وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الولاء السوداني موضع اختبار مع توسع أزمة قطر

Sudan-al-bashir and king Salman
ملك السعودية سلمان بن عبد العزيز يستقبل الرئيس السوداني عمر البشير في مطار الملك خالد الدولي في الرياض، المملكة العربية السعودية. Photo FAYEZ NURELDINE / AFP

إنّ أزمة قطر، التي اندلعت في 5 يونيو 2017 بعد أن أعلنت كل من المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، والبحرين، ومصر قطع علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية مع قطر بسبب دعمها المزعوم للإرهاب، آخذةٌ بالتوسع.

فبعد أن قطعت ثمانية دول إفريقية، أو خفضت، علاقاتها مع الإماراة الخليجية الصغيرة، يأتي السودان أخيراً ضمن القائمة التي تتعرض لضغوطاتٍ واضحة ومستترة على حد سواء من قِبل دول المقاطعة، كما يصفها الإعلام العربي، لينحاز في خضم هذا الصراع.

ومنذ اندلاع الأزمة، أعرب وزير خارجية السودان، إبراهيم غندور، عن موقفٍ متحفظٍ لبلاده ، إذ قال “لن تقف السودان في الحياد او تنحاز لطرف في الأزمة الخليجية. بيد أننا في قلب الحدث.”

وبالرغم من أن السودانيون يدركون جيداً أن بلادهم لا تملك نفوذاً سياسياً على اطراف النزاع، إلا انهم تنفسوا الصعداء لهذا الموقف الذي ابعد عنهم، على الاقل في الوقت الراهن، شبح الثمن الباهظ الذي دفعوه نتيجة لموقف الحكومة السودانية المؤيد للغزو العراقي للكويت عام 1990.

لكن دول المقاطعة لم تقدر حساسية الموقف السوداني وحرجه وضغطت بغلظة لدفع الحكومة السودانية لاتخاذ موقف مؤيد لها، حيث طالب سفراء السعودية والإمارات ومصر في اجتماع مع وزير الخارجية السوداني في 17 يونيو 2017 توضيح موقف الخرطوم من الأزمة الخليجية القطرية. غير أن الوزير السوداني جدد لهم حرص السودان على إصلاح ذات البين بين الأشقاء، من خلال دعمه ومساندته لمبادرة أمير الكويت، حسب وكالة الانباء السودانية.

الاقتصاد: القضية الرئيسية

لا يملك السودان قدرة الانحياز لطرف ولا ترف تجاهل الازمة. يعتمد الاقتصاد السوداني المتهالك على الاموال التي تتدفق اليه عبر البحر من السعودية ودول الخليج الأخرى، إذ أصبح هذا الاعتماد شديداً بصفة خاصة في أعقاب العقوبات الدولية. وتستثمر السعودية حوالى 26 مليار دولار في عشرات المشروعات في السودان غير الاموال المعلنة وغير المعلنة التي تدفع نقداً للحكومة. وتضخ الحكومة والشركات الاماراتية امولاً مقدرة للسودان في مساعداتٍ مباشرة ومشاريع استثمارية قدرت قيمتها بما يزيد عن 6 مليارات دولار العام 2016.

وفوق ذلك كله، لا زال رفع العقوبات الاقتصادية الامريكية على السودان المنتظر في اكتوبر المقبل هو الشهادة التي تحتاج اليها الخرطوم للخروج من ازماتها السياسة الاقتصادية والعودة للمجتمع الدولي كعضو مقبول. في واقع الأمر، لعبت السعودية دوراً حاسماً في اقناع الولايات المتحدة الأمريكية الاقدام على هذه الخطوة، ولا تستطيع الحكومة السودانية المغامرة بفقدان الدعم الدبلوماسي السعودي قبل بضعة اشهر من القرار الامريكي.

يُضاف إلى ذلك ان السعودية تدفع مبالغ طائلة غير معروفة بالضبط للحكومة السودانية مقابل مشاركتها في عاصفة الحزم اضافة للرواتب العالية، بالمعايير السودانية، التي تدفع للآلاف من الجنود السودانيين الذين يقاتلون هنالك، والتي تضخ بدورها عملاتٍ اجنبية عزيزة في شرايين الاقتصاد السوداني.

ففي أغسطس 2017، نشرت الحكومة السودانية الآلاف من قوات الدعم السريع التابعة لها لرفع أعداد القوات السودانية الموجودة في اليمن. وتتميز قوات الدعم السريع السودانية، والتي كانت اصلاً مليشيات محلية متورطة في الحرب الاهلية والقبلية، بخفة الحركة وقدرتها على تحويل جبهات القتال بسرعة باستخدام سيارات الدفع الرباعي، التي تعتبر أكثر ملائمة لحرب اليمن من الجيوش الكبيرة ثقيلة الحركة. كما أن ارسالها للخارج، بالرغم من الانتقاد المتكرر لمعارضيها، تصريفٌ مفيدٌ ومغرٍ للحكومة لأن قوى المتمردين الذين كانت تقاتلهم قوات الدعم السريع في دارفور قد استنزفت ولم يبق للدعم السريع الكثير مما تفعله في دارفور.

لكن قطر أيضاً كان لها ايادٍ بيضاء على حكومة السودان، فقد ساندت الخرطوم ودعمتها في احلك سنوات عزلته الاقليمية والدولية ورعت لسنوات جهود احلال السلام في دارفور بين الحكومة والمتمردين عليها واستثمرت اموالاً طائلة في هذه الجهود وغيرها من المجالات الاقتصادية في السودان. كما أن التقارب الايديولوجي والارتباط المشترك بالإسلام السياسي وحركة الاخوان المسلمين بين الحكومة السودانية وقطر يعزز علاقتهما البرجماتية بحبل سري متين.

ويتعاون السودان وقطر في ملف بالغ الأهمية بالنسبة للسودان، وهو مقاومة استفراد انصار خليفة حفتر بشرق ليبيا وفرض سيطرته عليها، لأن الأخير يدعم متمردي دارفور ضد الحكومة السودانية التي تدعم خصومه الليبيين.

علاوة على أن الإبقاء على صلة جيدة بقطر يقربها أكثر من تركيا التي القت بثقلها خلف قطر، ولديها علاقات اقتصادية وسياسية مهمة مع الخرطوم. وبالمثل، ربما تُبقي العلاقات الطيبة مع قطر الباب موارباً وليس مغلقاً أمام ايران، التي ضحت بها السودان قرباناً للسعودية.

وعلى صعيدٍ متصل، يُعتبر الفريق طه عثمان، الذي كان مقرباً من الرئيس السوداني عمر البشير، عراب تطبيع العلاقات السعودية السودانية في الفترة ما بين 2014-2015، وتربطه علاقات وثيقة بكبار المسؤولين في السعودية. فقد حاول الفريق طه، حسب بعض التقارير الصحفية، أن يعدل موقف السودان لتأييدٍ مباشر لمعسكر المناهضين لقطر بزعامة السعودية. وأقيل طه عثمان فجأة واعتقل ليوم واحد قبل أن يطلق سراحه ويسمح له بالسفر للسعودية التي اعلن منها انه يحمل الجنسية السعودية وأنه قد تم تعيينه مستشاراً لوزير الخارجية السعودي للشؤون الافريقية. وبعدها بأسبوعين، ظهر الفريق طه عثمان في مؤتمر قمة افريقي في أديس ابابا في أثيوبيا ضمن وفدٍ سعودي جاء لحشد الدعم للموقف السعودي ضد قطر، مما سبب حرجاً بالغاً للدبلوماسية السودانية.

وفي 19 يونيو 2017، وبعد اقالة الفريق طه بأسبوعٍ واحد، قام الرئيس البشير بزيارة للسعودية لأداء فريضة العمرة والتقى مسؤولين سعوديين. كرر الزيارة للسعودية في 19 يوليو وزار بعدها الكويت والامارات، ثم التقى الملك سلمان في مدينة طنجة المغربية في الثالث من أغسطس وسط تأكيداتٍ بأن مشاركة السودان في حرب اليمن ستستمر وتتوسع وربما لاحتواء أي آثار سلبية لإقالة الفريق طه عثمان.

واضطر وزير الاعلام السوداني احمد بلال عثمان للتراجع عن تصريحات منتقدة لقناة الجزيرة ادلي بها في زيارة لمصر، وقدم اعتذراً مهيناً امام البرلمان السوداني انكر فيها التصريحات التي ادلى بها امام عشرات الصحفيين بعد تعرضه لضغوط شديدة حد المطالبة باستقالته من نواب في البرلمان اعتبروا موقفه تأييداً لمصر والسعودية وانحيازاً ضد قطر.

لكن الحكومة سمحت على أي حال لمؤيدي قطر بالإفصاح عن آرائهم، حيث اعلن الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي السوداني، وهو حزب إسلامي معارض منشق عن الحزب الحاكم، علي الحاج، تأييده لموقف قطر. وتساءل علي الحاج في كلمة أمام مجلس شورى حزبه “شخصية مثل الشيخ يوسف القرضاوي كيف يمكن أن يكون إرهابياً.” وكانت الدول الأربع قد أصدرت قراراً بإدراج 59 شخصاً، بينهم القرضاوي، و12 كياناً مرتبطاً بالدوحة على قوائم الإرهاب التابعة لها.

واستنكر النائب عن الحزب الحاكم ورئيس جهاز الامن السابق صلاح عبد الله قوش إدراج حركة حماس الفلسطينية في القائمة نفسها، مؤكداً أن السودان لا يعتبر حماس حركة ارهابية.

تمكنت الحكومة السودانية حتى الآن، على أي حال، من الحفاظ على قدرٍ معقول من التوازن والمسافة المعتدلة بين طرفي النزاع بطريقة تحافظ على مصالحها وحرصها على عدم التورط في صراعٍ لا مصلحة لها فيه، لكن تطاول هذه الازمة لأمد بعيد أو تصعيدها سيكون له عواقب سلبية على السودان وربما تؤدي سياسة الحياد التي تتبناها الخرطوم نفسها لاستياء الطرفين واعتبار الموقف السوداني منحازاً للطرف الأخر.