وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الحوار الوطني اليمني 2013

مظاهرات ضد إغتيال السياسيين اليمنيين
مظاهرات ضد إغتيال السياسيين اليمنيين, سنعاء, 23 كانون الثاني 2014 / Photo HH

المقدمة

عُقد مؤتمر الحوار الوطني اليمني في 18 آذار/مارس من العام 2013 بمشاركة ممثلين عن مختلف الفصائل السياسية اليمنية.

شكل توزيع المقاعد في المؤتمر الوطني مسألة جدلية قبل انطلاق الحوار بوقت طويل وتم بما يصب في صالح الأحزاب السياسية الأساسية والقوى التقليدية التي حصلت على نصف المقاعد تقريباً في معادلة لم يخرقها سوى حزبان اثنان حديثا العهد فقط (حزب اتحاد الرشاد السلفي وحزب العدالة والتنمية القبلي) بعدد ضئيل من المقاعد. ولم يتم تمثيل الشباب بأي من الأحزاب الشبابية الحديثة العهد؛ فلم تخصص للشباب المستقلين سوى نسبة سبعة في المئة من المقاعد في المؤتمر.

المؤتمر الشعبي العام (GPC) وحلفاؤه 112
أحزاب اللقاء المشترك (JMP) 137
حزب اتحاد الرشاد اليمني؛ حزب العدالة والتنمية (حزبان جديدان) 14
المستقلون (40 للنساء, 40 للشباب, 40 لمنظمات المجتمع المدني) 120
الحراك الجنوبي 85
الحوثيون 35
قائمة ترشيحات الرئيس هادي 62

توزيع المقاعد / المصدر SWP Berlin

وعلى الرغم من ضعف تمثيله، عبّر الشباب اليمني الذي شكل العمود الفقري للثورة التي أطاحت بالرئيس علي عبد الله صالح، عن رأيه بجرأة في النقاشات متطرقاً إلى مواضيع حساسة تُعتبر من المحرمات مثل قانون الحصانة. وطالب الشباب أيضاً بالتحقيق في مسألة الغارات الجوية اليمنية والأميركية وفي تأثيرها على المدنيين. وشاركت في الحوار أيضاً أطراف أخرى لطالما كانت مهمشة مثل النساء وشرائح أخرى من المجتمع المدني.

وعلى الرغم مما شهدته أروقة الحوار من خلافات حادة، ومن استمرار الهجمات الإرهابية والغارات الجوية التي تشنها طائرات أميركية بدون طيار، ومن الاحتجاجات التي عمت المدن اليمنية في أثناء انعقاد المؤتمر، فقد أحرز  المؤتمر تقدماً ملحوظاً انعكس في مصادقة جمعيته العامة في تموز/يوليو من العام 2013، على المقترحات السياسية التي قدمتها ستٌّ من أصل تسع فرق عمل. وبعد مرور أشهر عديدة على المهلة الأخيرة لقيام الفرق بتقديم توصياتها، وضعت هذه الأخيرة اللمسات النهائية على تقاريرها وتوافق المشاركون في الحوار على مبدأ تحويل اليمن إلى دولة فيدرالية.

أما النظام الفيدرالي الذي سيُعتمد (إقليمان أو أكثر)، فتقرر الفصل فيه بعد إجراء مناقشات أكثر تعمقاً. ولم تنجح اللجنة الفرعية المنبثقة عن مؤتمر الحوار الوطني اليمني التي تعين عليها تحديد عدد الأقاليم بحلول نهاية شهر أيلول/ديسبمر من العام 2013، في التوصل إلى اتفاق ما اضطر بالرئيس هادي إلى تعيين لجنة أخرى. وفي حين اتفق أعضاء مؤتمر الحوار الوطني اليمني بغالبيتهم على تشكيل اللجنة الجديدة، عارضه الحوثيون وأعضاء حزب الحق والحزب الاشتراكي.

واختتم مؤتمر الحوار الوطني اليمني أعماله رسمياً في 25 كانون الثاني/يناير من العام 2014، وخرج بوثيقة عُرفت بوثيقة الحلول والضمانات. وقد تم اعتماد الفيدرالية كنظام جديد للدولة وإقرار دستور جديد عن طريق الاستفتاء، يُشرف على صياغته الرئيس هادي الذي مُددت ولايته بموجب الوثيقة لسنة إضافية.

ووافقت لجنة رئاسية في 10 شباط/فبراير 2014، على تحول اليمن إلى دولة فيدرالية مؤلفة من ستة أقاليم: أربعة في الشمال (أزال، سبأ، الجند، تهامة) واثنان في الجنوب (عدن وحضرموت).

قضية الجنوب

بحسب مجموعة الأزمات الدولية، تشكل قضية الجنوب التحدي الأصعب والأكثر إلحاحاً. وقد زادت الوضع الأمني سوءاً عمليات الاغتيال السياسي وتوسع نشاط القاعدة في شبه الجزيرة العربية والغارات الأميركية بطائرات من دون طيار. وأثار تدهور الوضع الاقتصادي سخط سكان الجنوب تجاه الحكومة الانتقالية. وفقاً للمجموعة، عمل الرئيس هادي، منذ توليه زمام السلطة، على إعادة تصويب ميزان القوى في صنعاء، محاولاً الحد من سيطرة الرئيس صالح ومؤيديه بدلاً من معالجة مظالم سكان الجنوب؛ الأمر الذي دفع بناشطي الحراك إلى رفع الأصوات المطالِبة بالاستقلال.

رفض هؤلاء كل اتفاق مع الحكومة المركزية-بما أنهم يرفضون الجمهورية- ورفضوا بالتالي مؤتمر الحوار الوطني اليمني وقاطعوا المفاوضات. تسبب ذلك منذ البدء، بسوء تمثيل الجنوبيين في المؤتمر الذي لم يشارك فيه سوى مجموعة صغيرة من ممثلي الحراك المعتدلين الذين لا يتمتعون إلا بتأثير محدود على القاعدة الشعبية، بحسب المجموعة، فيما احتشد آلاف الانفصاليين الجنوبيين احتجاجاً في محيط مقر المؤتمر في صنعاء.

الفيدرالية

يُعتبر نقل السلطة من العاصمة صنعاء إلى السلطات الاقليمية والمحلية إحدى أهم وأصعب القضايا التي توجب تناولها في الحوار. يُذكر في هذا السياق أن سكان المناطق الواقعة خارج العاصمة والتي لطالما أُهملت من قبل الحكومة المركزية، يفضلون قيام دولة فيدرالية. طالب الحراك، الذي كان مؤيداً لاستقلال دولة جنوب اليمن واستعادة أراضيها بحدودها القديمة قبل التوقيع على الوحدة عام 1990، بفيدرالية من إقليمين، في حين استمرت القوى التقليدية (ومن بينها المؤتمر الشعبي العام وحزب التجمع اليمني للإصلاح) بالمطالبة بنظام فيدرالي مؤلف من أربعة أو خمسة أقاليم.

وعلى الرغم من الموافقة الظاهرية للمؤتمر الشعبي العام وحزب التجمع اليمني للإصلاح على نقل السلطة من صنعاء إلى المناطق، يعتقد العديدون من اليمنيين أن قادتهم، وخصوصاً الرئيس صالح (رئيس المؤتمر الشعبي العام) وعلي محسن (حزب التجمع اليمني للإصلاح)، يعملون في الخفاء على إفشال هذه العملية؛ فلصالح ومحسن وحزبيهما مصلحة في الإبقاء على الدولة المركزية في اليمن، ومن شأن نقل السلطة من صنعاء أن يلحق بهما خسائر فادحة. فصنعاء هي محور النشاط الاقتصادي ومركز القرار في صفقات النفط والغاز والمشاريع الممولة دولياً، وانتقال السلطة منها يعني فقدانهما السيطرة على الامتيازات الاقتصادية.

تعدد المصالح

عوامل كثيرة تخطت المصالح الشخصية أعاقت تقدم الحوار وبالتالي نجاح العملية الانتقالية في اليمن؛ فالقوى التي رعت العملية الانتقالية (“أصدقاء اليمن”) ومن بينها الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية ودول أخرى من مجلس التعاون لدول الخليج العربية، دعمت مصالح مختلفة: فقد منحت المبادرة الخليجية الحصانة للرئيس صالح-ما أثار حفيظة الثائرين على حكمه-فيما شجعت الانتقال السياسي الهادف إلى معالجة المشاكل العديدة التي تواجهها اليمن.

وساهمت الغارات التي تشنها الولايات المتحدة الأميركية بواسطة طائرات من دون طيار على البلاد، في إطار حملة مشتركة أميركية يمنية ضد الإرهاب، في مفاقمة الإحساس بعدم الأمان والعداء للولايات المتحدة في صفوف اليمنيين. فبحسب منظمة هيومن رايتس ووتش، تسببت عمليات القتل المستهدف الأميركية في تشرين الأول/أكتوبر من العام 2013، بمقتل عدد من المدنيين في انتهاك واضح للقانون الدولي.

في المقابل، تسعى  إيران لتحقيق مصالحها من خلال دعم المتمردين الحوثيين الشيعة الذين بدأوا مؤخراً بالتقدم باتجاه العاصمة صنعاء من الشمال. ومنذ شهر تشرين الأول/أكتوبر من العام 2013 وهم يهاجمون مناطق جنوبي محافظة صعدة، معقل التمرد الحوثي، ويفتكون بالمقاتلين السنة (السلفيين) بواسطة أسلحة أثقل وأكثر تطوراً من ذي قبل.

وعلى الرغم من دور المبادرة الخليجية والعملية الانتقالية في تفادي اندلاع حرب أهلية، ما زالت البلاد غارقة في أزمة إنسانية خانقة. فقد أشار نقاد مؤتمر الحوار الوطني إلى عدم وجود علاقة بين المسائل التي تمت مناقشتها في الحوار والمظالم التي دفعت باليمنيين إلى التظاهر في العام 2011 والمتمثلة في انعدام الفرص الاقتصادية، وارتفاع معدلات البطالة، وارتفاع تكلفة المعيشة والفساد، والمحسوبية، وضعف سيادة القانون، وإساءة استعمال السلطة في نظام صالح. ومع منح الحصانة للرئيس علي عبد الله صالح من الملاحقة القانونية والقضائية، اعتبر الناشطون أن العملية الانتقالية أدامت سيطرة النخبة السياسة على البلاد ولم تلبِّ مطالب ثورة العام 2011 بالشكل المناسب.