“الفارسُ الحقيقي لا يُبدلُ حصانهُ أثناءَ المعركة،” حسب مقولةٍ سودانيةٍ قديمة، لكن الرئيس السوداني عمر البشير، أثناء مواجهته لأحد أعظم التهديدات على زعامتهِ للسلطة منذ ثلاثة عقود، تخلى عن هذه القاعدة وعيّن وزير دفاعه الفريق أول عوض ابن عوف نائباً أول لرئيس الجمهورية في محاولة للبقاء في السلطة.
حل ابن عوف محل صديق البشير القديم وحليفه الفريق بكري حسن صالح، الذي كان نائبه الأول لرئاسة الجمهورية لستة أعوام، وأول من تقلد منصب رئيس الوزراء عندما إستولى البشير على السلطة في إنقلابٍ عسكري في 30 يونيو 1989. وهو أحد الضباط الخمسة عشر الذين شاركوا في الإنقلاب العسكري، وكان صالح أيضاً الوحيد الذي بقي بجانب الحاكم الجديد.
جاء التعيين في 23 فبراير 2019 في وقتٍ دخلت فيه الإحتجاجات الشعبية المتواصلة ضد الحكومة شهرها الثالث. إنفجرت الإحتجاجات في 19 ديسمبر 2018 بسبب الازمة الاقتصادية وشح الخبز والوقود، لكنها سرعان ما إنتشرت في طول البلاد وعرضها وارتفع سقف مطالبها لتنادي بتنحي الرئيس البشير عن السلطة.
فمن هو الفريق أول عوض ابن عوف؟ ولماذا راهن عليه الرئيس البشير بقوة؟
شَغل ابن عوف سابقاً منصب وزير الدفاع لأربعة أعوام، لكنه آثر البعد عن الأضواء وفضل تجنب الإعلام على حد وصف الصحف السودانية. ولد عام 1954 في منطقة قري، التي تبعد 70 كيلومتراً شمالي الخرطوم، إلا أنه ينتمي لمنطقة الشمال النيلي التي إنحدر منها جميع رؤساء السودان منذ الإستقلال بمن فيهم الرئيس البشير نفسه.
تخرج ابن عوف من الكلية العسكرية السودانية برتبة ملازم في العشرين من العمر وخدم في سلاح المدفعية، تلقى بعدها دورات عسكرية متخصصة في مصر. تولى مناصب عسكرية مختلفة خلال مسيرته المهنية. عُينَ مديراً للأمن الإيجابي في جهاز الأمن الوطني، ثم عُينَ مديراً لهيئة الإستخبارات العسكرية وهي مؤسسة في غاية الأهمية في بلد يحكمها جنرال في الجيش كان يخوض حرباً أهلية في أربعة جبهات لعقود من الزمن. أصبح ابن عوف نائباً لرئيس هيئة الأركان المشتركة للجيش قبل أن يحال للتقاعد سنة 2010.
واصل الفريق أبن عوف إنشغاله بالسياسة والعمل العام بعد تقاعده من الخدمة العسكرية حيث عين سفيراً في وزارة الخارجية ومديراً لإدارة الأزمات في الوزارة ولعب دوراً مهماً في تسوية الخلافات وتحسين العلاقات بين السودان وأريتريا كرئيسٍ للجنة الامنية في مفاوضات الطرفين عام 2011. ثم عين قنصلاً في السفارة السودانية في القاهرة، مصر، وهي وظيفة سياسية ودبلوماسية وأمنية في بلدٍ بالغ التأثير على السياسة السودانية. إنتقل بعدها إلى عُمان حيث شغل فيها منصب سفير. إستقال من المنصب بعد أقل من عام، ولكن بسبب تسميته وزيراً للدفاع في اغسطس 2015.
سيرة مثير للجدل
هذه الخلفية العسكرية والأمنية والدبلوماسية والسياسية الثرية والمتنوعة، نادراً ما توفرت لنواب الرئيس السابقين، لكن سجله يُظهر أيضاً صفحاتٍ أخرى قاتمة تنم عن يد غليظة.
في عام 2005، أسس خلال رئاسته للإستخبارات العسكرية السودانية، وفقاً لصحيفةٍ مواليةٍ للحكومة في الخرطوم، قوات حرس الحدود التي قننت وضمت أعداداً كبيرة جداً من مليشيات الجنجويد للجيش السوداني. وقد أُتهمت مليشيات الجنجويد، المؤلفة من السودانيين العرب، بإرتكاب إنتهاكاتٍ واسعة النطاق لحقوق الإنسان في منطقة دارفور ضد سودانيين من أصولٍ إفريقية أبان الحرب الاهلية.
فقد كانت لجنة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة عام 2005 قد وضعت إسم ابن عوف ضمن قائمة المسؤولين عن تدهور الأوضاع في دارفور. ونتيجةً لذلك، قامت الولايات المتحدة بتجميد أصولة منذ مايو 2007، ولايزال إسمه في القائمة الامريكية السوداء، مما يمكن أن يشكل عائقاً لأداء مهمته ويعيد للأذهان فصلاً من التاريخ السوداني التي عكفت الحكومة على طيه طويلاً. علاوةً على ذلك، حملته تقارير صحافية لمعارضين سودانيين مسئولية التعاون مع جيش الرب للمقاومة الاوغندي الذي إرتكب بدوره إنتهاكاتٍ جسيمة في أوغندا وجنوب السودان أثناء الحرب.
حكومة المطلوبين دولياً
عُين ابن عوف في نفس اليوم الذي أعلن فيه البشير حالة الطوارىء، وحل الحكومة الاتحادية والولائية (حكومات الولايات) وتعيين ولاة عسكرين بدلاً عنهم. وقد بادر الفريق ابن عوف بتأكيد دعمه للرئيس البشير مراراً وتكراراً منذ اواخر يناير الماضي بلقاءات متعددة بضباط الجيش السوداني شدد فيها على أن الجيش لن يسمح بانزلاق البلاد إلى حالة من الفوضى.
وقال “إن الذين يتصدرون المشهد في المظاهرات هي ذات الوجوه التي ظلت تعادي السودان وتشوه صورته امام العالم، و تؤلب عليه المنظمات وتوفر الدعم للحركات المتمردة التي ظلت تقاتل القوات المسلحة على مدى السنوات الماضية، سلوكهم اليوم يثير الشكوك في وطنيتهم.”
وفي خطوةٍ أخرى تُنبئ بمخاوف البشير، قام بتعيين أحمد هارون نائباً له في رئاسة الحزب الحاكم، حزب المؤتمر الوطني، وتفويضه كل صلاحيات الرئيس، بدعوى أن الرئيس يريد أن يحتفظ بمسافة واحدة من كل القوى السياسية ويساعد على إدارة حوار وطني.
إن أهم ما يجمع أحمد هارون والبشير أن كلاهما مطلوبٌ لدى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بتهمة إرتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية أثناء الحرب الأهلية في دارفور. حيث كان هارون آنذاك وزير دولة بوزارة الداخلية السودانية ورئيساً للجنة أمن ولاية دارفور التي تولت ادارة عملية التصدي لمتمردي حركة تحرير السودان الدارفورية. تولى هارون العديد المواقع الحكومية الهامة كوالٍ (حاكم) لولايات غرب السودان، وإدراج إسمه ضمن لائحة المطلوبين دولياً في أبريل 2007 لم يستبعده من تولي مناصب سياسية.
بإختصار، الرئيس ونائب الرئيس الأول ونائب رئيس الحزب الحاكم من المطلوبين دولياً. وهذا وضع غير مسبوق سياسياُ، لكنه يؤمن ظهر البشير من أي محاولةٍ قد يقدم عليها الحزب الحاكم لتقديمه ككبش فداءٍ في ظل تنامي الإحتجاجات. وقد أظهر بعض قادة الحزب الحاكم بالفعل تأييداً علنياً لدعوات تنحي الرئيس، منهم الأمين العام الأسبق للحزب الحاكم الشفيع أحمد.
إستعادة القبول الإقليمي
كوزيرٍ للدفاع ونائب لرئيس الجمهورية الآن، أكد ابن عوف مراراً أن قواته ستبقى تقاتل بجانب التحالف السعودي في اليمن، مما يعزز من فرص القبول الإقليمي لحكومة الخرطوم خاصة أن التغيرات الاخيرة وإعلان حالة الطوارئ في السودان باعد بالسودان إلى حدٍ كبير من التحالف القطري التركي الإسلامي، التي هي الآن في خصومةٍ مع السعودية وعدة دولٍ أخرى حول مزاعم دعم قطر للإرهاب.
بدا ذاك التوتر في العلاقات واضحاً في الحملات القوية التي تشنها قناة الجزيرة القطرية على القيادة السياسية في السودان بالتركيز على مهاجمة الفريق صلاح قوش، مدير جهاز الامن والمخابرات ورجل النظام القوي في الخرطوم.