وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

السودان: انتفاضة أبريل 1986 والانقلاب العسكري الإسلامي

السودان الانقلاب الإسلامي
أفراد من القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع على دبابة من طراز تي 55. Photo Pancerna / Flickr.

المقدمة

بلغت الأزمة ذروتها مع إعدام محمود محمد طه في 18 يناير 1985. عارض طه، وهو مفكر إسلامي حداثوي وزعيم الحزب الجمهوري، بشدة قوانين الشريعة التي أراد جعفر نميري تطبيقها. حوكم وأُعدِم بتهمة الردة، ومعارضة تطبيق الشريعة الإسلامية، وتعكير صفو الأمن العام، وإثارة المعارضة ضد الحكومة.

بدأت المظاهرات المناهضة للحكومة في مارس من عام 1985، وتطورت إلى إضراب عام في الخرطوم والمدن الرئيسية الأخرى في أوائل أبريل 1985. قاد التحالف الوطني الإضراب، وهو مجموعة من أحزاب المعارضة، حيث شلّ الإضراب العام البلاد بينما كان نميري في زيارة للولايات المتحدة الأمريكية. أطاح وزير الدفاع، المشير عبد الرحمن سوار الذهب، بنميري من السُلطة، ونقلها للمجلس العسكري الانتقالي. وفي ضوء ذلك، استعيدت الحريات، واستؤنفت الأنشطة الحزبية القانونية. وفي الانتخابات اللاحقة، أصبح الصادق المهدي رئيس الوزراء. تميزت إدارته بعدم الاستقرار السياسي، والقيادة المترددة، والمناورات الحزبية، ممّا أدى إلى تحالفات قصيرة الأجل، والفشل في التوصل الى تسوية سلمية في الجنوب.

خلال هذه الفترة، أصبحت الجبهة الإسلامية القومية، بقيادة حسن الترابي، أكثر تأثيراً، حيث روّجوا للشريعة كحلٍّ للأزمة في البلاد.

الانقلاب العسكري الإسلامي في يونيو 1989

في 30 يونيو 1989، استولى مجلس قيادة الثورة للخلاص الوطني بقيادة العميد عمر حسن أحمد البشير، على السُلطة. في واقع الأمر، كان مجلس قيادة الثورة مجرد وسيلة للجبهة الإسلامية القومية. وفي حين كان الجيش رسمياً وبصورة رسمية في موقع المسؤولية، إلّا أنّ القرار الفعلي وسُلطات صنع السياسة كانت فحسب بيد مجلس شورى الجبهة الإسلامية القومية.

فرض النظام العسكري للبشير إجراءات قاسية ضد النشطاء السياسيين، حيث تمّ سجن المئات وتعذيبهم، كما حظرت النقابات والأحزاب، وألغيت الحريات الصحفية. خضعت أجهزة الدولة، بما في ذلك الجيش، لتغييرات جذرية، وتمّ فصل آلاف الموظفين إلى جانب ترقية العناصر المتعاطفة مع الجبهة الإسلامية القومية لمناصب رئيسية، في حين تمّ فصل أكثر من 400 قاضٍ.

دون أي تأخير، أعادت الحكومة الجديدة سنّ قانون الشريعة عام 1991. واصل النظام العسكري الجديد الحرب ضد المتمرديين الجنوبيين، التي تحولت إلى حربٍ دينية في الدفاع عن الإسلام ضد الكفّار، وبالتالي، تمّ تجنيد الشباب في قوات الدفاع الشعبي لأسلمة شعب جنوب السودان. ومع ذلك، واصل الجيش خسارة المدن لصالح جيش التحرير الشعبي السوداني باستثناء جوبا وملكال وواو؛عواصم المحافظات الرئيسية الثلاث. وفي الوقت نفسه، تم تسليح ميليشات عربية لمحاربة القبائل الجنوبية المجاورة. تدفق النازحون الجنوبيون إلى الشمال، أو بحثوا عن ملاذٍ آمنٍ في إثيوبيا والدول المجاورة الأخرى.

استمر مجلس قيادة الثورة حتى عام 1993. اقترح حلفاءٌ إسلامييون للجيش اتخاذ خطوة نحو حكومة مدنية بدلاً من الحفاظ على المظهر الخارجي العسكري، ولكن كان التغيير ظاهرياً، وظلت عناصر الحزب نفسها في السُلطة. عُقدت أول انتخابات رئاسية وتشريعية منذ انقلاب عام 1989 في عام 1996، حيث فاز البشير برئاسة الجمهورية وأعيد انتخابه مرة أخرى عام 2000. استمرّ التحوّل المزعوم للحكومة مع الاستفتاء الشعبي عام 1998، الذي أسفر عن الموافقة على دستور جديد بأغلبية ساحقة. وبدا أنّ إدخال التعددية الحزبية عام 1999، مع مراعاة قانون تسجيل الأحزاب، قد حافظ على السُلطة في يدّ الجبهة الإسلامية القومية السابقة بدلاً من دعم الانتقال إلى الديمقراطية.

وفي عام 1995، اتهم حسني مبارك، الرئيس المصري، السودان بالضلوع في محاولةٍ لاغتياله في أديس أبابا، وفي عام 1998 شنت الولايات المتحدة الأمريكية هجوماً على مصنع للأدوية في الخرطوم بزعم تصنيعه مواد للأسلحة الكيميائية.

في عام 1999 حلّ الرئيس البشير الجمعية الوطنية وأعلن حالة الطوارئ عقب صراع على السلطة مع معلمه، حسن الترابي؛ رئيس البرلمان. كان هناك انقسام داخل صفوف الإسلاميين، إذ سيطر البشير، بصفته ممثلاً للجناح العسكري للإسلاميين، الآن على السُلطة من الزعيم التاريخي، الترابي، الذي أسس حزباً جديداً، المؤتمر الشعبي السوداني، بعد أن أمضى عدة سنوات في السجن.

السودان الانقلاب الإسلامي southern provinces
أقاليم جنوب السودان التاريخية قبل الانفصال عام 2011.

واصل الاقتصاد تدهوره، بسبب العُزلة والحرب الأهلية في الجنوب، وانخفاض الإنتاجية، وزيادة التضخم. بدأ السودان تصدير النفط، ممّا وفّر المزيد من العائدات للاقتصاد المتداعي. ركزّت السياسة الاقتصادية للنظام على توفير جميع الموارد الممكنة لدفع ضرائب ورسوم وغيرها من نفقات الحرب. كما تمّ تبني التجارة الحرة والخصخصة لمصلحة الفئة الناشئة حديثاً من الإسلاميين الأغنياء، ولم تستثمر عائدات النفط في الزراعة والصناعة، والخدمات، بل ذهب معظمها لسداد تكاليف الحرب.

وقعّت حكومة البشير والمتمردين الجنوبيين اتفاق السلام الشامل في يناير 2005، منهياً الحرب الأهلية الطويلة في البلاد. ونصّ اتفاق السلام الشامل على وضع دستورٍ جديد، فضلاً عن تحديد تدابير جديدة لتقاسم السلطة وتوزيع الثروة، وتوفير الأمن. كما سمح بإدارة منفصلة لجنوب السودان، ونصّ على إجراء استفتاءٍ شعبي حول استقلال هذه المنطقة في غضون ستّ سنوات، ممّا أدى إلى انفصال جنوب السودان عام 2011.

اندلع الصراع في دارفور في عام 2003 عندما بدأ المتمردون الكفاح المسلح احتجاجاً على تجاهل الحكومة المركزية لتلك المنطقة الغربية. ورداً على ذلك، قامت الحكومة بتسليح الميليشيات العربية، التي أصبحت تُعرف باسم الجنجويد، لقتال المتمردين في دارفور. وبحلول عام 2007، ترك الصراع وما نتج عنه أزمةً إنسانيةً و مئات الآلاف من القتلى وأكثر من مليونيّ نازح داخلياً وخارجياً.

وفي يوليو 2008، ادّعى أحد المدعين العامين في المحكمة الجنائية الدولية، أنّ البشير يتحمّل المسؤولية الجنائية عن جرائم القتل في دارفور. واتهم المدعي العام بشير بالإبادة الجماعية، وجرائم الحرب، والجرائم ضدّ الإنسانية وسعى لإصدار مذكرة لاعتقاله، التي لا تزال سارية المفعول.