المقدمة
شاركت القوات المسلحة اللبنانية حديثة العهد بالاستقلال في الحرب الأهلية عام 1948 ضد دولة إسرائيل المعلنة حديثاً حينها بألف مقاتل فقط، أصغر الوحدات العربية. وكانت القوات المسلحة اللبنانية في ذلك الوقت تتألف من 3,500 جندياً. وقد قامت تلك القوة اللبنانية بشن بعض الغارات المفتقرة إلى الحماسة على شمال إسرائيل، وسرعان ما اندحرت أمام القوات الإسرائيلية. وقيل أن إسرائيل قد توصلت إلى اتفاق قبل اندلاع تلك الحرب مع الجنرالات المارونية في لبنان لضبط النفس. وقع لبنان اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل عام 1949، بعد وقت قصير من توقيع مصر عليه. في ذلك الوقت ما كان لأحد أن يتصور أن البلاد سوف تصبح مختبر معارك لحروب غير متكافئة وتكتيكات مكافحة التمرد. ومع ذلك، فإنه ليس من قبيل المبالغة أن توصف الصراعات المتلاحقة التي اجتاحت هذا البلد الصغير على أنها حيوية للتطورات العسكرية العالمية.
بعد الحرب العربية الإسرائيلية 1948-1949، والنكبة الفلسطينية، انتهى المطاف بحوالي 100,000 لاجئ فلسطيني في لبنان. وقد أضافوا إلى التوتر المتزايد بين المسيحيين والمسلمين الموجود في البلاد. وفي الخمسينيات، ازداد الوضع السياسي سوءً عندما أيد الكثير من المسلمين الحركة القومية العربية التي أسسها الرئيس المصري جمال عبد الناصر. وكان المسيحيون الموارنة في عهد الرئيس كميل شمعون أقل حماساً للقومية العربية التي، مع عوامل أخرى، أدت إلى “انصهار” قصير الأمد بين مصر وسوريا في الجمهورية العربية المتحدة في شباط/فبراير 1958.
في تموز/يوليو من ذلك العام، شعر شمعون بالتهديد من اضطرابات داخلية وطموحات عبد الناصر إلى حد جعله يطلب مساعدة عسكرية من الولايات المتحدة. وبفضل الأسطول السادس الأمريكي، كان للولايات المتحدة تواجد عسكري كبير في منطقة البحر الأبيض المتوسط. تم بسرعة تجميع قوة التدخل السريع من مشاة البحرية، إلى جانب القوات المحمولة جواً من ألمانيا. وهبطت تلك القوات على الساحل بالقرب من بيروت وتحصنت في المطار.
وأفلحت دبلوماسية التهديد العسكري: اضطر شمعون إلى الاستقالة، ولكن الاضطرابات السياسية هدأت أيضاً. وفي غضون أربعة أشهر انسحبت القوات الأمريكية إلى سفنها وثكناتها العسكرية. وكانت الخسائر ضئيلة. وكانت هذه أيام ذهبية للقوات الأمريكية في لبنان. الأمر الذي كان سيتغير بطبيعة الحال.
فتح في لبنان
عام 1967، وفدت أفواج جديدة من اللاجئين نتيجة الأعمال العدائية خلال حرب حزيران/يونيو. وفي عام 1970، لجأت أفواج أخرى من الفلسطينيين إلى لبنان، بعد أن طرد الملك حسين بمنظمة التحرير الفلسطينية التي كان يرأسها ياسر عرفات وحركة فتح من الأردن. وقد استفادت منظمة التحرير الفلسطينية – المؤلفة من 8-10منظمات بينها القليل من التعاون والتآزر، ولكل منها اتجاهاتها الدينية والفكرية – من ضعف حكومة لبنان وما نجم عنه من فراغ في السلطة في مناطق كثيرة من البلاد، بما فيها الجنوب. وبدأ مسلحون يغيرون على أهداف عسكرية ومدنية في شمال إسرائيل. وكان من بين الأهداف مباني منظمة التحرير الفلسطينية وقادتها – في بيروت وصيدا وغيرها.
من وجهة نظر عسكرية، لم تُحسم نتيجة هذا الصراع بعد. عندما تسلل نشطاء فتح في آذار/مارس 1978 إلى شمال إسرائيل وقاموا بخطف حافلتين وقتل وجرح مواطنين إسرائيليين، قررت إسرائيل إظهار أن هيمنة التصعيد في يدها. وبعد مرور ثلاثة أيام من غارة فتح، اجتاح الجيش الإسرائيلي جنوب لبنان حتى وصل إلى نهر الليطاني بقوة قوامها 25,000 مقاتل. ثم انسحبت تلك القوات بعد بضعة أشهر، تاركة المنطقة تحت حراسة قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) والميليشيا المسيحية المعروفة بجيش لبنان الجنوبي، والتي كانت إسرائيل تمولها وتسلحها، بقيادة الرائد السابق في القوات المسلحة اللبنانية، سعد حداد.
لكن قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان وجيش لبنان الجنوبي فشلوا في إيقاف هجمات فتح، والتي عززتها حالة الفوضى الناجمة عن تفكك ما تبقى من لبنان، حيث اندلعت حرب أهلية شاملة منذ عام 1975 فصاعداً.
عام 1982، اجتاح الجيش الإسرائيلي لبنان للمرة الثانية ووصل هذه المرة حتى بيروت، حيث حاصرها لعدة أسابيع. للوهلة الأولى بدا الهجوم عبر جنوب لبنان انتقاماً لعمليات عام 1978. ولم يؤثر وجود قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان وجيش لبنان الجنوبي على تقدم القوات الإسرائيلية. ومع ذلك كان هناك اختلاف كبير بين الحالتين، لأن الوجود العسكري السوري الكبير في وادي البقاع كان يمثّل عاملاً عسكرياً يُحسب له حساب.
تفوق التكنولوجيا الإسرائيلية
عام 1981، كان الجيش السوري قد أغلق “الطريق إلى دمشق” بقوات مدرعة تحت شبكة صواريخ (سام) أرض جو السوفيتية الصنع، مثل سام 6 المتنقلة وسام 9. وقد كبدت هذه الصواريخ المتطورة سلاح الجو الإسرائيلي خسائر فادحة خلال حرب 1973. ولكن القوات الإسرائيلية ابتكرت طريقة لمواجهة هذا الخطر، وذلك باستخدام “طائرات بدون طيار”، والتي كان يطلق عليها في ذلك الوقت اسم “الطائرات الموجهة عن بعد”.
كانت هذه الطائرات الاستطلاعية تتعقب بطاريات صواريخ سام على الدوام، دون أن يلاحظها أحد، ليس فقط موقعها بدقة، وإنما أيضاً البصمة الالكترونية لرادارات الإنذار المبكر وتوجيه النيران. وقد أتاح هذا لأنظمة الحرب الالكترونية الإسرائيلية بالتشويش على بطاريات “سام” والقضاء عليها بشن غارات جوية وحتى بقصف مدفعي بعيد المدى. وقد صار هذا التكتيك لاحقاً مثالاً يُحتذى به في جميع أنحاء العالم.
مع إزالة المظلة الواقية، تمكنت قاذفات المقاتلات الإسرائيلية من تحقيق التفوق الجوي، على أنها لم تكن لتصمد أمام الهجوم المضاد الواسع النطاق الذي شنه سلاح الجو السوري. ولكن هذا التحرك كان متوقعاً. وتمكنت طائرات الإنذار والمراقبة الإسرائيلية من طراز E-2 Hawkeye، المزودة برادار بعيد المدى ومعدات القيادة والمراقبة، من رصد 100 طائرة مطاردة من طرازMiG-21 و MiG-23 تقترب من المجال الجوي فوق منطقة البقاع. وقد اعتمد طيارو هذه الطائرات اعتماداً كبيراً على المعلومات التي كانت تقدمها المراقبة الأرضية Ground Control في سوريا. وقد تمكنت أجهزة الحرب الالكترونية الإسرائيلية من التشويش على العديد من روابط الاتصال بين أجهزة المراقبة الأرضية والمقاتلات.
الأمر الذي أعاق وصول المعلومات إلى الطيارين السوريين. ومن ناحية أخرى تمكنت طائرات Hawkeye الإسرائيلية من توجيه مقاتلات F-15 وF-16 دون عائق نحو المقاتلات السورية العاجزة. كما كانت الطائرات الموجهة عن بعد (بدون طيار) تحلق فوق القواعد الجوية السورية لترصد إقلاع مقاتلات ميغ. وكانت النتيجة مذهلة: فقد تم تدمير 80 مقاتلة ميغ دون خسائر إسرائيلية. وخوفاً من الإبادة، انسحبت مئات من الدبابات السورية من البقاع إلى سوريا.
لكن التفوق التكنولوجي والسيادة الجوية الإسرائيلية لم يضمن لها الانتصار على منظمة التحرير الفلسطينية/فتح وميليشيا حركة أمل الشيعية. توقفت أرتال المدرعات الإسرائيلية على مشارف بيروت، حيث لجأ ما يقارب من 20,000 مقاتل من منظمة التحرير الفلسطينية إلى المناطق السكنية. رغم أن بعض الفصائل الإسرائيلية توغلت في المدينة، إلا أنها لم تكن راغبة بالقتال داخل المناطق المأهولة التي توصف أحيانا بأنها “المعادل الكبير”، لأنها تبطل التفوق التكنولوجي. وبدلاً من ذلك، تم قصف المناطق، التي حاربت فيها منظمة التحرير الفلسطينية وميليشيات مسلمة أخرى المليشيات المسيحية والجيش اللبناني لسنوات، جواً وبحراً وبالمدفعية الثقيلة. وتمكنت الميليشيات المسيحية من دخول الأجزاء التي كان يسكنها المسلمون في المدينة.
صبرا وشاتيلا
لم ينسحب الجيش الإسرائيلي إلا بعدما تم التفاوض على جلاء حركة فتح من بيروت إلى تونس وبعض الدول العربية الأخرى في آب/أغسطس 1982، ووصول قوات حفظ السلام الدولية، والتي كانت في أغلبها تتألف من الفرنسيين والأمريكيين. وأخذت الأوضاع تتدهور بعد اغتيال الرئيس المنتخب بشير الجميِّل وزعيم حزب الكتائب بانفجار قنبلة. وكانت إسرائيل تأمل أن يكون للرئيس الجميِّل ما يكفي من السلطة والدعم لإنهاء الحرب الأهلية ويصبح حليفاً لإسرائيل.
مباشرة بعد اغتيال الجميِّل، أعطت القوات الإسرائيلية الضوء الأخضر لمسلحين من الكتائب بدخول مخيمي صبرا وشاتيلا للاجئين الفلسطينيين. وفي ذلك اليوم أعملوا القتل بآلاف المدنيين على الأقل، والذين أصبحوا دون حماية من قبل مقاتلي فتح – بعد مغادرتهم القسرية.
مع وصول المزيد من قوات حفظ السلام الدولية، انسحبت القوات الإسرائيلية إلى الجنوب، ولكنها أبقت على وجود عسكري لها بين نهر الأولي والحدود الإسرائيلية.
لكن بالنسبة لقوات حفظ السلام الدولية لم يكن هناك ثمة سلام كافٍ لحفظه. كان الوضع السياسي يختلف كثيراً عن البيئة التي عملت فيها البحرية الأمريكية والقوات المظلية عام 1958. وكانت البارجة نيوجيرسي تقصف التلال الواقعة إلى الشرق من بيروت بشكل منتظم، إلا أن دبلوماسية التهديد العسكري كانت قد فقدت فاعليتها.
الهجمات الانتحارية
لم يكن استخدام الطائرات الموجهة بدون طيار التكتيك الجديد الوحيد الذي تم اختباره في هذا الصراع المعقد، وإنما كان هناك تكتيك استخدام العمليات الانتحارية الاستراتيجي. وبالطبع لم تكن الهجمات الانتحارية لأهداف عسكرية أو لأسباب أيديولوجية أمراً مبتكراً. ولكن في هذه المرحلة من الحرب الأهلية اللبنانية، لم تلعب التكتيكات اليابانية اليائسة ضد حاملات الطائرات الأمريكية قبل أربعين عاماً دوراً في عقول العسكريين الأمريكيين أو الفرنسيين. إذ كانوا يخشون الألغام الأرضية والقناصة والهجمات الصاروخية، وليس الشاحنات المحملة بالمتفجرات.
في 18 أبريل/ نيسان 1983 اصطدمت شاحنة بالسفارة الأمريكية، وقام سائقها بتفجير طن من المتفجرات. فقتل على إثر ذلك نحو 60 من الدبلوماسيين والعسكريين والزوار.
لم يستفد أحد من الدروس. ففي تشرين الأول/أكتوبر عام 1983، كانت شاحنة مرسيدس صفراء محملة بما يعادل 12,000 كغ من مادة تي إن تي شديدة الانفجار في طريقها إلى مقر قوات البحرية على حافة المطار الدولي. ودارت عدة مرات في موقف للسيارات للوصول إلى السرعة المناسبة، ثم اخترقت الأسلاك الشائكة عند البوابة. وتوغلت الشاحنة باتجاه المبنى، وانفجرت. انهار المبنى وقتل 241 جندياً أمريكياً. وبعد بضع دقائق انفجرت شاحنة أخرى في مقر القوات الفرنسية، وقتلت 58 مظلياً.
استخدمت السيارات المفخخة الانتحارية في الصراع من قبل، ولكن هذه كانت موجهة ضد أهداف تكتيكية مثل أفراد المخابرات الإسرائيلية. لكن مقر البحرية الأمريكية والثكنات الفرنسية كانت أهدافاً إستراتيجية: كان للخسائر الجسيمة في الأرواح بين قوات حفظ السلام تأثيراً مدمراً على التأييد الشعبي لهذه العمليات داخل البلاد. استغرق الأمر بعض الوقت، ولكن في نهاية اليوم أدت التفجيرات إلى انسحاب أقوى حلفاء الميليشيات المسيحية والإسرائيليين.
خلال الأسابيع التي تلت التفجيرات، قامت طائرات فرنسية وأمريكية بقصف عدة أهداف متنوعة شرق بيروت. ولكن ذلك لم يستطع محو الشعور بالضعف المذهل للقوات العصرية مقابل مثل هذه الأسلحة الأولية.
كان هناك أكثر من سبب يدعو إلى الإحباط: كان من العسير جداً اقتفاء أثر المخططين لهذه الهجمات الانتحارية، ناهيك عن اعتقالهم ومحاكمتهم. وكان هناك مجموعة من المشتبه بهم: الجماعات الفلسطينية المنشقة، أو الميليشيات الشيعية أو أجهزة الاستخبارات السورية أو الإيرانية – وتأرجحت الظنون بين هؤلاء جميعاً.
التكتيكات اللبنانية والضعف الإسرائيلي
اضطرت القوات الإسرائيلية إلى الانسحاب من معظم جنوب لبنان بسبب ما تكبدته من خسائر فادحة، معظمها من حزب الله. وفي عام 2000 غادر آخر جندي إسرائيلي الأراضي اللبنانية – ولا يزال حزب الله يطالب بمزارع شبعا، التي بقيت تحت سيطرة الجيش الإسرائيلي، على أنها أرض لبنانية.
بقي الوضع في منطقة الحدود متوتراً بعد ذلك. وكان حزب الله يتحرك بحرية في التلال والقرى جنوب الحدود، وظنت إسرائيل أنها في مأمن بفضل ما لديها من تكنولوجيات الدفاع الحدودية الفائقة، والمدعمة بأحدث أجهزة الاستشعار الذكية ومحطات الأسلحة الأوتوماتكية والدوريات الدائمة. ولكن لطالما أثبتت الحرب أنه ليس من المحبذ الاعتماد على الأنظمة الآلية المتطورة وحسب؛ فمن الخطأ التقليل من شأن إبداع العقل البشري الذي له من الحيلة ما لا تصل إليه الآلة البكماء. وفي عام 2006، استهانت إسرائيل بحزب الله.
عام 2005 أعلن الجنرال دان حالوتس، أعلى سلطة عسكرية إسرائيلية (آنذاك) عن مبدأ قواته المسلحة: “نريد أن نكون أول من يعرف، وأول من يدرك، وأول من يقرر، وأول من ينفذ”. ووفق “مفهوم العمليات” هذا، أصبح بإمكان قوات الدفاع الإسرائيلية اختيار الوقت والمكان للتدخل بحزم ضد جميع الأعداء، بما في ذلك حزب الله. وقال حالوتس: “يتيح لنا التدريب والتكنولوجيا فرصة شن الهجوم على الإرهابيين وقائياً بمجرد اقترابهم من الحدود اللبنانية”. أظهرت هذه البيانات قدراً كبيراً من الثقة.
غير أن هذه الثقة انهارت مع تمكن مغاوير حزب الله من اختراق حاجز التكنولوجيا الفائقة على الحدود اللبنانية وتخريب إحدى الكاميرات. وعندما اقتربت دورية إسرائيلية تم استدعاؤها من جهاز الاستشعار العاطل، انطبق الفخ. ولقي ثمانية جنود إسرائيليين مصرعهم في الكمين وأسر آخران.
وبعد أحداث هذا الكمين، أشار المعلقون العسكريون الإسرائيليون إلى أن الحدود ذات التكنولوجيا الفائقة كانت بمثابة ‘خط ماجينو’، وأن جيش الدفاع الإسرائيلي وثق فيها أكثر من اللازم. ولم يقتصر هذا “التفاؤل التقني” على وسائل الدفاع على الحدود وحسب، بل امتد أيضاً إلى ما يسمى برنامج الصياد (Tzayad)، للجيش الرقمي. وشكا جنرالات إسرائيل أن الميزانية المخصصة لمثل هذه البرامج الوهمية دائماً ما تكون على حساب تمويل البرامج التدريبية العادية.
من وجهة نظر تكتيكية، يُعد هذا الكمين الذي نفذه حزب الله نجاحاً. وقد تلته المزيد من النجاحات. فعلى سبيل المثال، واجهت وحدة المشاة الإسرائيلية النخبة Egoz (البذرة، بالعربية)، المتخصصة بحرب العصابات، مقاومة شديدة عندما عبرت الحدود تحت جنح الظلام لاحتلال بلدة بنت جبيل. ومن الواضح أن مقاتلي حزب الله كانوا أيضاً مزودين بنظارات للرؤية الليلية، وهو ما مكنهم من تتبع صفوف الجنود الإسرائيليين مع اقترابهم. واستغرق الاستيلاء على القرية ثلاثة أيام رغم أنها على بعد بضعة كيلومترات من الحدود. وقد استخدم حزب الله الصواريخ المضادة للدبابات على نطاق واسع، وألحقوا أضراراً بدبابات ميركافا الإسرائيلية، التي يعتبرها بعض المحللين العسكريين الأفضل في العالم.
ولم يلبث أن بدأ الرد الإسرائيلي العنيف. فشرع سلاح الجو الإسرائيلي في قصف معقل حزب الله في بيروت. وتحولت المناطق المجاورة إلى أنقاض. مع أن أجهزة المخابرات الإسرائيلية تمكنت من تحديد موقع أكبر مَنصّات إطلاق الصواريخ التي يستخدمها حزب الله، وحتى المرحلة الأخيرة من المواجهة حيث تمكن حزب الله من ضرب شمال إسرائيل بالصواريخ وقذائف المدفعية.
مازال الجدل قائماً حول إذا ما كانت جرأة حزب الله قد حققت نجاحاً استراتيجياً. وقد لقي عدد من مقاتلي حزب الله ذوي الخبرة مصرعهم، و أصيبت البنية التحتية بأضرار جسيمة.
خلال الخمسين سنة الماضية، كانت أرض لبنان حقل تجارب للتكتيكات العسكرية: حالات تمرد وتمرد مضاد، وعمليات جوية…الخ. وتدارست قوات مسلحة في جميع أنحاء العالم ما جرى في هذه الحلبة. وكانت هذه على الأغلب تفاعلات عسكرية من قبل جهات خارجية: منها إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية وسوريا والولايات المتحدة والأمم المتحدة وأتباع إيران. وكان الجيش اللبناني في معظم الوقت هو الحاضر الغائب، فهو مغترب في بلده. ولم يثبت الجيش اللبناني أنه قوة يعتمد عليها إلا عام 2008.
بدأ القتال في 20 أيار/مايو عام 2008 عندما دخلت وحدة من الشرطة اللبنانية مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين لتفتيش أحد المنازل. وبعد عشرة أيام، نفذ الجيش اللبناني هجوماً برياً تدعمه المدفعية والدبابات – بدعم من الولايات المتحدة. وبعد أن هدأ القتال في هذا المخيم في شمال لبنان، انتشر القتال إلى مخيمات أخرى جنوب البلاد. كما وقعت انفجارات في بيروت، ويقال أن الانفجار الذي أودى بحياة ستة من موظفي الأمم المتحدة الأسبان في 24 حزيران/ يونيو كان من أعمال حركة فتح الإسلام.