خلف بشارة بطرس الراعي، الذي ولد في 25 فبراير 1940 في حملايا، التابعة لجبل لبنان، نصر الله بطرس صفير، في منصب بطريرك أنطاكية الماروني ورئيس الكنيسة المارونية الكاثوليكية في 25 مارس 2011. ومع ذلك، يُعرف على أفضل وجه بقدرته على إثارة الجدل.
ارتاد مدرسةً للرهبة اليسوعية، وثم انخرط في صفوف الرهبة المريمية المارونية عام 1962 وسيّم كاهناً في عام 1967. ومن عام 1967 إلى عام 1975، كان مسؤولاً عن البرامج العربية لراديو الفاتيكان، وأيضاً في عام 1975، حاز على درجة الدكتوراه في الحقوق الكنسية والمدنية.
بدأ يكتسب مكانةً بارزة في عام 1986، عندما عيّن أسقفاً برتبة نائب بطريركي، لرئيس الكنيسة المارونية. وفي السنوات التالية تتالت التعيينات في تعاقبٍ سريع: في 9 يونيو 1990 انتخب أسقف مدينة جبيل الساحلية، وعام 2003 انتخب أمين سر السينودس الماروني، وفي عام 2009 عين رئيساً للجنة الأسقفية الكاثوليكية للإعلام. وبعد ثماني سنوات، وبعمر الـ71 عاماً، انتخب بطريرك المارونيين بأكثر من ثلثي الأصوات. وكما هو مألوف بالنسبة للبطريركيين المارونيين، أضيف إلى اسمه بطرس، الاسم المعرّب لبيتر، تيمناً بالقديس بطرس، أحد التلاميذ الاثني عشر والأسقف الأول لكنيسة أنطاكية قبل أن ينتقل إلى روما.
وخلال أحد الصلوات في الفاتيكان في 24 نوفمبر 2012، منح البابا بندكت السادس عشر، الراعي لقب كاردينال، ليصبح رابع بطريرك ماروني يتم منحه اللقب، وواحد من ستة كهنة، جميعهم غير أوروبيين، تم منحهم اللقب في ذلك اليوم. ومن غير المعتاد أن يختار البابا غير الأوروبيين فحسب، إلا أن منح اللقب كان يهدف إلى التعبير عن الطابع الدولي للكنيسة الكاثوليكية، كما صرح البابا. فقد قال أمام الرعية أنّ الكنيسة الكاثوليكية تنتمي إلى الجنس البشري بأكمله، وليس لمجموعة واحدة فحسب، وهي كنيسة لجميع الشعوب.
وبصفته كاردينال، كان الراعي مرشحا للبابوية بعد استقالة البابا بنديكتوس السادس عشر في 11 فبراير 2013، وشارك بصفته كاردينال ناخب في الانتخابات الرئاسية التي انتخب فيها البابا فرنسيس في الشهر التالي. بدأت علاقته مع البابا الجديد عندما سماه البابا كعضوٍ في مجمع التعليم الكاثوليكي في نوفمبر 2013.
وبعد ما يزيد بقليل عن الستة أشهر، أي في مايو 2014، أثار الراعي الجدل بسفره إلى إسرائيل للانضمام إلى البابا في جولته في الأراضي المقدسة. فلبنان لا يزال من حيث المبدأ في حالة حربٍ مع إسرائيل، على الرغم من توقيع هدنةٍ في عام 1949، ولم يقم أي بطريرك ماروني آخر قط بزيارة البلاد. دافع عن هذه الزيارة التي أدانها حزب الله باعتبارها “خطيئة تاريخية،” موضحاً لوكالة فرانس بريس أن “البابا سيزور الأراضي المقدسة والقدس. سيذهب الى أبرشية البطريرك، لذلك من الطبيعي أن يرحب البطريرك به.”
كما وسبق وأغضب معارضين النظام السوري بدعم حق حزب الله في حمل السلاح في لبنان، وحذر من استيلاء الإسلاميين على سوريا في حالة الإطاحة بالرئيس بشار الأسد. ونتيجةً لهذا التعليق، رفض الرئيس أوباما مقابلة الراعي خلال زيارته للولايات المتحدة، بعد أشهرٍ فقط من انتخابه في عام 2011 كبطريرك.
الدعم الدولي والمشاركة السياسية
حقق الراعي نجاحاً أكبر بالاجتماع مع قادة فرنسا. وباعتبار فرنسا مؤيدةً لمسيحيي الشرق الأوسط، فقد رحب الرئيس فرانسوا هولاند ثلاث مرات بالراعي في قصر الإليزيه، في أبريل 2013 و2015، وكان آخرها في مايو 2016. وبصفته كاردينال، التقى بالرئيس السابق نيكولا ساركوزي في عام 2011، عندما حصل على الصليب الأكبر من وسام جوقة الشرف. واستغل الفرصة لدعوة المجتمع الدولي إلى الاعتراف بـ”حياد لبنان،” في مواجهة عدم الاستقرار الإقليمي المستمر وتدفق نحو 1,5 مليون لاجىء سوري. وكانت تعليقاته موجهة أساساً إلى حزب الله، الذي يساعد في دعم نظام الأسد.
وعلى الرغم من استمرار الحرب في سوريا واعتراضات واسعة من السياسيين اللبنانيين، حضر الراعي اجتماع المجلس البطريركي عام 2015 في العاصمة السورية، دمشق. وخلال الاجتماع، دعا إلى السلام وتحدث عن محنة الملايين من اللاجئين فى المنطقة. وقال في عظته: “لنفكر معاً، ونوحد جهودنا وكلمتنا وصوتنا وعملنا، ونحمل مع شعبنا في سورية والعراق، وفي مختلف بلدان الشرق الاوسط حيث يعانون، نحمل معا صليب الفداء، وفينا رجاء كبير ان يوم الجمعة ليس اليوم الاخير. فبعد الموت القيامة.”
وعلى الرغم من أن تعليقاته وأعماله لا تزال تثير الجدل في الأوساط السياسية والدينية، يعتبر شخصية دينية موقرة لأكثر من مليون ماروني في لبنان. فقد كرّم في كتاب نشرته إيزابيل ديلمان في العام الماضي حمل عنوان وسط الفوضى: مقاومة مسيحي في الشرق (Au coeur du chaos. La résistance d’un chrétien d’Orient)، حيث توضح الكاتبة من خلال سلسلة من المقابلات، منصبه المعقد كممثلٍ ديني لمنطقة تواجه حرباً وصراعاً وفوضى.