش أنه استعاد مدينة تدمر من تنظيم داعش.
وأيضاً، لن تكون دعاية النظام فعالة بأي شكلٍ من الأشكال دون مساعدة وسائل الإعلام الروسية التي تسيطر عليها الدولة، إذ أن سوريا ليست سوى واحدةٍ من العديد من الساحات التي يسعى فيها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى مواجهة الغرب، بيد أنها جزء أساسي لاستراتيجيتها الدبلوماسية. فقد قامت وسائل الإعلام الروسية مثل سبوتنيك وروسيا اليوم بنشر رواية موسكو باجتهاد.
ومن الأمثلة على ذلك حملة المعلومات المضللة ضد الخوذ البيض، المعروفة رسمياً باسم الدفاع المدني السوري. فقد تم الإشادة بالمنظمة الإنسانية لإخراجها الضحايا من تحت أنقاض المباني المدمرة، ولكن بالرغم من بطولتهم، تم تشويه الخوذ البيض لمساعدتهم تنظيم القاعدة، مما أثار الشكوك بين السياسيين والشخصيات البارزة حول أهداف الجماعة وصحة لقطاتها المصورة. ووفقاً للباحثين الذين قابلتهم صحيفة الجارديان حول نشر المعلومات المضللة عبر الإنترنت، فهناك “دليلٌ على وجود حملة تأثير روسية مستهدفة ضد الخوذ البيض” مع وجود القليل من “الخبراء” الذين يولدون عدداً كبيراً من تلك الروايات المضادة. وعلى تويتر، تشبه حسابات آلاف المستخدمين الذين يستهدفون الخوذ البيض بعضهم البعض و”تشمل العديد من الحسابات المعروفة المؤيدة للكرملين.”
تبنت بعض الشخصيات الثقافية البارزة خطاباً حقوداً مشابهاً ضد الخوذ البيض. فقد انتقد روجر ووترز، المؤسس المشارك لفرقة بينك فلويد، المنظمة بوصفها بالمزيفة والتي تعمل على تشجيع التدخل الغربي في سوريا.
لا تقتصر الدعاية عن سوريا على تلك التي يُنتجها النظام وحلفاؤه فحسب، بل شنت أيضاً جماعات المتمردين حرباً دعائية، وإن لم يكن بالقدر نفسه.
عندما اندلعت الحرب في عام 2011، عزز العديد من قادة المعارضة الرواية التي تقول إن النظام سينهار في غضون أشهر، الأمر الذي تناقلته العديد من وسائل الإعلام البارزة، إذ أن تناقل الأخبار السيء هذا غذى الاعتقاد بأن النظام كان ضعيفاً.
وخلال حصار حلب في عام 2016، كانت الدعاية تجري على قدمٍ وساق. فقد روى سام دوبرلي، مستشار منظمة العفو الدولية، في مقالٍ كيف نفذت منظمة حقوق الإنسان عملها على وسائل التواصل الاجتماعي لتوثيق جرائم الحرب المحتملة عندما كانت القوات الحكومية السورية تتقدم إلى شرق حلب في 12 ديسمبر. وكتب أنه إلى جانب الصور الأصلية، واللقطات والشهادات، تم نشر صورتين وفيديو واحد على نطاقٍ واسع من قبل نشطاء المعارضة والمتعاطفين معها على الرغم من عدم التقاطها في حلب. كانت إحدى الصور لامرأة يُفترض أنها قتلت في الشارع بعد تقدم الجيش. في الواقع، كانت الصورة لمقتل مواطنٍ أمريكي في أفغانستان في ديسمبر 2015.
في أوائل عام 2018، أسفر الصراع في عفرين، شمال سوريا، بين الجيش التركي والمقاتلين الأكراد السوريين، عن الكثير من الدعاية. كان العنصر المذهل في هذه القضية هو أن كل طرفٍ اتهم الطرف الآخر بالتورط مع تنظيم داعش.
تُمثل سوريا حرب المعلومات في العصر الرقمي، ومع تحوّل أنظار العالم الآن نحو عملية إعادة أعمار البلاد، من المرجح أن يستمر صراع الروايات هذا على الصعيد المحلي والإقليمي والدولي.